اخبار عمان

اقطع الصفحة وابدأ الحياة | جريدة الرؤية العمانية

 

 

مرفت بنت عبدالعزيز العريمية

من طبائع الحياة أنها لا تُعطي كلّ شيء فهي متغيرة ولا يوجد يوم يشبه الآخر حتى إن كنت تعتقد أنك ستظل محتفظًا بابتسامتك طوال اليوم سيأتي من يُعكر مزاجك، أو يغير من حالك، ليس طبيعيا أن نفكر بمثالية وأن كل شيء يجب أن يكون نقياً أو أن نؤمن بأن الحياة بها لونين أبيض وأسود فالمناطق الرمادية تحتل مساحات أكبر في هذه الحياة.

ومن طبع الإنسان أن يربط سعادته بما يملك من أشياء أو ما يحققه من إنجازات لكن كلما تحقق شيء يكتشف أن هذا لا يكفي، فيرغب في شيء جديد ويظل يكافح ويبحث عن سعادته في الخارج أي خارج ذاته معتقدا أن تحقيق السعادة بتحقيق كل الرغبات، وهذا الأمر مغاير تماما للواقع، فمن كان يعتقد أن المال يحقق السعادة اكتشف أن المال يخفف من ألم الفقر لكن لا يُحقق السعادة الأبدية؛ بل هناك من أصبح تعيسًا بماله لأن المال جذب حوله أصدقاء المنفعة.

يشعر الإنسان بالسعادة عندما يمتلك ما يكفيه ويكون راضيا تماما عن ظروفه، فقبول الواقع الحالي الطريق الوحيد إلى السلام الداخلي، تشير الدراسات إلى أن الإنسان الذي يستمتع بحياته يصبح أقل عرضة للإصابة بالأمراض الجسدية والنفسية بالتالي، فإن صحته تكون أفضل من غيره وقد يتمتع بحياة طويلة، وفي أقل تقدير صحة جيدة حتى في شيخوخته.

لا أعتقد أن الغرض من الحياة أن نجلد ذواتنا وأن نعيش في صراع مع الماضي والمستقبل وأن ننسى الحاضر فالمسؤوليات الكثيرة ترهق العقل والبدن ويحتاج الإنسان إلى مساحة حرة لراحة النفس والجسد،لكن هناك من روج للتشاؤم حتى بات كل ما يطيب الخاطر في دائرة الشك والريبة.

فالمستمتع بالحياة يكون أكثر سعادة وتسامحا وتساميا وتصالحا مع نفسه ومع الآخرين، يستطيع أن يتغلب على نغائص الحياة وتقلباتها وحالات الانكسار بمنظور واسع ورضا عن نفسه وأدائه في هذه الحياة. لا يجلد ذاته ولا يبكي على ما فاته ولا يلعن الظلام،إنسان يرى في كل مشكلة حلا وكل خسارة درسا يصقل شخصيته وأن الغرور والغلظة والحقد والكره، آفات تضر ولا تنفع. هذه الحالة الإنسانية تعكس مدى قدرة الإنسان على التحكم في نفسه ومجاهدتها وتوجيهها نحو السلام الداخلي والتفكير الإيجابي. يعرف الاستمتاع بالحياة كمصطلح أنه قدرة الإنسان على تقبل ذاته وتقبل حياته كما هي بحيث ينعكس ذلك على سلوكياته ومشاعره وتفاعله مع البيئة المحيطة به.

من أبرز سمات المستمتعين بالحياة تقديرهم لذواتهم وحبهم للحياة ذاتها والرضا عن ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم لا يبحثون عن الرضا والتعزيز من الآخرين، يتسمون بواقعية في التعامل مع مشكلاتهم ويبنون أهدافا حياتية معقولة تتناسب مع واقعهم.

نرى كل يوم مفاهيم مغلوطة عن الاستمتاع بالحياة تأصّلت وأصبحت منهجا وعادة من العادات الراسخة التي يعتقد البعض أن الخروج عنها ذنب لا يغتفر، لذلك فإنه من الضروري تعديل مفاهيم السعادة والتعبير عن البهجة وحب الحياة والتفاؤل والطموح لدى الراشدين وسبل إيجاد هدف بالحياة باعتبار الحياة هدفا ساميا وتقبلها بحلوها ومرها كسنة من السنن الكونية بوجود الخير والشر والسيئ والجيد وتأهيل النفس للتحكم بالرغبات والنزوات وتنظيم الأفكار والإمكانيات والقدرات والتخطيط للحياة بشكل يتوافق مع قدراتنا، وتربية الأطفال على قيم الرضا والقناعة والصفح وقبول الآخر والتعامل بإيجابية مع مراحل الحياة المختلفة.

لا يمكن للإنسان أن يستمتع بحياته إن لم يرضَ عن الذات ويحب ما هو عليه الآن، فذاته تستحق الاهتمام قبل الآخرين، ولا جدوى من قضاء الوقت والعمر في محاولة إسعاد الآخرين على حساب الذات، فالحياة المتوازنة تعني أن نعمل بجد واجتهاد وأن نكافىء أنفسنا حتى نحظى بأوقات سعيدة.

يرى علماء النفس إن الإنسان متحيز للسلبية أكثر منه إلى الإيجابية وعادة ما يتوقع الأسوأ في كل شيء، فيعيش في قلق وتوتر وحزن وخوف فينكر الحاضر، ولا يرى سوى السلبية، ومع مرور الوقت ومع وجود محفزات السلبية من حولنا كالأخبار والأحداث المؤسفة والمحيطين الذين يسرقون منا الفرح بانطباعاتهم السلبية وتعليقاتهم المثبطة يتحول الإنسان من شخص إيجابي محب للحياة إلى إنسان يبحث عن تعاطف الآخرين وتحفيزهم. ينتظر البعض الوقت المناسب للاستماع بالحياة فهناك من يظن أن الاستمتاع يبدأ بعد الانتهاء من الدراسة وهناك من يظن أن حياته تبدأ بعد أن يكبر الأبناء.. محطات انتظاركثيرة لا تنتهي تمثل عوائق في طريق الإنسان.

البعض يعاني ولا يعرف كيف يستمتع بالحياة فلا يستمتع بالسفر ولا بالمناسبات ولا يشعر بطعم الأشياء ويحيط نفسه بالأفكار السلبية فيفقد مع الوقت البهجة ولا يشعر بجمال النعم بما حوله كما كان طفلا، فالثقافة السلبية عن مفهوم الاستمتاع التي ربطت بين متعة الحياة والمحرمات، جعلت من البعض يتمنى أن يعود طفلا صغيرا يغدو بمرح دون أن يحاسب على أفعاله.

يقول دوستويفسكي “يسعد الإنسان أن يعدد أحزانه، لكنه لا يعدد أفراحه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *