اخر الاخبار

تفضيل المولود الذكر.. المجتمع يعزز والأنثى تدفع الثمن

– ريم حمود

“هم البنات للممات”، و”البنت يا تسترها يا تقبرها”، هذه بعض الأمثال الشعبية التي تعكس الثقافة الاجتماعية عن الأنثى في سوريا، على اختلاف مناطق النفوذ، وتترك في تفسيراتها أحكامًا عامة تسيء للأنثى، وتظهر خضوعها للهيمنة الذكورية، نتيجة أفكار نمطية لدى المجتمعات العربية بشكل عام، والسورية تحديدًا.

يلعب الموروث الثقافي دورًا مهمًا في إنشاء وتنمية ظاهرة تفضيل المولود الذكر على الأنثى لدى الرجل الشرقي في العائلة السورية، إضافة إلى أسباب أخرى تعززها الحروب والأوضاع المعيشية المتدنية، وفق ما ذكره الدكتور المتخصص بالعلاج الأسري عمر النمر، ل.
إنجاب مولود ذكر أمر مهم وضروري بالنسبة لبعض العائلات، وقد يكون سببًا لزواج ثانٍ، وتكوين عائلة أخرى تماشيًا مع هذه الرغبة، ما يلقي بتأثيرات سلبية على العلاقة الزوجية الأولى، والزوجة التي يمسها القرار، فيبدو حضورها مهددًا، كما حدث مع أمل دحام علوش، التي واجهت رغبة زوجها بإنجاب طفل طيلة فترة زواجهما التي امتدت لأكثر من عقدين من الزمن.

“خيبة أمل”

عادة ما يرى بعض الرجال في المجتمع السوري أن وجود ذكر ضمن أفراد العائلة من الضروريات، كونه “يحمل اسم الأب” في المستقبل، ويكنّى به، وهو محط اعتماد العائلة بعد أن يتقدم الأب في السن، وفق العرف السائد اجتماعيًا.

زوج أمل، المنحدرة من قرية التح في ريف إدلب، لم يستطع مقاومة حبه لإنجاب الأطفال الذكور، ورغبته بطفل يرث اسمه غلبت محاولات الزوجة إقناعه بالعدول عن فكرة الزواج مرة ثانية، رغم مساندة عائلته لها، ليتزوج منذ سنتين.

قالت أمل ل، إنها رُزقت بخمس بنات، وطفل ذكر أنجبته بعد نحو أكثر من عشر سنوات زواج، لكن الطفل ولد مصابًا بـ”قيلة نخاعية سحائية” في الظهر، تسببت محاولة استئصالها بشلل الطفل، نتيجة خطأ طبي أقعده عن الحركة.

ملامح خيبة الأمل والصدمة على وجه زوجها في كل مرة كانت تلد فيها بنتًا كانت تتضاعف بشكل واضح تلاحظه الأم، حتى مجيء طفلها الذي كانت تنشد فيه خلاصها من مشكلة رافقتها منذ زواجها، قبل نحو 23 عامًا، حتى إصابة الطفل بالشلل عند مراجعة الأطباء، وفق ما قالته ل.

وتابعت أمل (42 عامًا) أنها عند اكتشاف مرض الطفل قبل أعوام، قررت تكرار المحاولة، لا سيما بعد نقاش الزوجين لمرات عدة، وتحميلها المسؤولية، إذ يرى أن إنجاب الإناث مشكلة تتعلق بالمرأة، وإذا تزوج أخرى سينجب طفلًا.

فشل القدرة على الحمل مجددًا أدى إلى زواجه من شابة في الـ30 من عمرها، وهي في مراحل الحمل حاليًا، دون معرفة أمل (الزوجة الأولى) بجنس الجنين، فهي لم تلتقِ بالزوجة الجديدة.

وحول آثار الزواج من هذا النوع، بغرض إنجاب أطفال ذكور، يرى الطبيب المتخصص بالعلاج الأسري عمر النمر أن هذه الحالة تترك تأثيرات اجتماعية سلبية على العلاقات الزوجية والأسرية، تطول انعكاساتها الأطفال في المنزل، ما يؤدي إلى تفكك العائلة، وصعوبة معالجة المشكلة بحكمة، وفق الطبيب.

وأشار الدكتور النمر في حديثه إلى أن أفكار المجتمع تعين الرجل على إظهار رد فعل بالزواج مرة ثانية في حال لم تنجب زوجته الأولى طفلًا ذكرًا، ما يترك تأثيرات سلبية على نفسية المرأة، معتبرًا أن هذا السلوك ينبع من أفكار خاطئة تلقاها الزوجة من بيئتها الحالية أو السابقة إن وجدت.

للموروث الثقافي دور

إلقاء اللوم على المرأة في إنجابها إناثًا دون الذكور، يجبر بعض النساء على الرضوخ للواقع، إذا لم تكن المرأة تملك “رفاهية الاعتراض”، بتكرار التجربة والمحاولة أكثر من مرة، لإنجاب الذكر وإرضاء رغبة الزوج، وفق الدكتور المتخصص بالعلاج الأسري عمر النمر.

وتابع الطبيب أن الفشل في إشباع تعطش الرجل لابن ذكر سيقود لزواج جديد ربما يرافقه طلاق من الزوجة الأولى، وهي طروحات واحتمالات لا تخدم تكوين الأسرة.

ومن العوامل الأساسية التي تسهم بتضخيم المشكلة وفق النمر، عدم فهم المجتمع أن من يحدد جنس المولود في رحم الأم بحسب الطب هو الرجل لا المرأة.

ووفق الموقع الطبي “UpToDate“، فإن تحديد جنس الجنين البيولوجي ناتج عن “الكروموسوم” الذي يسهم به الوالد، فلدى الذكور “كروموسومات x و y”، بينما لدى الأنثى كروموسومات مماثلة “x و x”، وإن أسهم الذكر بـ”كروموسوم y” الخاص به يلقح الجنين ليصبح ذكرًا، وإن أسهم بـ”كروموسوم x” يلقح الجنين بأنثى.

يرى عمر النمر أن للمجتمع الدور الأهم بتعزيز فكرة أن الذكر أكثر أهمية في العائلة من الأنثى، والموروث الثقافي في بيئة ما يمكن أن يعزز التمييز بين الذكر والأنثى، وهو منتشر بكثرة وتزيد من صلابته الأمثال الشعبية، وكدليل على ذلك، استحضر الدكتور مثلًا شعبيًا يقول “هم البنات للممات”.

كما يسهم في تعزيز هذه الثقافة نمط الحياة الاجتماعية التي تحافظ على ارتباط نسبي للذكر بعائلته حتى بعد الزواج، بينما تختلف الحالة بعض الشيء مع زواج الأنثى.

ثقافة تمييزية

تسهم أيضًا عدة عوامل في هذا التمييز بين المولودين، منها العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز المجتمع أفضلية الذكر على الأنثى يعود لعدة أسباب، من بينها التفكير بأن القدرة على العمل وإعانة معيل العائلة تقتصر على الذكر، رغم أن البنت أيضًا يمكنها العمل، لكن عمل المرأة أيضًا ليس نقطة اتفاق في المجتمعات التي تتبنى وجهات نظر من هذا النوع، ما يعني أن الذكر خيار اقتصادي واستثماري أجدى للعائلة، وفق الطبيب النمر.

وأشار الطبيب إلى أن الحروب والظروف الاقتصادية المتدنية والاجتماعية الحرجة لها دور أيضًا بانتشار الرغبة أكثر لدى العائلة بوجود ذكر، وخاصة مع تأكيد الفرضية السابقة بأنه قادر على المساعدة بمصاعب الحياة، ما يضاعف من جهة أخرى الخوف من إنجاب أنثى في ظل الحروب والنزوح.

الطبيب النمر أشار إلى ضرورة نشر التوعية الاجتماعية للتخفيف من ظاهرة التمييز وتفضيل الذكر على الأنثى، عبر الإيضاح للناس الفكرة الأهم والحجر الأساس للمشكلة، وهي أن المرأة ليست مسؤولة عن جنس الجنين كخطوة أولية للمعالجة.

ومن الإجراءات الأخرى، العمل على تغيير الثقافة التمييزية في المجتمع، والشرح بأن العصر الحالي مختلف عن العصور السابقة التي كانت تعتمد على القوة الذكورية والعضلات في أثناء الحروب، فاليوم نحن في عصر التقدم والتكنولوجيا، والمجتمع بحاجة إلى عقول كل من الرجل والمرأة في الحياة، ولا يكتمل بأحدهما.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *