اخبار عمان

الدروس والعبر المُستفادة من “طوفان الأقصى”

 

د.إبراهيم السيابي **

 

منذ السابع من أكتوبر لم يعد العالم كما كان، ولن يعود، ومهما حاول البعض التقليل من هذا الحدث الكبير، فلن يستطيعوا فهم أنه الحدث الذي زلزل هذا الكيان الصهيوني، وأصابه في مقتل، ومردغ أنفه في التراب، وقوض مقولة أنه الجيش الذي لا يقهر.

هذا التأريخ هو يوم فاصل بين الحق والباطل، وبين الظالم والمظلوم، هو يوم سيُكتب في صحائف أحرار وشرفاء العالم؛ بأن من يُراد استعباد إرادتهم لن يستكينوا في هذا التأريخ. لقد تم التعريف بالطريق الحقيقي لنيل الكرامة مهما كان الثمن بدلًا من الذل والخضوع والاستسلام، هذا اليوم تمَّ التفريق بين أصحاب الأرض الحقيقيين والمحلتين الغاصبين سارقي الأرض والتاريخ، هذا اليوم فرق بين صاحب الحضارة والتاريخ وبين مستوطن جاء مطرودا من أرضه ومن بلاده ليقيم وطنًا في أرض ليست أرضه، ويبيت تحت سماء ليست سماؤه.

وعودًا على بدء، وإلى أصل الأحداث، وخضم الواقع في هذه القضية التي لم تعد قضية وطن مسلوب، وشعب مقهور ومظلوم، من سُرق بيته وأرضه، ويُعامل معاملة لا تليق بالبشر من اغتيال وتهجير، وحصار، وتجويع، وسرقة الموارد، ويعيش في أسوأ أنواع الظروف، بينما السارق ينعم بكل أنواع سبل العيش الكريم، ويلقى مختلف أنواع الدعم.

القضية في الحقيقة مثل الشمس في رابعة النهار، واضحة منذ زمن، لكن هناك من أراد أن ينتصر؛ لأنه يملك القوة والدعم، لذا، فقد تكالبت الظروف على الشعب الفلسطيني فسُرقت أرضه، وأُجبر على العيش كلاجئ في وطنٍ ليس وطنه، أو يعيش وهو مقهور مظلوم في أرضه المحتلة، ولقد تخلى عنه الإخوة في الدين والعقيدة، والإخوة في اللغة وفي المصير، وفي المقابل الكيان الغاصب منذ أول يوم وطئت رجله هذه الأرض، وبوعد ظالم لمن وُهب أرض لا يملكها، وهي أرض فلسطين لمن لا يستحقها عن طريق ما يُعرف بوعد بلفور المشؤوم، وهو منذ ذلك التأريخ يحصل على الدعم والمساعدة في كل شيء مهما كان الثمن.

وبعد سنوات من هذا الصراع الذي تجاوز 75 عامًا، ولا جديد يُذكر ولا قديم يُعاد، سوى عهود اتفاقية بالية أكل وشرب عليها الزمن، والمستفيد الأكبر من كل هذا هو العدو الصهيوني الغاشم، كل هذه السنين وهو كل يوم يزيد من عدوانه وظلمه، سواء كان بسرقة المزيد من أراضي الشعب الفلسطيني، أو التجرؤ بالقتل واغتيال أصحاب الأرض الأصليين، أو اعتقالهم لتكميم أفواههم، وكذلك تجاوز كل أنوع الغي في تدنيس المسجد الأقصى، ذي المكانة المقدسة لأصحاب الأرض الأصليين، ولأكثر من مليار مسلم.

من هنا، جاء طوفان الأقصى ردًا على استفزازات سنين من الصبر، وسنين من الذل والقتل والهوان للطرف المظلوم المغلوب على أمره، والذين يدعون ويتشدقون بمسيرة السلام، ودعواهم بسعي هذا الكيان الغاصب إليه يصمون آذانهم ويعمون أبصارهم عن الحقيقة، حتى ولو بصوت العاجز بأنه لا توجد مسيرة للسلام في الأصل، وهذا الكلام عبارة عن ضحك على الذقون، واستهتار واستحقار للشعب الفلسطيني، كيف والطرف الآخر من يمارس أشد انواع الاستفزاز، وأشد أنواع التنكيل بالأبرياء العُزل من النساء والأطفال، ويُدنس مقدساتهم، ويُنكل بالمصلين دون أن يرف له طرف، أو ترمش له عين.

طوفان الأقصى هو حق أبلج للمطالبة بالحقوق، وإنهاء الظلم والاحتلال، فهؤلا الفتية من غزة وغيرها من المناطق الفلسطينية هم من يدافعون عن أنفسهم، وليس كما يدعي قادة الظلم والداعمين بأن العدو الغاشم هو من يدافع عن نفسه، فكيف يُساوى الجلاد بالضحية، كيف يُساوى من يحتل الأرض، ويقتل ويحاصر وينُكل أهلها بأصحاب الأرض المُعتدى عليهم والمظلومين.

وحتى لا تمر تضحيات أهل غزة ودماء شهداء أهل غزة أطفالهم ونسائهم وحتى لا تمر معاناة أهل غزة، وكيف زهقت أرواحهم عندما كانت تمطر عليهم القذائف من كل حدب وصوب في بيوتهم وفي الشوارع والأزقة، في المستشفيات والمدارس، بل حتى في دور العبادة، لم تسلم من بشاعة هذا العدو الخالي من نوع من أنواع الرحمة والإنسانية.

حتى لا بمر كل هذا دون أن نبرز اهم العبر وأهم النتائج من موقعة طوفان الأقصى، وما تبعها من أحداث وعدوان على غزة، فإننا سوف نستعرض أهم العبر والفوائد؛ وهي:

  1. الكشف عن الوجه القبيح عمن يتشدقون بحقوق الإنسان والمنظمات الأممية التي هي في الحقيقة مجرد واجه أو دُمى يحركونها على ميولهم، فقد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عن ضرورة احترام المثليين، ورفعوا شعارتهم في كل مكان، بل أنهم حاولوا إسقاط نظام سياسي كامل في دولة للاشتباه في مقتل امرأة على يد الشرطة، بينما لم تحرك ضمائرهم منظر آلاف الأطفال وآلاف النساء وهم يدفنون أحياء، ويُنحرون من الوريد للوريد، ويموتون وهم جوعى بلا بيوت ولا مأوى، لم تتحرك ضمائرهم والمدينون الأبرياء وهم يتعرضون للإبادة، ويقصفون بأشد أنواع القنابل المحرمة دوليا حتى في الحروب الطبيعية.
  2. سقط قناع الديمقراطية العفن الذي تتغنى به بلاد الغرب، وأن هؤلاء الساسة هم الفئة التي تمثل حكم الشعوب لهذه البلدان حين تظاهرت شعوبهم بالملايين في الشوارع رافضة مواقف ، هذه الحكومات الداعم لهذا الكيان، وأن الحكومات لا تمثل إلا نفسها، وخرجت هذه الشعوب بالألوف في الشوارع داعمة قضية فلسطين، ومستنكرة عمل هذا العدو الغاشم وجرائمه ضد الإنسانية، وبالتالي سقطت هذه الديمقراطية إلى غير رجعة، وعلى هذه البلدان مراجعة مرجعيتها، وانظمتها السياسة من جديد.
  3. ظهرت حقيقة ضعف وهوان ما يعرف بالعالم العربي، وماذا يمثل لهذا العالم، فهو مجرد رقم أو مصدر من مصادر المال، أو مصادر الطاقة، وهو بلا وزن ولا أهمية، فقد وقف موقف المتفرج عاجز حتى عن إيصال الطعام أو الشراب، أو يساعد في وقف احتضار المرضى بالمسشفيات، وهم بلا أدوية أو طاقة أو ماء.
  4. أكد طوفان الأقصى دون شك مقولة أن ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلّا بالقوة، وأن الضعف عند من لا يعرف إلا لغة القوة يُعد هوانًا واستسلامًا.
  5. أكدت أحداث غزة مدى الحاجة الماسة للدول العربية لمراجعة حساباتها، ومصالحة شعوبها حين خرجت هذه الشعوب عن صمتها، وتقف لأول مرة صفًا واحدًا ضد هذا العدوان من خلال الاهتمام، والحديث عمّا يجري في غزة، بينما اكتفت معظمهم بموقف الشجب والإدانة دون موقف سياسي واحد واضح وحاسم.
  6. استطاع أهل غزة وشجعانها دحض ادعاءت الغرب ومن يقف ورائهم بإلصاق تهم الإرهاب بالمسلمين، ولم تعد هذه الادعاءت تصدق في كل العالم؛ فالعالم لا يتحدث هذه المرة الا عن شعب يقاتل ويضحي من أجل الحصول على حقوقه، وأرضه المسلوبة دون تكرار الاسطوانة القديمة، والحديث عن إرهاب المسلمين، أو الالتفات إلى من يروجها.
  7. لن تستطيع أي قوة مهما كانت أن تُنكر حقوق الشعب الفلسطيني، وحقه في مطالبته في دولته المستقلة بعد اليوم، لأن وجود دولة فلسطين أصبح واقعا،، ومجرد مسألة وقت، فالموضوع خرج من يد قرار حكومات الدول إلى شعوبها، وأصبح أمر نيل شعب فلسطين لحقوقهم واستعادة ارضهم حديث العالم في كل بيت أو كل شارع.
  8. ظهرت قوة السلطة الرابعة ونفوذها، وهو الإعلام، بوصفه قوة لا يُستهان بها في العالم أجمع، وظهر أيضًا ما يُسمى بقوة تأثير منصات التواصل الاجتماعي، التي أظهرت الحقائق، إذ لم يعد لوسائل الإعلام الحكومية أو المحسوبة عليها أي تاثير، ولم يعد كذبها على الشعوب ينطلي على أحد.
  9. أخيرًا، أثبتت أحداث غزة صحة نظرية المؤامرة، وما يُحاك للعالم العربي من دسائس هو أمر واضح وفاضح، وكُشفته المخططات تلو الأخرى، وعلى حكام وشعوب هذا العالم العربي أن يعوا ويدركوا وينظروا إلى أحداث التاريخ في السنوات الأخيرة، كيف تسير؟ ولمصلحة من؟، مما يُحتم عليهم إعادة الحسابات، وأن يفيق العالم العربي من سباته العميق، وأن يعيد حساباته، فالغرب يريد للعرب والمسلمين أن يعيشوا في فرقة وضعف وانقسام ويريدهم غارقين في الديون والحاجة، ويريد لإرادتهم السياسية أن تكون بعيدة عن أحلام وطموحات شعوبهم، وبالتالي؛ تبقى هذه الدول وحتى أن كثرت أموالها بلا إرادة، ولا رأي، ولا استقلال حقيقي.

في الختام.. ندعو الله أن يرفق بأهل غزة، وينال أهل فلسطين حقوقهم في إقامة دولتهم المستقلة على أرضهم، وتكون هذه الأحداث بداية التصحيح، وتفتح باب الأمل للعرب والمسلمين نحو غد يكون للعرب والمسلمين شأن آخر، ومجد آخر بإذن الله.

** خبير في الشؤون المالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *