اخبار عمان

خطب الجمعة | جريدة الرؤية العمانية

 

سليمان المجيني

[email protected]

من بين الوسائل التي يمكن من خلالها بث رسائل التوعية هي خطب الجمعة، يجتمع الناس في هذا اليوم تحت قبب المساجد يبتغون نصحًا وقيمًا تُضاف إلى حياتهم، يتعلمون كيفية التعامل مع الآخرين من خلال الصدق، والتعاون من خلال بث روح المشاركة، والبر من خلال زيارة الأرحام وتقدير الغير، ومساعدة الفقير من خلال الصدقة وغيرها من الفضائل التي حثَّ عليها الدين.

الداعي لهذا المقال هو بغية تعميق الحديث عن كيفية إدارة المسلم لحياته تماشيا مع التسارع الكبير في صيغة العيش، في نسق وشكل حركة البشر، في نمط وأسلوب الحياة المتبع، في وتيرة ونهج المسار وطريقة كل شخص في التربية.

الدور المنوط بالمؤسسة الدينية كبير لا شك، ولا يقتصر على هذه الخطب التي نسمعها، لكن إذا كانت هي الوسيلة الأوسع والأضمن من حيث الكثافة العددية؛ فإنَّ الصوت سيكون مشاعًا للجميع، والأذن الصاغية ستكون مأخوذة بما يقال، واستيعاب العقول سيبدو على أشده في حال تلامس هذه الخطب حياة الناس، أقصد بحياتهم عيشهم الآني، أعمالهم وتجارب الآخرين.

تغيير نوع الطرح من خلال اللفظ لا من خلال العرض، من خلال الإسقاط وليس من خلال الموضوع نفسه، باعتقادي أن دمج المواضيع مع عيش المسلم وطريقة حياته، مع تحركاته في المجتمع وبحثه عن لقمة العيش، مع الطالب في مدرسته وجامعته، مع الأم في بيتها حتى مع العامل في المصنع أو المزرعة، تناول المواضيع في عمومها لن يفي بالغرض خصوصا مع هذه الأجيال.

المؤسسة الدينية تبذل جهودًا مُضنية في سبيل القيام بدورها كاملًا، لكننا نطالبها أيضًا بتغيير الطريقة ولعل الأمر لا يغفله القائمون، يحتاج المجتمع في هذه المرحلة لمعرفة كيف يمكن أن يكون الصدق فعّالًا لدرء الأخطار الجسدية والنفسية على الفرد؟ وكيف يكون التعاون بالمشاركة مفتاحًا للحب والتعاضد والتكاتف؟ وكيف يكون الجار مُعيناً لجاره في شتى الظروف والمحن؟، ما هي الفوائد التي يجنيها الجميع؟.. إلخ.     

لا نحتاج هنا للحديث عن تعظيم صلاة الجمعة؛ فهي عظيمة بعظم الموقف والمبتغى والإرادة التي تحرك الأشخاص للاجتماع الأسبوعي طوعًا، والأمثلة على عظمها جاءت بنص القرآن والحديث، لذا هي فرصة لبذل مجهود أكبر في عرض الحياة على مسامع المصلين، عرض الحياة بكل ما فيها من متناقضات ومُعالجة الموضوع المطروح معالجة حياتية أيضاً أي مرتبطة بالمعيشة حتى بأمثلته وشواهده، يقتضي الأمر ضم اختصاصيي الاجتماع، والاختصاصيين النفسيين والأكاديميين من أصحاب بحوث المجتمع مع علماء الدين الأكفاء لصياغة تلك الخطب.   

والأهم من كل ذلك هو التركيز على الأمثلة الحية لفوائد حسن الظن مثلًا في مقابل سوء الظن، الابتسام في وجه الآخر مقابل التجهّم والعبوس، حتى أن استدعاءها الذي يعتمد على مواقف وممارسات المجتمع شيء مهم جدا، واستقبال تلك الأمثلة من أبناء المجتمع أمر نافع منه زيادة الأرشيف المعرفي واتعاظ الناس بأمثلة حية من المجتمع، معناه أيضًا أن مسألة حدوثه مع أي فرد شيء وارد.

الحقيقة أن الأمر يعتمد على الهدف من هذا الإعلام الأسبوعي، لأن الخطبة إذا ما أُرجعت لمقصدها وسيلةٌ إعلامية مهمة، والهدف منها هو تثقيف المجتمع نحو الدين وتذكير الفرد بأهمية اتباع الفضائل ليعيش هانئًا في هذه الحياة، وليتمتع بصفات المسلم السوي، وليكون نصيرًا ومساعدًا لخطط الحكومة توفير حياة مُشرقة للمواطن ومن يعيش على هذه الأرض، وبالتالي فإن المعالجة الدينية لكافة نواحي الحياة العملية مهمة، وتوجيه الأفراد نحو ذلك من الأهمية بمكان، إيجاد الحلول من الدين، الصبر، الإصغاء والتمعن، أخذ العبرة، الأمانة، الإخلاص، التواضع، التسامح، الرحمة، محاسبة النفس، العفة، العدل…إلخ.

هذه الأجيال بحاجة إلى معرفة الأشياء التي يعيش بها ومعها، ولا يمكن جلب مواقف وأمثلة مرَّ عليها آلاف السنين لأن مسألة تطبيق نتائجها ستصطدم بواقع مختلف وشخوص مختلفين، لذا فالأمثلة الواقعية مهمة جدًا لتدعيم الفكرة (العِظة) المراد ترسيخها، ولا ضير في تمديد الخطبة واستكمالها في الأسبوع التالي إذا احتاج الأمر لذلك.

إذا استطاع المعنيون توصيل ماهية الدين وهو حسن المعاملة؛ فإن الأمر سينجح في تثبيت دعائم الخلق القويم وهو مدخل مهم للفرد، لأنه وَصْفُ رب العزة لرسوله، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء في الأساس ليتمّها، وإذا وصل الفرد للخلق القويم فإن جزءًا مُهمًا من حياته قد صَلُح واستقام وهو الأمر المطلوب في مرحلة معينة، بعدها سيكون بحثه نحو طريقة عيشه وكيف يقتات معاشه وسيخلص لنهاية سعيدة ترضيه وترضي مجتمعه.ولاأأأ

على سبيل المثال، نحن مقتنعون أنه عندما نتحدث عن الرضا بما قُسِم للفرد من رزق في هذه الحياة نشد من أزره في العمل على طلبه بل والإلحاح في السعي لتحقيق الأمر لكننا نُعلي من شأن الرضا لأن تقسيم الأرزاق إنما جاء متساويا بين البشر في هيئات مختلفة؛ فالنظر رزق، والعمل رزق، والصحة رزق، والتوفيق رزق، وعلى الخطبة تبيان كيف يكون ذلك.

لا أنكر أهمية الأسرة لأنها الحاضن والمربِّي الأول، لكن لا بأس من تصميم خطب الجمعة المؤدية للإقناع حتى تَصلُح الأسرة كلها ويخرج الجيل ناضجًا مُدركًا أهمية أن يكون ذا خلق. وتزخر المجتمعات بالعديد من الأمثلة التي يمكن بثها من خارج المسجد؛ فكثرة الذهاب للمساجد لا تعني الفضيلة وفي تعاملنا ازدراء أو تنقيص أو فوقية لأن الدين الحقيقي في تطبيق المعاملة الصالحة والتراضي مع الناس وتنمية العلاقة البينية وحب المجتمع وتعميره، هنا تأتي أهمية الخطبة التي تستكمل مثل هذا الخلق بأمثلة ووقائع تدعم هذا التوجه، من هنا سيكون للذهاب للمساجد دور في الحياة لا مكان لأداء الشعائر فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *