اخبار عمان

من هو الحدث الجانح؟ | جريدة الرؤية العمانية

 

 

حمود بن سيف السلماني

قبل الدخول والحديث عن الحدث الجانح يتوجب علينا توضيح معنى الحدث، وهو كل شخص لم يكمل سن الرشد المقرر قانوناً، وتختلف التشريعات حول سن الرشد والتي من شأنها يتمكن الشخص من القيام بكل مهامه القانونية دون الاستعانة بآخر كالأب أو الولي أو الوصي، وتعريف معنى الجانح كلمة تطلق على المراهق الذي يرتكب المخالفات والخروج عن القانون، ولهذا ارتبطت كلمة الحدث الجانح كوحدة واحدة وذلك لاجل معرفة أن المقصود هنا هو كل من أكمل التاسعة من عمره ولم يكمل الثامنة عشر سنة سواء كان ذكراً أو أنثى وارتكب فعلاً يعاقب عليه القانون.

وظهرت في الفترة الأخيرة الكثير من ظواهر جنوح الأطفال، وخروجهم عن الطريق الصحيح ومخالفتهم للقوانين واللوائح المنظمة للمجتمع، ومحاولة منهم فعل المخالفات القانونية والخروج عن سيطرة الآباء والأمهات، ووصل بهم الأمر إلى السرقة والاتجار بالمخدرات؛ الأمر الذي جعل من السلطات تسن القوانين للحد من هذه الأفعال.

ويلاحظ من خلال القوانين التي سنتها الدولة أنها من أجل تقويم واصلاح الحدث الجانح والذي خرج عن المالوف والطريق الصحيح، وأصبح لا يستجيب إلى توجيهات والديه، إضافة إلى تعمده مخالفة القوانين المعمول بها في المجتمع، ولذلك أصدرت قانون يسمى قانون مساءلة الاحداث والصادر بالمرسوم السلطاني رقم (30/2008) والذي نظم مسألة محاسبة الحدث الجانح، وطبيعة كل واقعة على حدة، وفي قساوتها وصلت إلى إدخال الحدث الجانح إلى دار توجيه الأحداث؛ وذلك من أجل إصلاحهم وإرشادهم للطريق الصحيح، والزامهم بواجبات معينة وإلحاقهم بالتدريب المهني، كل تلك الإجراءات هي من أجل تقويم سلوك الطفل الجانح وإرشاده للطريق السليم والمستقيم.

ويجب علينا توضيح متى يعتبر الطفل جانحاً وفق ما أوضحه قانون مساءلة الأحدث في المادة (3) منه: إذا لم يكن له محل إقامة معروف، أو كان يقيم أو يبيت عادة في أماكن غير معدة للإقامة أو المبيت، كان سيئ السلوك مارقاً من سلطة أبيه أو وليه أو المؤتمن عليه أو سلطة أمه متى كان مشمولاً برعايتها، اعتاد على مخالطة الجانحين أو المعرضين للجنوح أو الذين عُرِف عنهم سوء السلوك، إذا اعتاد الهروب من البيت أو المدرسة أو من معاهد التعليم أو التدريب، إذا لم تكن له وسيلة مشروعة للعيش أو لم يكن له عائل مؤتمن، وإذا وجد في بيئة تعرض سلامته الاخلاقية أو النفسية أو الجسدية أو التربوية للخطر، أو إذا ارتكب فعلاً يشكل جناية أو جنحة وكان دون التاسعة من عمره.

هنا يُوضِّح بأنَّ الطفل الجانح هو الطفل الخارج عن سلطة أبيه والخارج عن القانون، أو قد يكون مطبقاً للقانون ولكن يخالط الأحداث الذي يخالفون القانون أو المعروف عنهم سوء السلوك، أو العيش في بيئة تعرض سلامته الأخلاقية والجسدية للخطر؛ فالمشرِّع هنا وسَّع في المحافظة على الطفل وذلك لإبعاده عن كل ما من شأنه يؤثر على حياته سواء النفسية أو الأخلاقية.

ويتوجَّب علينا التطرق كذلك للأسباب التي أدت أو تؤدي لجنوح الأطفال في هذا العمر الصغير، وهو العمر الذي يوجب أن يكونوا على تربية سليمة بعيدة عن كل ما من شأنه أن يؤثر على سلوكم القيم والإخلاقي وعدم خروجهم عن الطريق المستقيم. حيث إن أغلب الدراسات أشارت إلى أن السبب الحقيقي لجنوح الأحداث هو انشغال الأهل عن رقابة أبنائهم والانشغال في أغلب الأوقات خارج المنزل وعدم السؤال عن حالهم وماذا عملوا والتقرب منهم بكافة الطرق، أو عدم استطاعتهم تقديم الرعاية الأبوية اللازمة لهم، أو عدم وجود سلطة مؤثرة على الأطفال كأن يتركون الأطفال يفعلون ما يشاؤون من الأفعال، وإذا فعل خطأ معين لا يستطيع الأب أو الأم محاسبته على ذلك خوفاً من بكائه أو تأثره نفسياً أو بأي سبب من الأسباب، إضافة لوجود مشاكل أسرية مثل الطلاق والتفكك الأسري.

وتشير بعض الدراسات إلى أنَّ تأثير الهرمونات الجنسية في فترة المراهقة أثر كبير على توجه المراهقين نحو الاستقلالية وإثبات الذات، وتضيف المشكلة بوجود مشاكل عاطفية بين الشباب، أما الفقر والبطالة والجهل في المجتمعات فلها تأثير كبير على المراهقين، والتي تنشر حالة من الإحباط والسخط بينهم، والفقر هو السبب الأكثر انتشاراً في العالم، حيثُ يولد لدى المراهق الرغبة في تحقيق رغباته، مما يدفعه للسرقة والكذب، كما أن أبناء الأغنياء أيضاً هم فريسة للجنوح، حيثُ يتوجهون نحو المخدرات والقضايا الجنسية والعنف المفرط، وذلك ناتج عن نقص العاطفة المقدمة من الأهل أو لخلافات عائلية أو لانشغال الأهل بالأعمال العديدة.

ولكن في حالة قيام أحد الأطفال بجنحة معينة يُعاقب عليها القانون فما هي العقوبة المقررة له؛ فالقانون تسلسل في تلك العقوبة وذلك من أجل الوصول للغاية الأسمى من إصدار القانون وهي إصلاح الطفل الجانح وإرجاعه للطريق السليم والمستقيم، ومن تلك التدابير: تسليم الحدث لأبويه أو أحدهما فقط أو أحد أفراد أسرته أو أقاربه أو أسرة بديلة تتعهد برعايته وتربيته، أو دار توجيه الأحداث، أو أيه جهة معتمدة لرعاية الأحداث، ويحق للقاضي توجيه التوبيخ واللوم والتأنيب للحدث عما صدر منه وحثه على السلوك القويم وتحذيره بألا يعود للسلوك الذي قام به، إضافة لمنعه من ارتياد أماكن معينة.

ولكن في الحالة الأولى وهي تسليم الطفل الجانح لأبويه أو أحدهما، فهنا في نظرنا المتواضع لا يمكن تطبيق هذه الحالة إذا كان الطفل الجانح سيئ السلوك مارقاً من سلطة أبيه أو وليه أو المؤتمن عليه أو سلطة أمه متى كان مشمولاً برعايتها، فلا يستقيم تسليمه لوالديه إذا كان في الأصل مارقاً من سلطتهم، ولكن إذا تم تسليمه لأسرة بديلة تتعهد برعايته والاهتمام به، فهل يحق لوالديه زيارته؟ فهنا ومن وجهة نظرنا كذلك يحق لهما ذلك ولكن في هذه الحالة يشترط الحصول على موافقة القاضي المختص بذلك، حيث يتوجب تحديد فترة الزيارة والجلوس مع الابن، وهذا حق للوالدين والطفل، ويحق للقاضي منع تلك الزيارة إذا رأى أن تلك الزيارة ستؤثر على الحالة النفسية والجسدية للطفل، حيث إنَّ الغاية الأسمى من تسليمه للأسرة البديلة هي الاعتناء به وتقويمه للطريق السليم وجعله طفلاً حسن السلوك ومتبعاً للقوانين والأنظمة، لا أن يتعب نفسياً وجسدياً، وتسوء حالته إلى الأسوأ.

وتوجد في بعض الدول مدارس تابعة لبعض الجهات العسكرية يتم إدخال الأطفال سيئي السلوك المارقين عن سلطة والديهم إليها، من أجل تقويمهم والاعتناء بهم ويحصلون على معاملة مختلفة جداً بها نوع من الصلابة والشدة، وذلك من أجل أن يشعر الطفل المارق بتأنيب الضمير والعودة للطريق الصحيح والسليم.

وفي الختام.. لا يسعنى سوى أن أقول إن الأبناء نعمة من الله يجب على الإنسان المحافظة عليها، ويتعهدها بالاهتمام وتعليمها كل أنواع التعاليم الربانية السليمة والخالية من كل ما من شأنها التأثير في نفسية الطفل وسلوكه، إضافة إلى أن يكون الانسان وسطاً في تعامله مع أبنائه لا هو بالشديد الحازم ولا هو باللين الناعم، وذلك حتى ينشأ الأطفال في مجتمع محافظ يتبع القانون والأنظمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *