اخر الاخبار

“حزب الله”.. هل تتطور مشاغلة إسرائيل إلى حرب

اعتبر الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، في خطاب متلفز اليوم، الجمعة 3 من تشرين الثاني، أن قواته منخرطة فعليًا في الحرب الفلسطينية- الإسرائيلية الدائرة، مشيرًا إلى عمليات القصف والاستهداف المتبادل على الحدود اللبنانية.

ويأتي الخطاب في خضم حالة من اللاسلم واللاحرب، تعيشها الجبهة الجنوبية في لبنان مع الاحتلال الإسرائيلي، تتجلى بقصف متبادل بين الجانبين، وعمليات تنفذها وحدات من “حزب الله” وفصائل تتهمها إسرائيل بالتبعية لإيران، وترد عليها بقصف جوي وبري بشكل يومي.

أحدث الإعلانات في هذا الإطار جاء من إسرائيل، مساء الخميس 2 من تشرين الثاني، عندما قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن قواته نفذت غارات “واسعة النطاق” لتدمير أهداف عسكرية تابعة لـ”حزب الله” اللبناني ردًا على صواريخ أطلقت من الأراضي اللبنانية.

استهداف سبق الخطاب

سبق خطاب نصرالله، قصف إسرائيلي على جنوبي لبنان، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية (حكومية) استهدف مرتفعات كفرشوبا، بصاروخ أطلق من الأراضي اللبنانية.

واستهدفت المدفعية الإسرائيلية أطراف بلدة عيتا الشعب، ورامية ومحيط بلدة البستان، كما قصف الطيران الإسرائيلي مشروع طاقة شمسية في بلدة طيرحرفا.

من جهتها قالت قناة “المنار” التابعة للحزب اليوم، إن الأخير قصف 19 موقعًا ونقطةً عسكريةً عبر طائرات مسيرة وبصواريخ موجهة، وأطلقت كتائب “القسام” في لبنان، 12 صاروخًا على مستوطنة كريات شمونة، شمال فلسطين المحتلة.

تستمر التطورات الميدانية في المنطقة منذ بدء “طوفان الأقصى”، المعركة التي أطلقتها “المقاومة الإسلامية الفلسطينية” (حماس) ضد إسرائيل في غلاف غزة، قابلتها إسرائيل بإعلان عملية “السيوف الحديدية”، ونفذت عمليات عسكرية أسفرت عن آلاف القتلى معظمهم من المدنيين في غزة.

الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، قال ل، إنه من الضروري ملاحظة أن ملامح هذه الحرب أخذت شكل حرب طويلة، والمعدات العسكرية الأمريكية التي رست في البحر المتوسط هي إحدى المحددات التي شكلّت هذه الملامح.

ويرى السبايلة أن المحور الإيراني، يعي تمامًا أنه سيواجه ردًا حقيقيًا في حال قرر الانخراط في هذه الحرب، وتوسيع جبهاتها، والضربة الأمريكية التي وجهت لمستودعات إيرانية شرقي سوريا، ولرتل عسكري كان يتجه من العراق إلى الأراضي السورية، هي مثال على ذلك.

نصرالله: نحن في خضم المعركة

خلال خطابه الأحدث اليوم الجمعة، قال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، إن قواته منخرطة في المعركة الدائرة منذ 8 من تشرين الأول الماضي.

وأضاف أن جبهة لبنان قتل فيها ما يقارب 57 مقاتلًا من “حزب الله” و”سرايا القدس” و”كتائب القسام” ومدنيين، لكنه تمكن من تحقيق العديد من المكاسب أبرزها أن الاحتلال الإسرائيلي دفع بقواته التي كان ينوي سحب معظمها لغزة، نحو الجبهة اللبنانية.

ويعتقد نصرالله أن تسخين الجبهة اللبنانية خفف جزءًا كبيرًا من القوات التي كانت تسخّر للهجوم على غزة، وحولها نحو الحدود اللبنانية، بطريقة “محسوبة، ومفيدة، وصحيحة”.

وحول القوات الإسرائيلية المنتشرة على الحدود مع لبنان قال نصرالله، إن الجبهة اللبنانية جذبت ثلث الجيش الإسرائيلي إلى الحدود مع لبنان، وجزءًا مهمًا من هذه القوات هي قوات نخبة، وقوات نظامية.

وأضاف أن ربع القدرات البحرية الإسرائيلية موجودة في البحر المتوسط بالقرب من لبنان مخصصة لهذه الجبهة فقط، وربع القوات الجوية أيضًا، ونصف الدفاع الصاروخي موجه نحو الشمال، ونحو ثلث القوات اللوجستية موجهة للمنطقة.

ووجه نصرالله رسالة للإدارة الأمريكية قائلًا، إن “التهديد لا يجدي نفعًا، لمن لا يريد حربًا إقليمية في المنطقة عليه أن يوقف الحرب على غزة”، مشيرًا إلى أن “حزب الله” تلقى تهديدات أمريكية في حال أشعل الجبهة مع إسرائيل.

“حزب الله”.. الموجود الغائب

في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، وصف الباحث في مركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية” دانييل بايمان “حزب الله” بأنه “أكثر مهارة” من الجماعات المسلحة الأخرى، وربما الأكثر مهارة في العالم، كونه خاض قتالًا ضد إسرائيل عام 2006، وشاركت قواته في الحرب السورية منذ بدايتها في عام 2011 تقريبًا، مثبتًا أنه “قوة استقرار” لنظام الأسد المترنح.

ما جمع “حزب الله” والنظام السوري هو ما يعرف اليوم بسردية “المقاومة والممانعة” التي تشكل رأسمال حقيقي للحزب اللبناني، كونه ميليشيا مسلحة ذات جناح سياسي على وجه الخصوص، وليست حكومة لدولة ما.

الخبير الاستراتيجي الأردني عامر السبايلة، يرى أن “حزب الله” دخل فعليًا في أزمة حقيقية بين جملة من المحددات أبرزها كيفية التدخل في الحرب الحاصلة، والحفاظ على الجبهة الإسرائيلية الشمالية كـ”حالة تهديد” دون تقديم مسوغات لتوجيه ضربة مباشرة له أو لحليفه السوري.

وتعود أسباب الأزمة التي وقع فيها “حزب الله” إلى القوة العسكرية الكبيرة التي رست بالقرب منه مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، وهي المرة الأولى التي يواجه فيها “محور المقاومة” هذا الحجم من القوات العسكرية، والتأهب الأمريكي الحالي، بحسب الخبير.

ويرى السبايلة أن “حزب الله” يسعى اليوم ليكون ضمن معادلة “موجود وغائب” في الوقت نفسه، أي أنه موجود بإبقاء هذه الجبهة مفتوحة، وحالة التهديد التي تسببها لإسرائيل، وغائب عن حرب حقيقية، بدافع أن إيران تدرك الرد الحقيقي الذي قد تواجهه في حال دخلت الحرب حتى عبر وكلائها.

خطاب رهن التدخلات الإسرائيلية

أشار الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، خلال خطابه نفسه إلى أن الجبهة اللبنانية مرتبطة بسير العمليات العسكرية في غزة، وستتصاعد وتتراجع حدتها بناءً على العمليات العسكرية في الجنوب الفلسطيني.

الباحث في الاقتصاد السياسي، ومؤلف كتاب “الاقتصاد السياسي لحزب الله وسوريا بعد الانتفاضات” جوزيف ضاهر، قال ل، إن تطور خطاب حسن نصرالله مرتهن بحجم التوغل الإسرائيلي في قطاع غزة، ولا يمكن التنبؤ به دون النظر إلى الوضع الميداني الحاصل جنوبي فلسطين المحتلة اليوم.

ويرى الباحث أن قتلى “حزب الله” خلال المواجهات المسلحة مؤخرًا لا يمكن النظر لهم على أنهم سبب لدخول حرب حتى الآن.

وتوقع الباحث قبيل انطلاق حديث نصرالله، أن يحافظ نصرالله على الخطاب المعتاد، إذ يمكن أن يوجه خطابًا يتوعد فيه بالرد على أي تصعيد إسرائيلي، أو محاولة تمدد في غزة.

ومنذ بدء المواجهات على الحدود اللبنانية، شن “حزب الله” 98 هجومًا على اسرائيل جميعها تقريبًا باستخدام صواريخ مضادة للدبابات. قُتل فيها تسعة إسرائيليين معظمهم جنود.

وبالمقابل، خسر “حزب الله” ما لا يقل عن 51 مقاتلًا خلال المناوشات على طول الحدود، صعّد “الحزب” هجماته وأطلق وابلًا من الصواريخ على نحو 20 هدفًا مختلفًا، بما في ذلك مستوطنات إسرائيلية، دفعت سلطات الاحتلال لإجلاء السكان منها.

وعلى وقع التصعيد المنتظم، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في منشور عبر “إكس”، إن ميليشيا “لواء الإمام الحسين” الإيرانية بقيادة شخص يلقب بـ”ذي الفقار”، وصلت إلى لبنان لدعم “حزب الله”، مشيرًا إلى أنها أسست في الأصل في سوريا لتقديم المساعدة للمحور الايراني ومساعدة “الحزب” اللبناني.

التصعيد غير مرجّح

الباحث ماثيو ليفينت، توقع خلال تحليل موجز بموقع معهد “واشنطن لأبحاث الشرق الأوسط”، غياب أي حدث مثير، إذ لا يزال من غير المرجح أن يسعى “حزب الله” إلى شن حرب واسعة النطاق مع إسرائيل.

وتدرك المجموعة المدعومة إيرانيًا أن الجيش الإسرائيلي استعد على نطاق واسع لـ”الحرب المقبلة” معه والتي ستكون ذات حجم مختلف تمامًا عن حرب عام 2006.

ويدرك صانعوا القرار في “حزب الله” أن لا أحد تقريبًا في لبنان يريد مثل هذه الحرب، وخاصة في سياق الأزمة الاقتصادية والسياسية الحالية التي تعيشها البلاد.

وإلى جانب ما سبق، تتمركز مجموعتان من حاملات الطائرات الأمريكية شرق البحر الأبيض المتوسط ​، عقب تحذير الرئيس الأمريكي جو بايدن من دخول أطراف مثل “حزب الله” على خط الحرب دعمًا لـ”حماس”.

ليفينت اعتبر أن “حزب الله” يدرك تمامًا أن إيران تريد الاحتفاظ بالأغلبية العظمى من ترسانة الصواريخ التي يمتلكها “الحزب” في الاحتياط لردع إسرائيل أو أي جهة أخرى عن مهاجمة برنامج طهران النووي.

“في حال دخل حزب الله الحرب فهو يكون قد ارتكب جريمة كبيرة بحق الشعب اللبناني”، موقف معلن لرئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، عبر حسابه في “إكس“، قبل ساعات من خطاب مرتقب للأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله. 

موقف جعجع يتوافق مع مواقف عدة أعلنتها أحزاب لبنانية سياسية، ترفض دخول لبنان في صراع ضد إسرائيل، بالتزامن مع العمليات التي تشنها الأخيرة ضد غزة. 

الموقف المعلن لهذه الأحزاب يعود للأزمتين الحاضرتين في لبنان حاليًا، الأولى سياسية بعدم التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية خلفًا لميشيل عون، المنتهية ولايته منذ عام 2022، والثانية اقتصادية بدأت منذ 2019. 

وبين أزمتين ومصطلح “وحدة الساحات”، لا تبدو خيارات “حزب الله” سهلة خلال الفترة الحالية، خاصةً مع عدم نجاح إسرائيل حتى لحظة نشر هذا التقرير بتحقيق أهدافها المعلنة من هجماتها العسكرية على غزة، والانخراط المحدود للحزب في العمليات العسكرية، رغم تصريحاته المشيرة إلى انخراطه استخباراتيًا ومعلوماتيًا على الأقل. 

المخاوف اللبنانية تتعلق بثلاث نقاط، أولها الأزمتان السياسية والاقتصادية، وثانيهما تتعلق بعدم وجود داعمين ومانحين لإعادة الإعمار في حال أقدمت إسرائيل على استهداف البنى التحتية في البلاد، في ظلّ التغيرات الإقليمية المرتبطة بالتطبيع. 

أمام ثالث النقاط فتعود إلى الأبعاد العقائدية المرتبطة بالطوائف اللبنانية. 

وإلى جانب هذه الأزمات، يرتبط انخراط الحزب في المعارك، بخطوات إسرائيلية وقرار إيراني، وفق مختصين قابلتهم. 

قرار الحزب ليس بيده فقط 

دخل لبنان في 2019 في أزمة اقتصادية حادة، إثر اختفاء ملايين الدولارات من المصرف المركزي اللبناني، بما في ذلك أموال المودعين اللبنانيين، وانهارت قيمة العملة اللبنانية أمام الدولار الأمريكي. 

بعد هذه الأزمة بثلاث سنوات، انتهت ولاية الرئيس اللبناني، ميشيل عون، ولم تتوافق القوى اللبنانية على اسم لخلافته. 

وفي ظل هاتين الأزمتين، نشأت أزمة اجتماعية كتطور طبيعي للظروف الصعبة التي يعيشها لبنان. 

تلعب هذه الأزمات دورًا هامًا في قرار “حزب الله” توسيع نطاق المعارك ضد إسرائيل، ويرى الباحث في الاقتصاد السياسي، جوزيف ضاهر، أن الحزب لا يملك الشعبية التي امتلكها في عام 2006. 

وأضاف أن هذه الأزمات ستزداد بطبيعة الحال، إن قرر الحزب دخول المعركة بشكل أوسع. 

ومنذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية ضد غزة في 8 من تشرين الأول الماضي، استهدف “حزب الله” مواقع عسكرية إسرائيلية جنوبي لبنان، على الحدود مع فلسطين المحتلة، وفق قواعد الاشتباك. 

ضاهر أشار أيضًا إلى أن قرار الحرب ليس مرتبطًا بالحزب وحده، بل كذلك بالاحتلال الإسرائيلي، وفي حال وسع الأخير العنف الممارس في غزة وتطورت العملية العسكرية، قد يندفع “حزب الله” للدخول بشكل أكبر في المعارك. 

من جهته قال البرلماني اللبناني، مصطفى علوش، ل، إن قرار الحزب  الدخول في الحرب بشكل مفتوح او جزئي او تجنبها يرتبط بمشروعه العقائدي اولًا، وبمصلحة إيران وسيطرتها على في العراق وسوريا ولبنان. 

علوش يرى أنه، وبقدر ما تلعب الأزمة الاقتصادية دورًا في قرار الحزب، لكن الأهم الوضع الاستراتيجي للأخير بحسب المتغيرات في سوريا، خاصةً مع وصول أساطيل بحرية أمريكية إلى البحر الأبيض المتوسط، في رسالة مباشرة لإيران بأن أي تدخل واسع سيجعل الطائرات الأمريكية في سماء لبنان مباشرة. 

ولا يعتقد علوش أن إيران والحزب سيدخلان بشكل موسع في العمليات العسكرية، ويرجح أن تفضل طهران التفاوض على سيطرة أكبر في لبنان والعقوبات الغربية عليها بدل أن تدخل في حرب مدمرة. 

ورغم تأكيد “حزب الله” على “وحدة الساحات”، وتبادله القصف مع القوات الإسرائيلية، إلا أنه لم يتخطى قواعد الاشتباك المرسومة في حرب 2006. 

يعود هذا الأمر وفق ضاهر إلى أن الحزب نفسه “لا يريد الحرب، لكن قراره مرهون بمتغيرات على الأرض، منها قدرة “حماس” على الاستمرار في ظل القصف العنيف على غزة، خاصةً أن إيران تريد استثمار مكاسب حماس من العملية والمتربطة بعودة فلسطين إلى خارطة المشهد العالمي، وإيقاف عملية التطبيع السعودية مع إسرائيل ولو بشكل مؤقت، وأن تستمر “حماس” كلاعب رئيسي في المستقبل. 

إعادة الإعمار إحدى المبررات

شنّت إسرائيل عملية عسكرية واسعة ضد لبنان في عام 2006، على خلفية خطف “حزب الله” لجنديين إسرائيليين، وأدت لخسائر اقتصادية في البنى التحتية اللبنانية، تقدر بـ2.8 مليار دولار أمريكي، مع 100 ألف منزل مدمر. 

ووصل عدد الضحايا، وفق منظمة “حقوق الإنسان” إلى ألف و109شخصًا، معظمهم من المدنيين، ونفذت إسرائيل سبعة آلاف غارة إلى جانب القصف المدفعي والبحري. 

بعد انتهاء المعارك، ساهمت عدة دول في إعادة إعمار لبنان، بينها دول خليجية، وفي وسط التغيرات الإقليمية، واتفاقيات التطبيع، ووجود استراتيجيات جديدة للدول المانحة، قد لا يبدو قرار إعادة إعمار لبنان في حال دخل في الحرب ممكنًا، وهو ما عبر عنه عدة سياسيين لبنانيين في الفترة الأخيرة. 

وفق الباحث في الاقتصاد السياسي، جوزيف ضاهر، فإن لبنان اليوم منعزل اقتصاديًا وسياسيًا، وهناك مشكلة ثقة مع دول الخليج، وبالتالي ليس بالضرورة أن تدخل هذه الدول في عملية إعادة إعمار لاحقًا.

ويرى ضاهر أن هذا السياق يلعب دورًا مهمًا في موقف الفئة الرافضة لإدخال لبنان في هذه الحرب.


المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *