اخبار تركيا

أدي يامان التركية.. معالم أثرية صمدت لقرون ودمرها الزلزال

اخبار تركيا

أسفر الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا فجر السادس من فبراير/ شباط الماضي، عن تضرر العديد من المعالم الأثرية في ولاية أدي يامان التي كانت من أكثر المدن تضرراً بالزلزال، إذ لقي ما يقارب أربعة آلاف شخص مصرعهم، فضلاً عن بعض المعالم التاريخية التي لم تستطع أن تصمد في وجه الدمار الذي خلّفه الزلزال نظراً إلى قوته الكبيرة.

فقد تَهدَّم مسجد أدي يامان الكبير الذي بقي صامداً على مدار قرون عديدة. ويعود بناء المسجد إلى عهد إمارة دول قادير أوغللاري “Dulkadiroğulları” في القرن الخامس عشر الميلادي.

فيما صمدت التماثيل الضخمة في جبل نمرود أمام الزلزال الذي كان مركزة مدينة قهرمان مرعش، دون أن تصاب بأي أضرار تُذكَر. ويقع جبل نمرود الذي يُعتبر من عجائب الدنيا الثماني على بعد ستة وثمانين كيلومتراً من مركز مدينة أدي يامان. ويعد إحدى ركائز الإرث الثقافي العالمي، وأعلى متحف مفتوح في العالم، الذي تحفظ قمته أنقاض مملكة كوماجين، بحسب تقرير لـ “TRT عربي.”

تاريخ المدينة العريق

استضافت ولاية أدي يامان أو “حصن منصور” كما كانت تُعرَف سابقاً عديداً من الحضارات، بدءاً من الهيتيين مروراً بمملكة كوماجيني والإمبراطورية الرومانية والأمويون والبيزنطيين والسلاجقة والمماليك، وصولاً إلى الدولة العثمانية.

يعود تاريخ أول مستوطنة إنسانية في منطقة أدي يامان إلى ما يقرب من 40 ألف عام. وقد خضعت المدينة لحكم الإمبراطورية الرومانية الشرقية حتى جاءها الفتح الإسلامي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب. فانتقلت بذلك أدي يامان ومحيطها إلى الخلافة الإسلامية عام 638 ميلادية.

وفي عام 670 ميلاديّاً دخلت المدينة تحت حكم الأمويين الذين أطلقوا عليها اسم حصن منصور، نسبة إلى أحد قادة الدولة الأموية الذي بنى بها قلعة تقع وسط المدينة للدفاع عنها ضد هجمات البيزنطيين. ومن الجدير بالذكر أن السلطان يافوز سليم ضمّ أدي يامان إلى الدولة العثمانية عام 1515 ميلادية.

ينشط في الولاية عديد من الأنشطة الاقتصادية، أبرزها النشاط الزراعي الذي نسج حوله سكان الولاية ثقافتهم من أغاني وقصص وأمثال شعبية. ومن أبرز المنتجات الزراعية التي تشتهر بها الولاية: اللوز والقمح والشعير والفستق والحمص والقطن والتبغ والعنب والعدس.

ووفقاً لبيانات معهد الإحصاء التركي لعام 2021، ساهم القطاع الزراعي بأدي يامان في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 47 مليون دولار.

ولم تخلق الزراعة لسكان أدي يامان موروثهم الشعبي وحسب، بل ساهمت كذلك في بناء نشاط صناعة النسيج الذي حافظ أبناء الولاية عليه منذ القدم، وتوارثوه جيلاً بعد جيل، فأنتجوا منه البُسُط والملابس والسجاد اليدوي الذي بلغت جودته العالمية.

إعادة الإعمار

تَهدَّم إثر زلزال قهرمان مرعش الذي ضرب جنوبيّ تركيا أكثر من ثلاثمئة ألف مبنى في ولاية أدي يامان وحدها. وللتغلب على آثار هذه الكارثة اتخذت الحكومة التركية على الفور قراراً بإنشاء أكثر من أربعمئة ألف منزل في المناطق المنكوبة، إذ خصصت بناء نحو 50 ألف منزل في مركز مدينة أدي يامان و23,640 منزل في القرى المجاورة.

في هذا الصدد قال رئيس بلدية أدي يامان سليمان كيلينتش خلال مقابلة خاصة مع TRT عربي، إنه “يعمل على إنجاز مخطط إعادة البناء في فترة قصيرة، فضلاً عن إنشاء أسواق جديدة حتى تستمر الحياة التجارية في المدينة”.

وأضاف كيلينتش أنه “سيباشر خطة إعمار جديدة تشمل تدعيم الأساسات، وتحديد ارتفاع الطوابق، والمستلزمات المجتمعية وغيرها، إلى حين تسليم المباني لأصحابها”، مشيراً إلى مشروع إنشاء موقع سكني كبير في منطقة كاراداغ، إذ سيُنقَل قسم من المدينة إلى هناك عبر خطة بناء جديدة.

يُذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال إن 98% من المباني التي انهارت جراء الزلزال الأخير هي مبانٍ أُنشئَت قبل عام 1999، بما يعني أن هذه المباني بُنيت قبل فرض “قانون الإنشاءات” لبناء مبانٍ مقاومة للزلازل في تركيا، وهو القرار الذي صدر رسمياً عام 2007، وأُدخلَت عليه تعديلات عام 2018.

من الجدير الإشارة أن المباني التي بُنيَت حسب المعايير الهندسية المقاومة للزلازل لم تتعرض لأي أضرار، منها على سبيل المثال المباني التي شيّدَتها هيئة الإسكان الجماعي الحكومية “توكي” التابعة لوزارة البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي، ويبلغ عدد هذه المباني المشيَّدة سابقاً في المناطق المنكوبة ما يقرب من مئة وأربعة عشر ألفاً.

فرق الإنقاذ الدولية

وشارك نحو 10 آلاف فرد من فرق البحث والإنقاذ الأجنبية في أعمال الإنقاذ، وكان السودان في مقدمة هذه الدول إذ ساهم فريق البحث والإنقاذ السوداني المكوَّن من أربعين فرداً في إخراج ستة عشر شخصاً من تحت الأنقاض خلال أسبوع من مشاركته في عمليات الإغاثة.

وفي هذا الصدد قال قائد فريق البحث والإنقاذ السوداني العميد المطري أحمد المطري لـTRT عربي، إن فريقه “تحرك إلى مدينة أدي يامان بعد إكمال الإجراءات، حيث ساهم جهاز الريسك والرادار في عمليات الإنقاذ”.

وأضاف المطري أن فرق الإغاثة الثماني التي كانت عاملة في المنطقة أجرت نحو 173 عملية بحث وإنقاذ، مشيراً إلى أن نحو 79 عملية منها كانت لصالح الفريق السوداني. وقد جرت عملية الإنقاذ بالتعاون بين هذه الفرق والفرق التركية المحلية بالإضافة إلى الجندرمة.

وفي 6 فبراير/ شباط الماضي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا زلزال بقوة 7.7 درجات وأعقبه آخر بقوة 7.6 درجات، وتبعتهما آلاف الهزات الارتدادية العنيفة.​​​​​​​

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *