اخبار تركيا

هل تنجح الوساطات على خط أنقرة – السليمانية؟

د. سمير صالحة تلفزيون سوريا

يتمسك البعض في السليمانية بالأوراق الإقليمية التي حصل عليها بعد العام 2003 نتيجة المتغيرات في العراق ودخول أكثر من لاعب على الخط، مما منحه فرصة المناورة والاستقواء ومحاولة لعب دور سياسي أكبر على حساب شريكه في أربيل وذلك في إطار صفقات يعقدها مع طهران وواشنطن وباريس ولندن وتشمل أجزاء من شمالي العراق وشمالي سوريا.

نجحت قيادات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في انتزاع حصة تمثيلية كبيرة في العراق الجديد مستفيدة من التشرذم الدستوري والسياسي والأمني والبنية الفيدرالية الهشة واستعدادها للدخول في مقايضات وصفقات تحصنها ضد تركيا. تنفتح على مجموعات حزب العمال وقسد ووضع الجغرافيا التي تسيطر عليها تحت تصرفهما، رغما عن السلطة المركزية في بغداد وغير عابئة بتحذيرات الشريك الكردي من ارتدادات خطوات بهذا الاتجاه خصوصا من قبل تركيا التي ترصد كل شاردة وواردة في هذا الحراك، خصوصا بعد تصريحات الرئيس التركي أردوغان في منتصف شباط المنصرم حول أنه لا يمكننا تجاهل ما تفعله السليمانية رغم تحذيراتنا المتكررة.

تقول قيادات السليمانية أمام الطاولة أنها تريد تحسين علاقاتها مع أنقرة. بعيدا عن الطاولة تواصل ما تفعله منذ سنوات في اللعب على التناقضات والاستفادة من الفراغ السياسي والأمني والدستوري في العراق ومنظومة العلاقات التي بنتها مع أجهزة الاستخبارات الإيرانية والغربية. لكن العمليات العسكرية والأمنية التي تنفذها القوات التركية وأجهزة الاستخبارات في الأشهر الأخيرة ضد كوادر حزب العمال الناشطة في السليمانية، تعكس فشل جهود الوساطات العراقية التي دخلت على الخط بين أنقرة وقيادات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في الصيف المنصرم. وأنه رغم حراك أربيل التي كانت الأنشط بين الداخلين على خط الوساطة بعدما نجحت في جمع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وقوباد طالباني في منتصف نيسان المنصرم، فإن الأمور لم تقد إلى أي جديد أو تحول في المواقف. حاولت أربيل مرة أخرى عبر تنظيم لقاء بين فيدان وبافل طالباني على هامش اجتماعات مؤتمر ميونخ هذه المرة لكن جهودها فشلت من جديد. نقاط الخلاف والتباعد بين أنقرة والسليمانية يؤججها أكثر من لاعب محلي وإقليمي وغربي وهي أبعد من أن تكون ة بإنهاء السليمانية لعلاقاتها مع عناصر حزب العمال.

يواصل حزب الاتحاد الوطني مع أنقرة لعبة الشد والجذب. الشقيق قوباد طالباني يناور سياسيا ودبلوماسيا، وبافل طالباني صاحب القرار الأول في السليمانية يصعد من خلال التمسك بأوراق حزب العمال وقسد ودعم بعض العواصم له. لكن من الذي يضمن لبافل طالباني الذي يحاول التفاوض مع أنقرة عبر أخيه، أو وسطاء في بغداد وأربيل وواشنطن، أن القيادات التركية ستتركه يواصل ما يقوم به وهي تخوض حربا ضد المجموعات والعناصر التي يستقبلها ويدعمها ويوفر لها الحماية في جغرافيا السليمانية؟

قناعة البعض في أنقرة أن طالباني يريد حصة ودورا أكبر في المشروع التجاري العراقي العابر للحدود، ويريد لعب الورقة الكردية في سوريا على حساب أربيل، وحصة “دستورية” أوسع بالمقارنة مع ما يقدم لأربيل، ويريد أن يقول إنه قادر على استهداف التعاون والتنسيق الواسع المتعدد الجوانب بين أنقرة ومسعود البارزاني. وأنه يستطيع الاعتماد على بعض العواصم الغربية لتقف إلى جانبه في مواجهة تركيا عند اللزوم. ولعب ورقة مجموعات حزب العمال وقسد عند الضرورة.

بالمقابل تندرج العمليات الأمنية التي تنفذها القوات العسكرية وعناصر جهاز الاستخبارات التركية ضد كوادر حزب العمال وقوات سوريا الديمقراطية في السليمانية وضواحيها وكلها موثقة بالتواريخ والأسماء، وقرار مواصلة حظر حركة الطيران فوق الأراضي التركية باتجاه السليمانية. بالإضافة لتكثيف جهود التقارب التركي العراقي التي تبذل منذ أشهر والزيارات المتبادلة بطابع أمني وسياسي واقتصادي. وتمسك تركيا والعراق بتسريع مراحل الخط التجاري الإقليمي الذي تريده بغداد بشراكة واسعة مع أنقرة.

بالإضافة للتقارب التركي الغربي والتركي الأميركي الأخير وارتداداته على الملف العراقي وما يقلق أنقرة هناك. وما نشرته وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية قبل أيام “من مصادر مفتوحة” وبشكل مفصل حول دور حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية “بفتح المجال أمام تنظيم “بي كي كي/ واي بي جي” الإرهابي للتنقل وسط المدينة وأريافها”، والتدريبات العسكرية التي يقدمها لعناصر التنظيم القادمين من شمالي سوريا والسماح للميليشيات المحسوبة على إيران باستخدام السليمانية طريق عبور إلى سوريا، ومنح الهويات لعناصر البي كي كي لتتجول بها في منطقة السليمانية والزيارات المتعددة التي قام بها فرحات عبدي شاهين إلى هناك، وصور بافل طالباني من شمال سوريا.. تلتقي كلها عند حقيقة أن دفاع السليمانية عن هذا التعاون الوثيق مع حزب العمال وامتداداته وتنفيذ ما يخطط له طالباني يحتاج إلى معجزة، وسط لعبة التوازنات والمعادلات الإقليمية الجديدة، حتى ولو نجح في الجمع بين الدعم الإيراني والأميركي، وحاول لعب ورقة الرئيس العراقي الداعم الأكبر له في هذه المرحلة.

حذّر وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في آب المنصرم من أن حزب العمال يحاول ربط مناطق عراقية بأخرى سورية لتأمين شبكة تنقل لعناصره، “حزب العمال احتّل سنجار ومخمور وقنديل والسليمانية، ويسعى إلى توحيد هذه المناطق مع سوريا والعراق من خلالتجاهلالحدود”.

احتمال مواصلة بغداد وأربيل لجهودهما في التوسط بين أنقرة والسليمانية قائم وغير مستبعد طالما أن المشروع التجاري العراقي يعني أكثر من بقعة جغرافية ومركز ثقل سياسي في العراق. لكن ما قد يساعد على تبديل الموقف التركي هو استجابة الحكومة المركزية في العراق لطلب تصنيف مجموعات حزب العمال بالتنظيم الإرهابي. خطوة تفتح الطريق أمام بغداد لتخرج أقوى في التعامل مع الملف وتحظى بفرص مزيد من التنسيق مع أنقرة في محاربة هذه العناصر واسترداد سيطرتها على أراضيها في شمالي العراق، وتلزم أربيل والسليمانية بهذا القرار. العقبة هنا هي ليست بغداد وأربيل، بل تمسك قيادات حزب الاتحاد بنظرتهم إلى حزب العمال، ومواقف الحزب الحاكم في السليمانية واستجابته لطلبات ورغبات العديد من العواصم التي تشجعه على مواصلة سلوكه هذا، مثل طهران وواشنطن ولندن وباريس.

التعويل هو أيضا على أن تتحرك واشنطن بعد التقارب التركي الأميركي الأخير حيال السليمانية وأن تدفعها لإعطاء أنقرة ما تريده في مسألة قطع علاقاتها بحزب العمال وإنهاء الخدمات التي تقدمها لقسد المدعومة أميركيا. أم أن واشنطن تريد أن تضع كل هذه المسائل في سلة مفاوضات ومقايضات شاملة مع تركيا بشقها السوري والعراقي وأن ما تقوم به قيادات السليمانية هو مجرد تنفيذ ما تقوله وتريده واشنطن لا أكثر؟

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *