اخر الاخبار

ما وراء الصمت التركي على القصف الروسي بشمال غربي سوريا

وسط الإدانات الدولية للقصف الروسي على مناطق “خفض التصعيد” في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، لم يصدر أي تنديد أو رد فعل من “الضامن” التركي لهذه المنطقة، ما أثار التساؤلات حول أسباب هذا الصمت.

بدأ التصعيد الروسي الذي خلّف “مجزرة” في المنطقة منذ 20 من حزيران الماضي، بالتزامن مع محادثات “أستانة”، واستمر لعدة أيام حتى 25 من الشهر ذاته.

وأدى تصعيد قوات النظام والقصف الروسي في هذه الفترة إلى مقتل 15 شخصًا بينهم نساء وأطفال، وأكثر من 88 مصابًا بينهم نساء وأطفال أيضًا، بحسب إحصاءات “الدفاع المدني السوري”، وكانت أعنف الهجمات في 25 من حزيران الماضي، حين قتلت غارات جوية روسية تسعة أشخاص بينهم عمال ومزارعون، وأصابت 61 آخرين، في “مجزرة” استهدفت سوقًا للخضراوات على أطراف مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي.

واعترفت روسيا بشنها للضربات الجوية، حين قال نائب رئيس “المركز الروسي للمصالحة في سوريا”، اللواء أوليغ غورينوف، في 29 من حزيران الماضي، إن ضربات جوية استهدفت مواقع للمسلحين في قرية سرجة بمنطقة “خفض التصعيد” في محافظة إدلب شمال غربي سوريا.

وبينما تحدثت الإحصاءات المحلية عن سقوط مدنيين وأطفال ونساء، قال غورينوف، إن الضربات أسفرت عن تدمير “مركز قيادة عسكري غير قانوني ومستودع أسلحة وذخيرة، وقُتل خلالها 18 مسلحًا”.

وكانت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، نقلت عن وزارة الدفاع بحكومة النظام، في 25 من حزيران الماضي، أن قوات النظام بالتعاون مع القوات الروسية، استهدفت “مقار الإرهابيين” ومستودعاتهم في ريف إدلب، ومواقع إطلاق الطائرات المسيّرة، ما أدى إلى تدمير المقار بما فيها من أسلحة وذخائر وطيران مسيّر، ومقتل عشرات “الإرهابيين” وإصابة آخرين، في اعتراف آخر عن مسؤولية النظام عن الهجوم.

لتجنب التصعيد

تزامن القصف الروسي على شمال غربي سوريا، في 20 من حزيران الماضي، مع اجتماع “أستانة” الذي شارك فيه ممثلو كل من روسيا وتركيا وإيران وممثلون عن النظام والمعارضة، بالإضافة إلى ممثلي الدول المراقبة، ومنها دول جوار سوريا (العراق ولبنان والأردن)، كما شارك المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، في الاجتماع.

وبصورة موازية جرى في ذات اليوم اجتماع “الرباعية” حول سوريا، الذي ضم نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري في العاصمة الكازاخية، والذي هدف لوضع خارطة طريق لإعادة العلاقات السورية- التركية.

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح ل أن التصعيد الأحدث جزء من أدوات الضغط التي يمارسها النظام السوري وحلفاؤه على تركيا لتحقيق مكاسب في معادلة الشمال السوري.

ويرفض الأتراك أي تصعيد من شأنه أن يؤجج الصراع في منطقة “خفض التصعيد”، وفق علوش، لكنهم حريصون على تجنب أي خطوات إضافية من شأنها “تصعيد الأوضاع وإرباك المفاوضات” التي تجري بين أنقرة ودمشق برعاية روسية.

وتوقع الباحث في العلاقات الدولية، أنه في حال استمر هذا التصعيد لفترة أطول واتسع نطاقه، فإن أنقرة “ستُعبر صراحة عن رفضه”.

وحول أسباب هذا التصعيد، يرى علوش أنه يعكس عدم رضا النظام وحلفائه عن نتائج الجولة الأخيرة من محادثات “أستانة”، لأن الأتراك رفضوا أي تغيير في خارطة الصراع شمال غربي سوريا، دون الحصول على مكاسب في المقابل.

واستبعد علوش أن يخرج القصف عن إطار رسائل الضغط من قبل النظام وحلفائه، لأنه ليس من مصلحة تركيا أو النظام وحلفائه تصعيد الصراع إلى مستوى “يهدد مسار الحوار التركي- السوري”.

وأعلنت “هيئة تحرير الشام” عن قصف تجمعات لقوات النظام على محور سراقب، في إطار ردها على القصف الروسي- السوري على مناطق نفوذها شمال غربي سوريا.

وفي 23 من حزيران الماضي، قتل مدني وجرح آخر بهجوم جوي عبر طائرة مسيّرة استهدف أطراف مدينة القرداحة بريف اللاذقية الجنوبي، وقالت وسائل إعلام النظام الرسمية، إن مصدره مناطق نفوذ المعارضة شمال غربي سوريا.

الهجوم على مدينة القرداحة في اللاذقية جاء عقب يوم واحد من استهداف مشابه طال مناطق نفوذ النظام السوري بريف حماة الشمالي، وأدى إلى مقتل طفل وامرأة، بحسب “سانا”.

آثار القصف الروسي على أطراف قرية الجانودية في ريف إدلب الغربي – 22 من تموز 2022 ( / محمد نعسان دبل)

“الرد في الميدان”

بشكل مشابه لنتائج الاجتماعات السابقة الأخيرة، أبدى ممثلو الوفود في البيان الختامي لـ”أستانة” عزمًا على العمل معًا لمكافحة الإرهاب، ومعارضة الخطط الانفصالية التي تهدف لتقويض سياسة سوريا وسلامتها الإقليمية، وتهدد الأمن القومي لدول الجوار، مع إدانة أنشطة “الجماعات الإرهابية” التي تعمل في أماكن مختلفة من سوريا.

كما شددوا على “الحاجة إلى حفظ الهدوء على الأرض، عبر تنفيذ كامل لجميع اتفاقيات إدلب الحالية”، وهو ما يتعارض مع القصف الروسي على شمال غربي سوريا بالتزامن مع إصدار هذا البيان.

الباحث والمحلل السياسي التركي عمر أوزكيزيلجيك، قال ل، إن روسيا كانت تقصف إدلب في معظم أوقات انعقاد اجتماعات “أستانة” للضغط على تركيا.

ويرى أوزكيزيلجيك أن روسيا “غير راضية” عن ضربات الطائرات التركية دون طيار التي استهدفت “وحدات حماية الشعب” (YPG)، والتي استهدفت أيضًا قوات النظام، وتظهر استياءها من هذا القصف التركي عبر قصف شمال غربي سوريا.

“ويشعر الروس بالقلق من أن موقفهم في أوكرانيا وضعف وضعهم العام قد يشجع تركيا على أن تكون أكثر عدائية في سوريا، وبهذه الضربات يريدون إظهار تفوقهم الجوي”، أضاف المحلل.

على الجانب الآخر، يحاول الأتراك “الرد على الأرض”، عبر استمرار الضربات الجوية التركية في سوريا، وفق المحلل السياسي التركي، الذي يعتقد أن تركيا غير قادرة على إيقاف الضربات الجوية الروسية، طالما أن “هيئة تحرير الشام” موجودة في إدلب.

وفي 26 من حزيران الماضي، أعلنت المخابرات التركية مقتل 11 من عناصر “YPG” التي تعد أكبر مكوّنات “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بعملية نفذتها في منبج بريف حلب الشرقي.

وتعتبر تركيا “وحدات حماية الشعب” امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” في سوريا، وصعدت على مدى الأسابيع الثلاثة الأخيرة قصفها البري وبالطيران المسيّر المسلح على مواقع سيطرة “قسد” والنظام السوري في شمالي سوريا، ردًا على هجومين لـ”قسد” على قاعدة عسكرية لقواتها في كلجبرين بريف حلب الشمالي، ومركز للشرطة في ولاية كلّس الحدودية جنوبي البلاد.

إدانات دولية

أدانت ألمانيا، على لسان مبعوثها الخاص إلى سوريا، ستيفان شنيك، عبر “تويتر“، استهداف النظام مناطق في محافظة إدلب، مشيرًا إلى أن الضربات قتلت وجرحت عديدًا من المدنيين الأبرياء.

وأعرب نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية لـ”الأزمة السورية”، دافيد كاردن، عن قلقه من تصعيد الأعمال القتالية شمال غربي سوريا، مع ورود تقارير عن هجمات في محافظة إدلب، بما في ذلك الهجوم على السوق.

وقال كاردن، إن التقارير تشير إلى سقوط عديد من القتلى والجرحى من المدنيين، بمن فيهم الأطفال، مشيرًا إلى أن الأمم المتحدة تواصل دعوة “أطراف الصراع” إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، وفقًا للقانون الإنساني الدولي.

من جانبه، قال القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينيسكو، “من المؤسف مقتل مدنيين أبرياء من جديد في سوريا على يد روسيا”، مشيرًا إلى أن قنابل روسية استهدفت سوقًا للخضار في جسر الشغور، قرب مدينة إدلب، ما أسفر عن مقتل عشرة مدنيين على الأقل وإصابة أكثر من 40 شخصًا.


المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *