اخر الاخبار

هل تغير “تحرير الشام” سلوكها مع المتظاهرين بعد استنكار واشنطن

استنكرت الولايات المتحدة الأمريكية ممارسات “هيئة تحرير الشام” بحق المتظاهرين السلميين في إدلب، ووصفت أسلوب التعامل معهم بأنه “ترهيب ووحشية” وأنه على غرار أسلوب النظام السوري.

وقالت السفارة الأمريكية في دمشق، الأربعاء 29 من أيار، إنها تستنكر هذا الأسلوب ضد المتظاهرين السلميين وهم يطالبون بالعدالة والأمن واحترام حقوق الإنسان.

يأتي هذا التعليق بعد إنزال “تحرير الشام” العسكر إلى الشوارع، منذ 13 من أيار الماضي، لمواجهة الحراك المطالب بإسقاط قائد الفصيل “أبو محمد الجولاني” ورفض سياسة “التفرد بالقرار”.

“الهيئة” بررت انتشار العسكر بضبط الأمن وعدم انتشار الفوضى، ثم وقعت حوادث اعتداء على متظاهرين، وبدأت حملة اعتقالات بحق ناشطين في الحراك.

كما حذّر “الجولاني” المتظاهرين بعدم “تجاوز الخطوط الحمراء”، لافتًا إلى أن وقت المطالب المحقة قد انتهى.

“تحرير الشام” تعلق وتنتقد

من جانبها، ردت “تحرير الشام” على تعليق السفارة، وفق بيان لم يخل من حمل الرسائل، وقالت إنها تدعم المؤسسات الرسمية وسلطة القانون، وتؤكد على أهمية الفعاليات المدنية وتكاملها في بناء مجتمع واعٍ تُحترم فيه الحقوق والحريات تحت سقف المصلحة العامة وضوابطها.

وذكرت “الهيئة” وفق بيان لها، في 30 من أيار، أن مناطق الشمال تتوفر فيها بيئة آمنة للتعبير عن الرأي، والدعوة إلى تحسين الواقع، والاستجابة للمطالب المشروعة بالسبل القانونية، بعيدًا عن زعزعة الاستقرار وبث الفوضى.

وبحسب البيان، فإن “تحرير الشام” فسحت المجال للتظاهر والتعبير ضمن حدود احترام حريات باقي شرائح المجتمع وعدم التعرض لمؤسساته وتعطيلها.

وحمل بيان تحرير الشام رسائل إلى واشنطن، بضرورة دعم مطالب الشعب السوري في تحقيق الحرية والكرامة ضد النظام، وحفظ حقوق مظاهرات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة واحترام مطالبهم دعمًا لفلسطين وشعب غزة.

اعتداء واعتقال

منذ نهاية شباط الماضي، تشهد مدينة إدلب حراكًا شعبيًا يحمل مطالب إسقاط “الجولاني” وإبعاد العسكر عن مفاصل المؤسسات والحياة المدنية.

قوبلت الاحتجاجات بإصلاحات من “الهيئة” ومظلتها السياسية حكومة “الإنقاذ”، بينما اعتبر متظاهرون أن هذه الإصلاحات “شكلية وفي القشور” ولا تلبي مطلبهم، وفيها التفاف على المطلب الأساسي.

وفي 15 من أيار، قال “الجولاني” إن “الهيئة” استخدمت خلال الأشهر الثلاثة الماضية “لغة الحوار”، ولديها 50 “كرتًا” (بطاقة) لم تستخدم واحدًا منها، مضيفًا أن “من هان عليه المحرر فقد هان علينا، ولن نتهاون مع أي شخص أو تجمع أو حزب أو فصيل يريد إيذاء المحرر”.

وشهدت مدينتا بنش وجسر الشغور حوادث اعتداء على المتظاهرين، ومحاولة دعسهم بالآليات العسكرية، ثم شنت حكومة “الإنقاذ” حملة اعتقالات لناشطين في الحراك، وقالت إنهم “مارسوا إرهابًا فكريًا على المتظاهرين المحقين، وعملوا على تشويه من يسعى إلى الإصلاح”.

من جهته، ذكر “تجمع الحراك الثوري” أن المعتقلين لم تصدر عنهم دعوة واحدة للعنف أو استخدام السلاح، ولم يعرف عنهم إلى المظاهرات السلمية الحضارية.

عناصر من "هيئة تحرير الشام" يشتبكون مع متظاهرين مطالبين بإسقاط قائد الفصيل "أبو محمد الجولاني" في مدينة بنش شرقي إدلب - 17 من أيار 2024 (عمر حاج قدور/ فيس بوك)

عناصر من “هيئة تحرير الشام” يشتبكون مع متظاهرين مطالبين بإسقاط قائد الفصيل “أبو محمد الجولاني” في مدينة بنش شرقي إدلب – 17 من أيار 2024 (عمر حاج قدور/ فيس بوك)

ضغط وتأثير محدود

لم تفلح محاولات “الهيئة” في احتواء الاحتجاجات بالحلول السلمية، وبرز ذلك في حادثة فض اعتصام بالقوة وسط إدلب، في 13 من أيار، والاعتداء على المحتجين بالأيدي والهراوات، علّقت عليها “الإنقاذ” بأن الاعتداء بدأ من المتظاهرين أولًا، ثم تبتعها حوادث اعتداء في بنش وجسر الشغور، في 17 من الشهر نفسه.

عزز فشل محاولات الاحتواء والتحول إلى الخيار العسكري، حديث الجولاني” في 15 من أيار، حين قال إن المطالب انحرفت عن مسارها الحقيقي، وإإن دلب قد دخلت في مرحلة جديدة.

الباحث السياسي السوري نادر الخليل يرى أن بيان وتعليق السفارة الأمريكية له تأثيرات محتملة ومحدودة، إذ يسهم في زيادة الضغط الدولي على “الهيئة”، لكنه قد لا يكون كافيًا لتغيير سلوكها بشكل جذري، خاصة وأن “تحرير الشام” مصنفة كمنظمة “إرهابية” وتفتقر الولايات المتحدة لأدوات ضغط فعالة ضدها.

وقال الباحث، ل، إن تعليق السفارة يمكن أن يؤثر داخليًا على “الهيئة”، ويمكن أن يعزز الانقسامات داخل الفصيل نفسه، فقد يكون هناك أعضاء يرغبون في تبني تكتيكات أقل عنفًا وأكثر تصالحية لتجنب الانتقادات الدولية.

ومع ذلك، يظل التركيز الأساسي لـ”الهيئة” على السيطرة الأمنية، ما يدفعها للاستمرار في استخدام العنف والاعتقالات كوسائل رئيسة لضبط الوضع ومنع تحول الاحتجاجات إلى تهديد فعلي لسلطتها، وفق الخليل.

من ناحية أخرى، غالبًا ما يكون تأثير البيانات الدولية محدودًا عندما يتعلق الأمر بالجماعات المسلحة، خاصة في سياق مثل سوريا، لكن هذا لا يعني أن البيان لا يحمل أهمية، فقد يشجع السكان المحليين والمجتمع المدني على الاستمرار في الاحتجاجات والمطالبة بالإصلاحات، ما يزيد من الضغط على “الهيئة” ويجعل من الصعب عليها تجاهل المطالب الشعبية، وفق الباحث.

 

لا أعتقد أن بيان السفارة الأمريكية في سوريا حول تعامل (الهيئة) مع المتظاهرين، سيغيّر شيئًا في تكتيكات مكافحة التظاهر التي تعتمدها (تحريرالشام)، فالأولوية لدى قيادة الأخيرة هي لجم الحراك التظاهري، كي لا يتحوّل إلى تهديد لسلطتها.

نادر الخليل – باحث سياسي

وقال الباحث إن “الهيئة” نوّعت تكتيكاتها، بين دعوات للحوار، ومحاولات لخلق فجوات وانقسامات في أوساط قيادات الحراك، ووعود بإصلاحات، وبين تكتيكات أمنية وعسكرية، من اعتقال وتفريق بالقوة، ومحاولات لمنع حدوث تجمعات كبيرة للمتظاهرين.

في المقابل، لا تملك الولايات المتحدة أدوات ضغط فاعلة على “الهيئة”، فالأخيرة مصنفة أساسًا على قائمة “الإرهاب”، وقائدها مطلوب أمريكيًا، لذا، فأولوية قيادة “الهيئة” ستنحصر في لجم تطور الحراك الاحتجاجي، وفق الخليل.

انتشار لمقاتلي "هيئة تحرير الشام" في الشوارع الرئيسة في إدلب – 24 من أيار 2024 (متداول/ أخبار إدلب)انتشار لمقاتلي "هيئة تحرير الشام" في الشوارع الرئيسة في إدلب – 24 من أيار 2024 (متداول/ أخبار إدلب)

انتشار لمقاتلي “هيئة تحرير الشام” في الشوارع الرئيسة في إدلب – 24 من أيار 2024 (متداول/ أخبار إدلب)

أبرز محطات الحراك في إدلب

1.كانت إدلب تعيش حالة غضب إثر ملف “العمالة”، واعتقال “تحرير الشام” المئات من القياديين والعسكريين والمدنيين، ثم الإفراج عن بعضهم وطي الملف.

2.الكشف عن عمليات تعذيب في سجون “الهيئة” بعد الإفراج عن معتقلين على خلفية ملف “العمالة”.

3.شرارة المظاهرات كانت حادثة مقتل العنصر عبد القادر الحكيم (أبو عبيدة تل حديا) في سجون “تحرير الشام”، إثر تعذيب تعرض له على خلفية ملف “العمالة”، وظهرت الحادثة إلى العلن في 24 من شباط 2024.

4.خروج مظاهرات شبه يومية صباحية ومسائية مطالبة بإسقاط “الجولاني”.

5.تأييد الحراك من شرعيين ورجال دين (عبد الرزاق المهدي، حذيفة، فجر خضورة، عبد الحليم عطون، أبو الوليد الحنفي).

6.تجاهل الجولاني مطالب إسقاطه، وحصل على “مبايعة” خلال اجتماع مع وجهاء من إدلب، ما اعتبره المتظاهرون “تفردًا بالسلطة، وعرضًا جبانًا وشكليًا”.

7.إصلاحات من “الهيئة” و”الإنقاذ” واجتماعات مكثفة مع “الجولاني”، أبرزها إصدار عفو عام عن المعتقلين وفق شروط، وتقديم تسهيلات في البناء، وإعادة تشكيل “جهاز الأمن العام” ضمن وزارة الداخلية في “الإنقاذ”، والعمل على انتخابات مجلس الشورى.

8.اعتبر المتظاهرون أن الإصلاحات شكلية وغير مرتبطة بجوهر المطالب، وأن التفرد بالسلطة لا يزال موجودًا.

9.حادثة اعتداء من عناصر يتبعون لـ”تحرير الشام” بالأيدي والهراوات على محتجين في خيمة احتجاج وسط مدينة إدلب، وفض الاعتصام بالقوة، في 13 من أيار 2024.

10.”الجولاني” قال إن إدلب قد دخلت في مرحلة جديدة، ويجب أن يعود “المحرر لانتظامه”، ومعظم مطالب المحتجين لُبيت، وبقي بعض منها، لكن المطالب انحرفت عن مسارها الحقيقي، وقد انتهى وقت المطالب، في 15 من أيار 2024.

11.”الجولاني” أنزل مقاتلين من الجناح العسكري إلى الشوارع، ووقعت حوادث اعتداء في مدينتي بنش وجسر الشغور بريف إدلب، وحاول العناصر دهس المتظاهرين بالعربات العسكرية.

12.دعوات من ناشطين ومحامين ومهندسين ومعلمين لتحكيم العقل، وسحب العسكر من الطرقات.

13.تشكيل لجنة للتواصل بين قيادة الحراك وبين “هيئة تحرير الشام”، وطرح مبادرة “إصلاح”.

14.مظاهرات مستمرة رغم المبادرة، وانتشار العسكر في الطرق الرئيسة.

15.شنت “الهيئة” حملة اعتقالات بحق ناشطين في الحراك، وقالت إنهم “مارسوا إرهابًا فكريًا واستغلوا مطالب المتظاهرين المحقة”.

“الجولاني” مطلوب

نشأت “تحرير الشام” في سوريا تحت مسمى “جبهة النصرة” نهاية عام 2011، وهي فصيل تميّز بخروجه من رحم “القاعدة”، أبرز الفصائل “الجهادية” على الساحة العالمية، وأعلنت لاحقًا انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية.

ولا تزال “الهيئة” مدرجة على قوائم “الإرهاب”، ولا يزال “أبو محمد الجولاني”، مُدرجًا ضمن المطلوبين لأمريكا، وبمكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عنه.

وأوضح باحثون وخبراء في الحوكمة خلال ملف سابق أعدته، أنه يمكن تجاوزًا وصف منظومة الحكم بشكل عام في إدلب بأنها نظام رئاسي في كل القنوات التنفيذية والتشريعية والعسكرية، مردها إلى عصب “أبو محمد الجولاني”، الذي يحاول من جهته أن يبني هذه السلطات، ويتضح أنه يمسك خيوط اللعبة بشكل كامل من ناحية اتخاذ القرار.

اقرأ أيضًا: إدلب أمام منعطف جديد 

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *