اخبار عمان

انتخابات مجلس الشورى على الأبواب

 

خالد بن أحمد بن سيف الأغبري

 

من منطلق مُقتضيات العمل بالنظام الأساسي للدولة وما نتج عنه من أنظمة وقوانين وتشريعات في مختلف المجالات يكتسب مجلس الشورى أهميته من خلال الصلاحيات الممنوحة له من لدن القيادة الرشيدة لجلالة السلطان المعظم حفظه الله باعتباره أعلى سلطة تشريعية تنظم الحياة العامة، وتُدير شؤونها، وتخطط وترسم ملامح مستقبلها، بما يتلاءم مع البيئة العمانية، وخلفياتها التاريخية، وتقاليدها النابعة من الفطرة الراسخة في وجداننا، ومن مبادئ شريعتنا الإسلامية السَّمحة التي تنظم حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ذات البعد الاستراتيجي الذي تتكون منه مُعطيات التنمية المستدامة، وتطور برامجها، والإعداد الكامل والمتكامل لنهضة عمان المتجددة، ورفاهية شعبها ورقيه، بما يجعله متماسكا ومتفاعلاً مع حكومته، وفق منظومة عملية هادفة، مبنية على قواعد متينة، وأنسجة اجتماعية متكافئة، وروح إنسانية قادرة على التكيف ومد جسورها مع الأطراف المعنية بالشأن العماني، ومع الأطراف التي تحترم السياسة العمانية، وقراراتها السيادية، وخصوصيتها الحضارية، ومنهجها المعتدل.

اللحمة المجتمعية والمواقف التي تتبناها عُمان على المستوى الداخلي والخارجي ثابتة لا تغيرها المحن والإحن، مبنية على المصداقية والشفافية، وعدم التدخل في شؤون الغير، والاحترام المتبادل، ويكفي مثالًا على هذه اللحمة تلك المواقف التي يتبناها المجتمع العماني عندما تتعرض السلطنة لكوارث طبيعية مثلما حدث على خلفية الأنواء المناخية الاستثنائية: إعصار جونو، وإعصار شاهين وغيرها من الأحداث التي ألقت بظلالها على وطننا العزيز؛ حيث هبَّ من خلالها الشعب العماني برمته معضدا بكل مقيم على أرض عمان الغالية، هَبُّوا جميعاً ووقفوا وقفة رجل واحد، لمساعدة ومساندة المتضررين بأموالهم وأنفسهم في تشكيلة متناسقة وروح أخوية عالية وصادقة دون تردد، وذلك لتخفيف معاناتهم، والوقوف إلى جانبهم، وتلبية احتياجاتهم الضرورية، ومن هنا نجد أن الشعب العماني عندما يتعرض لغزو فكري أو ثقافي تتم معالجته بالحكمة والموعظة الحسنة والمشاركة الإيجابية في ضوء المستجدات والأحداث، وبما يتلاءم مع روح التسامح وعدم التدخل في شؤون الغير، حفاظًا على ديمومة علاقاتها مع شقيقاتها ومع سائر المجتمعات الدولية، استجابة لدواعي الأمن والاستقرار الذي تسعى إلى ترسيخه البشرية، وتحافظ على مقوماته المجتمعات الدولية التي يحكمها العقل والرأي السديد، بعيدا عن تخبُّط أو شطط، وذلك باتباع نهج الخالق سبحانه وتعالى، كما أن مواقفها مع شقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي تتميز بالجدية وبعمق العلاقات الأخوية المتينة التي تستمد جذورها من إرثها الخالد، وموقعها الجغرافي المتميز، وثقافتها الإسلامية، وحنكتها وخبرتها الطويلة، ومنشأها القائم على تقوى الله والعمل بما يرضيه جلت قدرته.

وعلى الجانب الآخر، فإن موقف الناخب العماني الذي سوف يبعث بصوته من خلال الموقع الإلكتروني الذي عكفت وزارة الداخلية على تطويره منذ سنوات وأعدت له العناصر البشرية والأجهزة الإلكترونية هو بمثابة نقلة نوعية في المسار الصحيح الذي يتجه نحو المثالية في تقدم الحكومة الإكترونية، من أجل تبسيط الإجراءات، وتهيئة المناخ الملائم للناخب نحو الإدلاء بصوته بسهولة ويسر عبر الهاتف؛ سواء كان من داخل السلطنة أو خارجها، أو من داخل منزله أو مقر عمله أو من أي موقع آخر، فهي جهود مشكورة ومُقدَّرة تحسب لصالح وزارة الداخلية وفي مقدمتها معالي السيد الوزير الموقر وسعادة السيد وكيل الوزارة ولكافة الجهات المعنية بعملية الانتخابات؛ فالجميع لم يألوا جهدا في تعزيز هذه المنظومة، والعمل على إظهارها بذلك المظهر المشرف وتلك القوة الرائدة في مجابهة تلك الإخفاقات والتحديات التي قد تحصل في بعض الأحيان دون قصد أو تخطيط مسبق، إلا أنه وبالرغم من هذه الجهود، وهذه التجهيزات الإلكترونية يبقى دور الناخب وجديته في توجيه صوته لصالح المترشح الذي سوف يمثل ولايته في مجلس الشورى، بحيث ينبغي أن يكون بعد دراسة عميقة وتمحيص دقيق لكفاءة ذلك المترشح ومدى أهليته لتحمل المسؤولية المجتمعية التي تبرز دوره الفاعل في نقل تصورات المواطنين ومقترحاتهم، ومعرفة واجبات العضو ومسؤولياته، والتي تحكمها أنظمة وقوانين المجلس، وما يترتب عليها من قرارات وآراء سديدة يجسدها الإخلاص والأمانة والعمل الجاد.

ولعل ما يثير المخاوف من وجهة نظري الشخصية هو تدني نسبة الناخبين التي قد تتأثر سلبًا نتيجةً لانحسار نشاط المترشحين الذين كان يعول عليهم في دفع الناخبين إلى صناديق التصويت بتلك الهمة والنشاط، حيث كان لتلك المتابعة والحركة الإيقاعية التي تبنى عليها طموحات المترشحين بغض النظر عن الوسائل والطرق المتبعة من حيث مشروعيتها مجال كبير للمنافسة الميدانية التي تدعم نشاط المترشحين ووصولهم إلى صناديق الانتحابات. كما ينبغي أن تصحب هذه الجهود وهذا التنظيم المبذول من قبل الجهات المعنية ثقافة مجتمعية تؤدي رسالتها على أتم وجه بما يرضي الله، ويرضي جميع أطراف العملية الانتخابية، ويحقق طموحات وآمال المواطن العماني وتطلعاته.

وفي سياق حديثنا هذا عن انتخابات مجلس الشورى كان لي مقال سابق منذ سنوات تناولت فيه معاناة المرأة من تقهقر يلفت الانتباه من حيث وصولها إلى قبة مجلس الشورى، نتيجة تذبذب علاقة المرأة بالمرأة ذاتها، وعدم ثقتها بشقيقتها المرأة، رغم التطورات التي أحدثتها المرأة في سيرتها الذاتية، وبذلك تميل الكفة لصالح الرجل رغم أن النسبة المئوية لعدد سكان السلطنة يشير إلى تقدمها. هذا إلى جانب أنه وفي تقديري الشخصي أن الأجواء متاحة لها والبيئة صالحة بأن تقوم بدور فاعل ونشاط متنامي مدعوم بحنكة وبثقة تنفتح أمامها الأبواب متى ما وجدت آذان صاغية وبرامج دعائية جادة، والمهم في ذلك بأن تجد المرأة ضالتها عندما تجد موقف أختها المرأة مساندا ومساعدا ومؤازرا لها، فهي بطبيعة الحال لا تنقصها المعرفة والعلم والشجاعة والثقافة والحضور المجتمعي على المستويين الأهلي والرسمي، بيد أن الحديث الذي أضعه بين يدي القاري الكريم ليس من باب المجاملة أو الانحياز لطرف المرأة بقدر ما هو اعتراف بمكانتها ودورها وحقوقها المشروعة.

المرأة العمانية لم تكن في يوم من الأيام متقوقعة أو مهزومة في بناء شخصيتها بالعلم والمعرفة والثقافة وتطوير ذاتها ومشاركة شقيقها الرجل في بناء وطنها وخدمة مجتمعها وأمتها، وكما قال الله في محكم كتابه العزيز 🙁وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، [التوبة: 105]؛ فهناك من النساء من يشار إليهن بالبنان في مواقفهن وتحمُّلهن المسؤوليات الجسام، ووصولهن إلى مستويات عليا في المجالات العلمية والفقهية والمعرفية والإبداعية والابتكارية، والتجارب الماضية خير برهان على ذلك، وفق الله الجميع لخدمة عمان الغالية تحت قيادة جلالة السلطان المعظم هيثم بن طارق حفظه الله، والله ولي التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *