اخر الاخبار

عمن يحمل “سوريته القبيحة” في حقيبة ظهره

غزوان قرنفل

الإنسان كائن اجتماعي بطبعه كما يقال، فهو لا يستطيع العيش وحيدًا بمعزل عن الجماعة البشرية، ومن مقتضيات هذا العيش المشترك مع البشر هو أن يدرك ما يتعين عليه فعله، ليوفر أسباب التأقلم مع الآخر حتى يكون محل قبول من المجتمع.

ويعتبر الامتثال مدخلًا لتوفير الحيز اللازم للاندماج والتشاركية مع الآخر، بوصفه استجابة، ضمن الحدود المعقولة واللازمة، لشروط وموجبات التكيف مع المجتمعات المضيفة، لكن بكل أسف ورغم مرور عقد كامل على وجود العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في مواطنهم الجديدة، لا يزالون خارج هذا النطاق ولا يزال معظمهم يرفضون الاستجابة لموجبات العيش في المجتمعات الجديدة، ولا يزال يعيش بنفس المفاهيم والأفكار والسلوكيات السيئة التي كان يعيش فيها في بلده، والتي نقل معظمها معه في حقيبة عقله العاجز عن استيعاب الصدمة الحضارية التي واجهته في موطنه الجديد.

أن يحب السوري وطنه الأول ويحن لدفء ذكرياته فيه هو شيء جيد وإيجابي، وسلوك إنساني محل احترام وتقدير، حتى من قبل المجتمعات المضيفة التي تقدّر حبك وولاءك لبلدك الأول. لكن ما هو غير مفهوم أن يحمل السوري نمط حياته السورية “القبيحة”، بكل ما كانت تحفل به من خوف وفوضى ولا مبالاة وتجاوز مكشوف ومستتر للقوانين، ضمن حقيبة ظهره، التي حملها على عجل وخاض بها البحر والغابات ليصل إلى ملاذ آمن يأوي إليه، ثم يحاول فرض ما فيها على تلك المجتمعات المضيفة، التي بدأت تعاني من صدمة حقيقية مما تراه وتسمعه وتلمسه من سلوكيات ما دون بشرية وما دون حضارية من فئة من البشر صارت شريكة لهم في موطنهم وحياتهم.

لطالما تحدثنا وفندنا وكتبنا في الصحف وعلى الشاشات عما يتعرض له اللاجئون السوريون من تمييز وانتهاك لحقوقهم بمستويات مختلفة في دول لجوئهم، لكن ذلك لا يعني أن معظم هؤلاء اللاجئين لم يكونوا شركاء لبعض مضيفيهم في صناعة أسباب النبذ والكراهية لهم ورفض وجودهم في مجتمعاتهم.

السؤال الطبيعي الذي يمكن أن يكون الرد عليه مفتاحيًا لفهم كل تلك الظواهر والسلوكيات المنفرة الصادرة عن لاجئين سوريين في مواطن لجوئهم هو: هل من الطبيعي أن يغادر ثلث شعب دولة ما بلده ويصبح لاجئًا في دول ومنافٍ وأصقاع مختلفة على هذه الأرض، وكل ذلك يتم تحت ناظري المجتمع الدولي الذي شنّف آذاننا بشرعة حقوق الانسان وقوانينها؟!

لا أقصد بالقطع التأسيس لمبررات تسوغ تلك السلوكيات المنفرة، أو تهوّن من وقعها على المجتمعات المضيفة ومن ثم ارتدادات أثرها على اللاجئين أنفسهم، الصالح منهم والطالح دون تمييز، لكن التعامي عن جذر المشكلة ومحاولة البحث عن حلول ترقيعية لإفرازاتها فحسب، هو بذاته مشكلة ستولّد مزيدًا من المشكلات ومن موجات اللجوء، ومزيدًا من الإشكاليات الاجتماعية والاقتصادية لأزمة اللجوء على المجتمعات المضيفة، ما يقتضي معه التنويه إلى أن محاربة البعوض تقتضي ابتداء تجفيف المستنقع الآسن، وذلك من بديهيات المعالجة الحصيفة لتلك الآفة.

لكن ما نسعى هنا للإضاءة عليه وإثارة النقاش حوله، هو لماذا يصر معظم اللاجئين السوريين على أن يبقوا سوريين سيئين في غير موطنهم، وأن يعيدوا إنتاج نفس الأفكار والسلوكيات التي كانوا يعيشون فيها في بلدهم، والذين يفترض أنهم ثاروا على نظامهم لتغييرها!

السوريون عمومًا مهزومون ومكسورون حد الحطام، ليس لأنهم خلقوا كذلك، لكن الاستبداد المديد فعل فعله بهم وأورثهم “شرّ الخصال”، ووطّن فيهم الكذب والنفاق والخيانة والتذلل، على ما يقول به الكواكبي في “طبائع الاستبداد”. ولهذا ترانا ننبذ القوانين وننأى عن الالتزام بها والامتثال لموجباتها، ونحن فوق ذلك عدائيون تجاه أنفسنا وتجاه بعضنا، وكثير منا يمارس الكيد والوشاية بأقرانه إضرارًا بهم فقط لأنه يفشل في أن يكون مثلهم.

لعل مراجعة بسيطة لما نقرأه ونسمعه ونشاهده من جرائم ومخالفات للقوانين في دول اللجوء تؤشر إلى عمق الأزمة التي نعانيها. فهل من الطبيعي والمقبول مثلًا أن تتقدم للحصول على جنسية بلد اللجوء بملف مملوء بالأكاذيب والوثائق المزورة؟ وهل من الطبيعي أن تكون حاصلًا على جنسية دولة أوروبية وتخفي ذلك عن دولة أخرى لتحصل على جنسيتها أيضًا؟ وهل من الطبيعي أن تتجنس بجنسية دولة ثم تسافر بجواز سفرها لدولة أخرى تتسلل منها لدول الاتحاد الأوروبي ثم ترمي جواز سفر تلك الدولة وتطلب اللجوء في إحدى دول أوروبا بموجب جنسيتك الأم؟ وهل من الطبيعي أن تطلب اللجوء في دولة ما لأنك هارب من الحرب أو من النظام الحاكم، ثم بعد أن تتجنس تكون وجهتك بلدك الذي فررت منه؟ وهل من الطبيعي أن تعمل وتتاجر بالعملات والتحويلات والسمسرات خارج نطاق قوانين العمل والضرائب في دولة اللجوء! كل ذلك دون أن ننسى الكثير من الحوادث والسلوكيات الرعناء، التي تكشف عريًا أخلاقيًا وتصدعًا مجتمعيًا وقيميًا لم يعد من السهل استدراكه ومعالجة أسبابه ونتائجه.

اليوم أسقطت تركيا الجنسية عن آلاف من السوريين ممن اكتسبوها، لأنها اكتشفت أن ملفاتهم احتوت أوراقًا ووثائق وشهادات مزورة، وآلاف غيرهم حصلوا عليها بالتدليس والوسائل الاحتيالية. وكذلك ستفعل ألمانيا تجاه من حصلوا على شهادات إتقان مستويات معينة من اللغة الألمانية بوسائل احتيالية ليحصلوا بموجبها على الجنسية أيضًا. فهل تعتقدون أن ذلك لن تكون له آثار ارتدادية على فرص آخرين من السوريين.

لقد هيأ اللجوء فرصًا مهمة للاجئين السوريين، ليؤسسوا لحياة جديدة بعيدًا عن الخوف والقهر والنفاق، وفتح لهم ولأولادهم فرصًا لم يكونوا يحلمون بها، فلماذا يصر كثير منا على قتل فرص الحياة المتبقية أمامهم، بإصرارهم على عيش نمط “سوريا القبيحة” التي رفضوا أن يرموها من حقائبهم الظهرية بالبحر في سفر خروجهم العظيم!

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *