اخر الاخبار

حرمها علماء من دمشق ومكة وأحلّوا دم شاربها.. معلومات صادمة عن مشروب القهوة وطن

وطن لا يعرف الكثيرون ممن يستهلون صباحهم بفنجان قهوة كل يوم أن هذا المشروب كان إلى بدايات القرن الماضي مشروباً محرماً بفتاوى شرعية في العديد من البلدان العربية ومنها السعودية.

ويعود تاريخ القهوة العربية واكتشافها إلى أهل اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية وذلك عندما كان أحد الرعاة يحتطب أغصان شجرة البن اليابسة من أجل الدفء لتصدر منها رائحة ذكية منعشة تشرح الصدر وتجدد نشاطه وتطرد النعاس، وحتى إذا ما تناول قطيع الراعي من تلك الشجرة البن يزداد نشاطه وحيويته.

ويعود تسميتها بالقهوة إلى الشيخ ابو بكر بن عبد الله الشاذلي الملقب بالعيد روس لأنها تقهي الإنسان عن الزاد والنوم وتساعده على السهر والعبادة وقد برع في إعدادها وتقديمها حتى انتشرت ضمن العادات في الصحراء العربية وبادية الشام.

صورة أرشيفية لشرب القهوة في العالم العربي

قصة القهوة واستحلال دم شاربها!

ولم يلق مشروب من الجدل الفقهي بين علماء الدين لثلاثة قرون من الزمان مثلما لاقت “القهوة” فمنهم من أفتى بحرمتها حرمة قطعية وذكر بأن شاربها كافر حلال الدم، ومنهم من قال بحلها، بل أطلق عليها اسم “خمرة الصالحين” نكاية في من يحرمون شربها.

وفي عام 1511، كان يحظر شربها من قبل الأئمة السلفيين المحافظين في المحكمة الشرعية في مكة المكرمة لتأثيرها المحفز. ومع ذلك، تم إلغاء هذه الحظر في عام 1524 بأمر من السلطان التركي العثماني سليمان الأول، مع المفتي الكبير محمد أبو السعود الأحمدي بإصدار فتوى تسمح باستهلاك القهوة.

وأوائل القرن العاشر اختلف العلماء في فنجان القهوة وفي أمرها، وذهب إلى تحريمها جماعة ترجح عندهم أنها مضرة، وآخر من ذهب إليه بالشام والد الشيخ شهاب الدين العيثاوي، ومن الحنفية القطب ابن سلطان، وبمصر الشيخ أحمد بن أحمد بن عبدالحق السنباطي تبعا لأبيه، والأكثرون ذهبوا إلى أنها مباحة، وقد انعقد الإجماع بعد ذلك على الإباحة.

واستند من حرم هذا المشروب إلى كون القهوة مادة مسكرة مخدرة للعقل ما دفع القائمين على الحسبة إلى مهاجمة أماكن إعدادها وتكسير أوانيها وتجريم الجهر بتناولها.

وتظهر العديد من عناوين الكتب ورسائل العلماء، شدة النقاش الدائر حول هذا المشروب المستجد، مثل “عمدة الصفوة في حل القهوة” للشيخ عبد القادر الأنصاري، و”رسالة عن القهوة والدخان والأشربة المحرمة” للشيخ مصطفى الأقحصاوي، و”أرجوزة فى تحريم قهوة البن” للشيخ نور الدين العمريطي.

لا يعرف الكثيرون ممن يستهلون صباحهم بفنجان قهوة كل يوم أن هذا المشروب كان إلى بدايات القرن الماضي مشروباً محرماً بفتاوى شرعية في العديد من البلدان العربية ومنها السعودية
مشروب القهوة في الدول العربية

من الجامع الأموي في دمشق

وعلى رغم ذلك فقد برزت المعارضة للقهوة ثانية خلال عهد الوالي العثماني سنان باشا عام 1587، حين بقي خطيب الجامع الأموي في دمشق مصراً على موقفه من القهوة، حتى أنه ألف رسالة تحريم القهوة حينئذ.

لكن أهل عصره ردوا عليه وعقدوا ضد فتواه مجلساً عند سنان باشا لإلزامه القول بتحليلها فلم يرجع، مخالفاً بذلك الإجماع.

وفي أوائل القرن الثامن عشر، أفتى الشيخ علي أحمد السنباطي في مصر بتحريم شرب القهوة باعتبارها “مادة مُسكرة مُخدرة للعقل” الأمر الذي لاقى ردود فعل سلبية كثيرة، وأدى إلى مهاجمة رئيس الشرطة لمستهلكي القهوة وحبس بعضهم.

كما هاجم الأهالي بعض المقاهي وحطموها واعتدوا على روادها، وأغلقوا أماكن تقديمها وكسروا أوانيها، ومنع استعمالها أو الجهر بشربها.

القهوة وواقعة مكة

وتحتفظ كتب التاريخ بقصة حصلت أثناء الحج في الأراضي المقدسة حينما كانت مصر متحكمة تمامًا في طرق الذهاب والعودة إلى رحلة الحج في العصر المملوكي.

وتروي القصة أنه أثناء عودة الأمير “خاير بك” حاكم مكة إلى القاهرة في عهد السلطان قنصوة الغوري، شاهد جمعًا من الناس قد أنتحوا جانبًا من المسجد الحرام مستغرقين في كؤوس الشراب، وما إن شاهدوه حتى قاموا بإطفاء الفوانيس مما زاد من شكوكه.

وبحسب تقرير لصحيفة “الاندبندنت” البريطانية بنسختها العربية سميت هذه الحادثة التي وقعت عام 1511 بـ “واقعة مكة” وتفاعلت القضية آنذاك إذ تم رفع محضر بذلك إلى القاهرة يتحدث عن ارتياب من تأثير هذا المشروب الجديد على الوسط المحلي.

وكان من الواضح أن هذا المحضر نفسه تضمن أول أسباب ومظاهر الخلاف حول القهوة بين الفقهاء، والذي سيستمر بعد ذلك قروناً عدة.

سلاطين آل عثمان يحرمونها

ولم يختلف الأمر في دمشق عنه في مصر ويقول المؤرخ الدمشقي ابن طولون إنه عند مجيء الشيخ الحجازي علي بن محمد الشامي إلى دمشق عام 1539 “أشهر شرب فنجان القهوة بدمشق فاقتدى به الناس وكثرت يومئذ حوانيتها”.

ومن غرائب بعض سلاطين آل عثمان إصدار فرمانات بتشديد تحريم القهوة وهدم المقاهى وإعدام من يجاهر بشربها لأسباب سياسية ترتدى ثوب الدين.

لكن هذا لم يدم طويلاً، فدمشق ومعها القدس عاشت أزمنة سمح فيها بشرب القهوة وفتح بيت لها، وأزمنة أخرى حرمت فيها وأغلقت بيوتها أو هدمت.

وفي أحيان أخرى وصلت لإعدام الشخص الذي لا ينفذ قرار السلطان العثماني القائم على فتوى تحريمها. وكانت تتبدل أزمنة السماح والحرمان بتبدل السلطان أو بتغيير القاضي في دمشق من حين لآخر فيتغير معه الموقف برمته.

قطع رأس شاربها

ومن عجب فإن القهوة التي تم تحريمها وقطع رأس من يشربها في بلاد الخلافة العثمانية حماية لشرع اللـه، أصبحت هي المشروب الرسمي وواجب الضيافة في مجالس الملوك والأمراء، وكذا المشروب الوحيد المسموح به غير ماء زمزم في إفطار الصائمين بالكعبة المشرفة والمسجد النبوي.

وعلى رغم ذلك فقد برزت المعارضة للقهوة ثانية خلال عهد الوالي العثماني سنان باشا عام 1587، حين بقي خطيب الجامع الأموي في دمشق مصراً على موقفه من القهوة، حتى إنه ألف رسالة تحريم القهوة حينئذ، لكن ردها عليه أهل عصره وعقدوا عليه مجلساً عند سنان باشا لإلزامه القول بتحليلها فلم يرجع، مخالفاً بذلك الإجماع.

وهكذا يبدو بوضوح أن الكفة أخذت تميل إلى جانب أنصار القهوة منذ ذلك الحين، ودعمت بفتوى من شيخ الإسلام آنذاك بستان زادة محمد أفندي، الذي أصدر فتوى صريحة في تحليل القهوة.

ورغم حسم العلماء المتأخرين في حكم هذا المشروب، إلا أن هناك آراء معاصرة تحاول نفض الغبار عن حكم التحريم، تحت مبرر كون الإدمان على شرب فنجان القهوة قد ينتهي بصاحبها لإدمان غيرها كالسجائر والمنبهات، وقد اعتبرها بعض الدعاة بابا من أبواب ضياع الوقت والتشجيع على المحرمات لاقترانها بالجلوس في المقاهي التي تجشع على الاختلاط بين الجنسين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *