اخبار عمان

الصابرة | جريدة الرؤية العمانية

نوال النبهانية

في غياهب اليُتم عاشت عتمة بئر الحياة، لم يمر بها بعض السيّارة؛ بل تباعدت خطواتها عن تربة أمها، ومضت في غربة طفولتها تنسج خيوط العنكبوت أوهن البيوت، الليل الجاثم والنهار الثقيل، ولا أحد يسمع الأنين بين جدران الألم.

أشرقت أنوار شمسها حينما جاء فارسها “السالم” على صهوة أحلامها، عانقته بحلو الزمان ومره، وأزهرت بأبنائها رغم كبر المسؤولية، وشاركت عديل روحها شظف العيش وقسوة دنياها، لكنها هي.. هي “محفوظة”، سعيدة بنبضها، إفطارنا الشهي وحقائبنا الجاهزة ومصروفنا التام، وحافلة رواحنا وغدونا وجنة حضنها على كف راحتنا، ولا تثريب علينا طالما نبتسم ونضحك ونلون دروبها بسعادتنا لا سعادتها.

أُميَّة أمي علمتها مدرسة الحياة، تفتح دفاترنا لنرى اهتمامها، وتقرأ ما تيسر من القرأن بما تحفظه من الاستماع، وصرنا صوتين معًا، لم يثنها عن المضي بنا جسدها الذي يذبل ويتضاءل، ولم يوقفها شدة عودنا وبأسنا، نحن صغارها الدائمون، هاجمها السكر من حلاوتها، وارتفع ضغطها من هاجسها علينا، قلبها تعب وكبدها هرم، لكنها ظلت بشموخ “فرض سمائلها”، “ومسقطها العامرة” لا تقهرها الجبال ولا ترومها صخب المدينة.

في المستشفى لبست أمي بياض الملائكة بابتسامتها، تنهمر غيثًا على المُتعبين، فقد خبرت المرض وأحواله والتعب وآلامه، لقّبوها بالصابرة وصارت صديقة من يعرفها، ورفيقة من يحتاجها، وصديقتي المقربة والخاصة، نعم صديقتي التي تعانقني منذ بزوغ الشمس إلى إغماتها، ومع جدائل القمر حتى خيط الفجر الآسر، وهي تلهج بالدعاء وتطوف بالتسابيح وتحمد من لا يحمد سواه.

في شتاءِ ليالي فبراير رحلت أمي، تركتنا بعدما زرعت نفسها فينا سنبلة قمح تذروها الرياح للتكاثر وتنبت على مدى الأزمان، أمي عيناها: “نصرة” بصائرنا، “شيخة” بيتها “وبدرية” مجلسها، “نوال” الأماني عندما نتمنى، “ومروة” تنثال ذكراها كل حين، في أمكنة رواحلنا أنى اتجهنا، وفي أزمنة أيامنا مهما سافرنا، جنتها ملك “سليمان” بيديها “سيف” الحزم، صابرة من آل “ياسر”، رأيها “ناصر” للحق، وحديثها “بدر” التمام، عاشت “عمرها” غاية ووسيلة لنا، وكفوفنا اليوم متصلة غير منقطعة بإذن الله، أمي الصابرة، “وبشر الصابرين” يا الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *