اخر الاخبار

قانون “مناهضة التطبيع”.. آثار أقسى على الأسد

حسام المحمود | خالد الجرعتلي | جنى العيسى

اجتاز مشروع قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري، في 14 من شباط الماضي، أولى خطواته في طريق قوننته، حين أقر مجلس النواب الأمريكي بغالبية ساحقة مشروع القانون، بعد تصويت الحزبين، “الجمهوري” و”الديمقراطي”، لمصلحة تمريره، وينتظر القانون تمريره بمجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عليه، قبل أن يصبح ملزمًا.

ورغم أن الولايات المتحدة سنّت في وقت سابق، وبشكل منفصل زمنيًا وموضوعيًا، قانونين يتعلقان بممارسات النظام السوري، حمل الأول اسم قانون “قيصر” (16 من حزيران 2020)، والآخر قانون “مكافحة المخدرات” (23 من كانون الأول 2022)، لكن مشروع القانون الحالي يحمل ثقلًا أكبر في مضمونه عما سبقه، إذ يخوض في تفاصيل أكثر عمقًا، تتعلق بالعقوبات المفروضة من جهة، وبمستقبل التطبيع مع النظام السوري من جهة أخرى.

تناقش في هذا الملف مع باحثين ومختصين، فحوى مشروع القانون هذا، ومستقبله، واحتمالية توقيعه من قبل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تمهيدًا لتحوله إلى قانون نافذ، إلى جانب مستقبل التطبيع مع النظام، على ضوء البنود التي تنهى عن خطوات من هذا النوع.

بـ389 صوتًا مؤيدًا مقابل 32 معترضًا، منحت “الغالبية الساحقة” من نواب الحزبين، “الجمهوري” و”الديمقراطي”، أصواتها لمشروع قانون “مكافحة التطبيع، وفق ما أورده بيان لـ”التحالف الأمريكي من أجل سوريا”.

ويعتبر النائب الأمريكي جو ويلسون الراعي الرئيس لمشروع القانون، الذي يرعاه أيضًا 52 نائبًا (31 من “الجمهوريين”، و21 من “الديمقراطيين”)، وفق البيانات التي يعرضها الموقع الرسمي لـ”الكونجرس” (يضم مجلسي النواب والشيوخ).

طرح ويسلون مشروع القانون بمجلس النواب في 11 من أيار 2023، وعُرض على لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس، في 16 من الشهر نفسه، بعد يومَي عمل سبقهما يوما عطلة، بسرعة وُصفت بـ”الخارقة للعرف التشريعي”، ونُشرت بنوده وتفاصيله في 27 من كانون الأول 2023، عبر الموقع الرسمي لمجلس الشيوخ الأمريكي.

وقدم المشروع لمجلس الشيوخ جيم ريش وماركو روبيو من الحزب “الجمهوري”، على أنه تشريع لتوسيع وتعزيز حماية قانون “قيصر”.

وركّز في إحدى أهم جزئياته على تمديد العقوبات المنصوص عليها بموجب قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سوريا، حتى عام 2032، بعدما كان مقررًا أن تنتهي مع نهاية العام الحالي.

وتتجلى بنود المشروع بمنع أي إدارة أو وكالة أمريكية من الاعتراف أو التطبيع مع أي حكومة بقيادة بشار الأسد، ووضع استراتيجية سنوية لمواجهة التطبيع مع النظام السوري، تستهدف الدول التي اتخذت خطوات للتطبيع معه.

كما يتضمن توسيع العقوبات لتشمل الكيانات التي تحول المساعدات الإنسانية أو تصادر الممتلكات من السوريين لتحقيق الرفاهية أو تحقيق مكاسب شخصية، إلى جانب توسيع العقوبات لتشمل مجلس الشعب السوري وكبار مسؤولي حزب “البعث العربي الاشتراكي”.

العقوبات تنطبق على معاملات الطاقة، مع ضرورة تحديد ما إذا كانت مؤسسة أسماء الأسد “الخيرية” (الأمانة السورية للتنمية) تفي بمعايير العقوبات بموجب قانون “قيصر”.

ويسمح القانون لرئيس وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بطلب قرار رئاسي بشأن الكيانات المشتبه بارتكابها انتهاكات لقانون “قيصر”، مع التوجيه بالتحليل والإبلاغ عن مساعدات الأمم المتحدة التي تم تحويلها لمصلحة النظام، بما في ذلك من خلال التلاعب بالعملة.

رئيس مجلس النواب الأمريكي يلقي كلمة في مبنى الكابيتول- 25 من تشرين الأول 2023 (AFP)

بين مشروع وقانون

القانوني السوري والمدير التنفيذي لـ”المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، نشر عبر “فيس بوك” تسجيلًا مصورًا لخص خلاله أبرز أجزاء مشروع القانون، مشيرًا إلى أن المشروع تمديد لقانون “قيصر”، وتوسيع لأنظمة العقوبات الواردة فيه.

وأضاف أن “قيصر” جاء لعرقلة جهود إعادة الإعمار قبل التوصل إلى تسوية في سوريا، بينما يركز مشروع القانون الجديد على تمديد “قيصر” وعرقلة مساعي التطبيع مع النظام من قبل دول أخرى.

ولا يزال مشروع القانون بانتظار تمريره من مجلس الشيوخ الأمريكي، قبل أن يكمل طريقه ليوقع عليه الرئيس الأمريكي، وهذا يعني نفاذه وبدء تطبيقه.

خمسة أقسام

ينقسم مشروع القانون إلى خمسة أقسام، أولها عنوان بلا تفاصيل، والثاني مجموعة بنود تمدد “قيصر” وتوسع الكيانات المشمولة بالعقوبات، كما يركز على توسيع قائمة الأنشطة التي يمكن أن تتسبب بفرض عقوبات على النظام، ويضيف عدة أنشطة، أبرزها:

  • استفادة النظام بشكل غير مشروع من المساعدات الإنسانية المتجهة إلى سوريا.
  • محاولة الاستيلاء على ممتلكات الشعب السوري.
  • بند موجه للحكومة الأمريكية يطالب بدراسة فرض عقوبات على “الأمانة السورية للتنمية” التي تديرها زوجة بشار الأسد، أسماء الأخرس.
  • إتاحة فرض عقوبات على جميع أعضاء مجلس الشعب السوري، وشخصيات نافذة في حزب “البعث”، وأفراد عائلاتهم البالغين إذا لم ينأوا بأنفسهم عن الانتهاكات التي يقوم بها النظام.
  • تحديد المعاملات التجارية التي تشملها العقوبات، وحظر المعاملات مع حكومة النظام، التي كان ممكنًا مرورها عبر “قيصر” سابقًا (إلغاء الاستثناءات).

أما القسم الثالث فيركز على حظر الاعتراف بالنظام السوري من قبل أي إدارة أمريكية، كونه ارتكب جرائم وانتهاكات بحق السوريين، وفشل بالالتزام بالشروط المنصوص عليها في قانون “قيصر” (التوقف عن استهداف المدنيين، والمدارس والمستشفيات، وإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن مصير المفقودين).

كما جرى التأكيد على معارضة الولايات المتحدة لاعتراف أي جهة بالنظام السوري، واستخدام العقوبات لمنع هذا الاعتراف، واستخدام واشنطن كامل صلاحياتها لمنع إعادة الإعمار داخل سوريا، بما في ذلك فرض عقوبات على الدول التي قد تنخرط بجهود من هذا النوع.

استراتيجية مشتركة.. عين على المساعدات

يركز مشروع القانون في قسمه الرابع على إنشاء استراتيجية مشتركة بين المؤسسات والوكالات الأمريكية لمواجهة التطبيع مع النظام السوري، ويطلب من الحكومة الأمريكية تقديم تقرير مشترك بين أجهزتها ومؤسساتها إلى “الكونجرس” سنويًا، حول جهود بشار الأسد للتطبيع، وجهود أطراف أخرى للتطبيع مع نظامه.

ويفترض أن يتضمن التقرير أبرز الانتهاكات، وأبرز الجهود لتحقيق العدالة، وأن يتضمن اللقاءات الدبلوماسية (من درجة سفير وما فوق) بين مسؤولين سوريين ومجموعة من الدول الإقليمية في المنطقة، منها تركيا والعراق ولبنان، ومعظم دول الخليج، ودول جنوب إفريقيا.

القسم الرابع تضمن أيضًا إدراج المعاملات المالية لأي مقيم في الدول المشار إليها مع أي فرد أو جهة ضمن مناطق سيطرة النظام، إذا كانت قيمة هذه المعاملات تفوق 500 ألف دولار أمريكي في السنة الواحدة، والنظر في احتمالية استدعائها فرض عقوبات جديدة.

ويجب أن يتضمن تقرير الحكومة الأمريكية لـ”الكونجرس” قائمة العقوبات التي نفذتها بموجب التعاملات المالية الوارد ذكرها، كجزء من ردع عملية التطبيع مع النظام، بالإضافة إلى تحليل مخاطر التطبيع مع النظام على الأمن القومي الأمريكي من زاوية استفادة روسيا وإيران منها.

وبالنسبة للقسم الخامس من مشروع القانون، فيركز على تلاعب نظام بشار الأسد بمساعدات الأمم المتحدة، ويطلب من الحكومة الأمريكية في هذا الإطار تقديم تقرير مشترك بين أجهزتها ومؤسساتها حول تلاعب النظام بالمساعدات الأممية.

هذا التقرير يجب أن يتضمن الصعوبات التي وضعها النظام أمام المساعدات الأممية التي تصل إلى المناطق خارج سيطرته، بالإضافة إلى قائمة بموظفي الأمم المتحدة ممن تربطهم علاقات بالنظام، أو مسؤولين فيه، والشروط التي يفرضها النظام على الأمم المتحدة للسماح بالعمل في أماكن محددة.

إلى جانب ذلك، يجب أن يشمل التقرير معلومات حول إثراء النظام لنفسه عن طريق تحديد سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الليرة السورية، بالمعاملات التي تجريها الأمم المتحدة في سوريا، مع تضمين المؤسسات المرتبطة بالنظام، وتستفيد مباشرة من المساعدات المقدمة إلى سوريا مثل “الهلال الأحمر العربي السوري”.

ويطلب مشروع القانون من حكومة الولايات المتحدة وضع استراتيجية للحد من تلاعب النظام واستفادته من المساعدات الإنسانية التي تقدمها الولايات المتحدة.

“التحالف الأمريكي لأجل سوريا” هو تحالف من منظمات أمريكية متخصصة ومتعددة الأديان، مقرها الولايات المتحدة، وتدعم سياسات أمريكا المبدئية بشأن سوريا، كما تدعم الإصلاح الديمقراطي وحقوق الإنسان والعدالة.

ويضم مجموعة من المنظمات هي “أمريكيون من أجل سوريا حرة“، و”سوريا الحرة“، ومنظمة “قائمة كايلا”، ومنظمة “مع العدالة“، و”المجلس السوري الأمريكي“، ومجموعة “المسيحيون السوريون”، و”مبادرة سوريا الإيمان“، و”المنتدى السوري بالولايات المتحدة“.

ويركز التحالف، وفق ما جاء في موقعه الرسمي، على جملة قضايا أهمها، إعادة تنشيط التنسيق مع الحلفاء بشأن سوريا، وزيادة المساعدات الإنسانية لـ”المناطق المحررة”، والإسراع في إعادة توطين اللاجئين السوريين، وإنفاذ وتعزيز تدابير المساءلة، ومكافحة تجارة الأسد لـ”الكبتاجون”، ومعالجة الفساد وعدم الكفاءة في مجال المساعدات.

مبنى الكابيتول، ويضم قاعتي مجلسي النواب والشيوخ- 2020 (afp)

مبنى الكابيتول، ويضم قاعتي مجلسي النواب والشيوخ- 2020 (afp)

رغم الإطار الزمني السريع نسبيًا الذي سار عليه مشروع قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري، فالعملية لم تكن بتلك البساطة بالنسبة للقائمين على إعداد المشروع، إذ لفت “التحالف الأمريكي لأجل سوريا” إلى عقد 327 اجتماعًا وزيارة على مدار أشهر، سبقت الوصول إلى هذه اللحظة.

المسؤول عن التخطيط السياسي في “التحالف الأمريكي لأجل سوريا”، محمد غانم، أوضح ل أن إقرار مشروع القانون بهذا الزخم لم يأتِ من فراغ، وتطلّب مئات الرسائل والزيارات واللقاءات، كما أن الحالة التوافقية التي انعكست في التصويت عبّرت عن أن حزب الرئيس الأمريكي نفسه (الديمقراطي) غير راضٍ عن سياسته في سوريا، ويؤيد ألا يتم التطبيع مع الأسد، رغم أن الإدارة الأمريكية تساهلت في الفترة السابقة مع التطبيع.

وقال محمد غانم ل، “عملنا على مشروع القانون جاء ردًا على السماح بالتطبيع مع النظام، والتطبيع يعني جعل نظام قتل أكثر من مليون شخص أمرًا طبيعيًا، وهو أمر غير طبيعي بضرورة الحال”، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة بناء لما بعدها، لكن الخطوات الباقية ليست بتلك السهولة.

وبيّن غانم أن إيصال مشروع القرار إلى تصويت مجلس الشيوخ سيتطلب الكثير من العمل وإنفاق الوقت، فالعمل على مشروع القانون قبل طرحه استغرق نحو خمسة أشهر، بالإضافة إلى ثمانية أشهر ما بعد طرحه، دون وعود بأن تكون الخطوات التالية مضمونة النتائج، أو حتمية، فهي بحاجة إلى متابعة وعمل، كون الإقرار في مجلس النواب لا يعني الانتقال فورًا إلى مجلس الشيوخ.

وحول الإطار الزمني المتوقع لإنجاز الخطوات المتبقية وصولًا إلى الإقرار، أوضح غانم أنه لا يوجد تاريخ محدد لتحقيق النتيجة المأمولة، مع التأكيد على أن الأمور تسير بسرعة كبيرة، لكن المجالس النيابية مصممة للعمل ببطء، للنظر في الأوجه المختلفة للقضية، وعدم اتخاذ قرارات اعتباطية قد تكون مؤذية، فالعمل على قانون “قيصر” استغرق نحو ثلاث سنوات ونصف قبل إقراره.

“لم نسعَ إلى طرح المشروع في مجلس النواب قبل الاطمئنان إلى إمكانية إقراره بأغلبية ساحقة، فالذهاب للتصويت وإحداث خلاف حاد بين الحزبين، أو فشل الإقرار سيشكل كارثة سياسية للملف السوري”، أضاف محمد غانم، لافتًا في الوقت نفسه إلى خطوات تسبق التصويت في مجلس الشيوخ، وهي عرضه على اللجنة المختصة في المجلس أولًا، والدخول في مفاوضات بهذا الإطار، ثم التصويت.

النظام وداعموه متأثرون

حول التأثيرات المتوقعة لمشروع القانون في حال إقراره وقوننته بعد توقيع الرئيس الأمريكي عليه، يرى المسؤول عن التخطيط السياسي في “التحالف الأمريكي لأجل سوريا”، أن التأثيرات التي سيحملها ستكون كبيرة، كونه سيمدد قانون “قيصر” إلى فترة طويلة، والدول المطبعة بمعظمها تدور في فلك الولايات المتحدة سياسيًا، وحين يتحول الموضوع إلى قانون، فسيعرقل عمل المطبعين، إذ لا يحارب التطبيع مع النظام السوري على مستوى الولايات المتحدة داخليًا فقط، بل ويتطلب محاربته خارجها.

ورغم أن القانون قد لا يقضي على ظاهرة التطبيع بالكامل، فإنه عالي الفاعلية، بسبب الثقل السياسي للولايات المتحدة وقوة عقوباتها، بما يخيف بعض الدول، أو يهدد مكاسبها، وفق محمد غانم، الذي بيّن أن عقود إعادة الإعمار والعودة إلى السابق لم تعد ممكنة بموجب هذا القانون، وهو ما يفسر محاولة جهات شتى تعطيل مشروع القانون منذ البداية.

وفي 2023، اتخذت علاقات بعض الدول العربية مع النظام السوري شكلًا مختلفًا، وبدا ذلك بوضوح بعد زلزال 6 من شباط 2023، الذي تبعته زيارات ولقاءات عربية مع رئيس النظام السوري، لأول مرة منذ بدء الثورة في سوريا، تمهيدًا لإعادته إلى الجامعة العربية في أيار من العام نفسه.

ومع مرور الوقت تبلورت صورة بعض العلاقات المتشكلة في طور ما بعد الزلزال مع النظام، فالإمارات عززت حضورها ودعمها للنظام، والسعودية استقبلت الأسد في أول قمة يشارك بها منذ عام 2010، وكلا البلدين رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع دمشق مؤخرًا.

الأردن من جهته يحاول الإبقاء على اتصال مستمر مع النظام في ظل تهديد حدودي يتجلى بكابوس المخدرات، مع الإشارة إلى مصافحة بين الأسد والملك الأردني، خلال مشاركتهما في القمة العربية الإسلامية الطارئة بشأن غزة، بالعاصمة السعودية، الرياض، في تشرين الثاني 2023.

الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، أوضح ل أن إقرار مشروع مناهضة التطبيع، وتحوله إلى قانون، سيشكل إن حصل معضلة جديدة، وإذا كان التوجه نحو التواصل مع الأسد ضمن استراتيجية عربية لمواجهة الأخطار الناتجة عن تعمق الأزمة في سوريا، كالإرهاب والمخدرات، وعدم ترك سوريا فريسة لإيران، فإن كل هذه المعطيات تنتهي.

وتعقيبًا على الموقف الأمريكي تجاه محاولات ضم الأسد لـ”الحظيرة العربية”، والذي تجلى بعدم التشجيع، يرى السبايلة أن ما كان يطلب من الآخرين بالتمهل بالعلاقة مع النظام تحول إلى قانون.

“هناك تبعات على الجميع، لا سيما حلفاء واشنطن، إذ قد يجدون أنفسهم مضطرين للأخذ بعين الاعتبار أن مثل هذه الخطوات قد تكون لها تبعات على العلاقة أو فرض العقوبات”، أضاف الخبير الاستراتيجي، معتبرًا مشروع القانون محاولة ترجمة لما كانت تقوله الولايات المتحدة في غرف مغلقة، حول التوجه السياسي نحو دمشق، إذ إنها اليوم تقوله علنًا، وتنقل الأزمة إلى الداخل السوري.

والحديث عن عدم التطبيع مع حكومة يقودها بشار الأسد يعني عودة أمريكية إلى التصعيد في الملف بعد حالة فتور وعدم رغبة بإحداث ضغوطات بهذا الصدد، ما يجعل المشروع نقطة تحول من شأنها وضع حلفاء الولايات المتحدة أمام صعوبات مستقبلية، وفق الخبير الاستراتيجي عامر السبايلة.

لا عقوبات.. الضغوط السياسية مؤثرة في التطبيع

وفق قراءة صادرة عن مركز “الحوار السوري“، في 25 من شباط الماضي، لإقرار مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الأسد، فالخطوة التشريعية جاءت بعد فترة من الأحداث التي يمكن اعتبار أنها تصب في مصلحة النظام، وأعطت جرعة تفاؤل “حذر” بتغييرات مقبلة لمصلحة الملف السوري، ما انعكس على النظرة الإيجابية لجهود السوريين في المهجر للضغط والمناصرة، بالإضافة إلى التركيز على وجود مؤشرات جدية لتشديد الخناق على مسارات التطبيع، أو تفريغها من آثارها الاقتصادية والسياسية على الأقل، إذا تحول مشروع القانون إلى قانون نافذ.

الدكتور في القانون والباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد قربي، أوضح ل أن هناك مبدأ أساسيًا في القانون الدولي تقوم عليه العلاقة بين الدول، وهو مبدأ السيادة، إذ لا تستطيع دولة ما أن تفرض على دولة أخرى اتخاذ إجراءات معينة، والقانون إذا أُقر فهو يخاطب الولايات المتحدة أولًا، وحكومتها، ويطلب من الإدارة الأمريكية متابعة اللقاءات التي يجريها النظام، بما يعكس محاولة ضغط سياسي، كون القانون لا يعاقب الدول التي تطبع مع النظام، بل يضغط عليها.

ويرى الباحث أن القانون بنصه الحالي لا يفرض عقوبات على الدول التي تطبع سياسيًا مع النظام، ولا يحد من حالة التطبيع، من الناحية القانونية، لكن من الناحية السياسية إلى حد ما يمكن أن يحدث هذا الأثر، كون التراخي الأمريكي مع مسألة التطبيع مع النظام هو ما شجع بعض الدول على هذه الخطوة، وبالتالي وجود موقف متشدد من قبل الإدارة الأمريكية سيدفع بعض الدول للتراجع عن بعض الخطوات إذا كانت هناك إرادة أمريكية من هذا النوع.

 

“من الناحية القانونية، لا عقوبات على الدول التي ستطبع مع النظام سياسيًا، بل سيكون هناك ضغط على الإدارة الأمريكية للتشدد في فرض هذه العقوبات، وهذا سيؤثر على جهود التطبيع السياسي”.

أحمد قربي

دكتور في القانون وباحث في مركز “الحوار السوري”

 

وبحسب الدكتور أحمد قربي، فالمختلف في القانون تقييده للسلطة التقديرية للولايات المتحدة، فعادة يضع المشرع أهدافًا أساسية، ويترك للإدارة اختيار وسيلة التنفيذ، لكن مشروع القانون الحالي يضغط على الإدارة الأمريكية ولا يتيح تراخيًا بالتطبيق، ما سيؤثر حتمًا على النظام السوري، إذا جرى فرضه فعلًا بصيغته الحالية ولم تطرأ عليه تعديلات.

الخارجية الأمريكية ترد: ندعم تطلعات الشعب السوري المشروعة

مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، قال ل، إن موقف الإدارة الأمريكية يظل واضحًا، ومفاده، “لن نقوم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد دون إحراز تقدم حقيقي نحو حل سياسي دائم للصراع الأساسي”.

وردًا على سؤال حول الجديد في مشروع قانون مناهضة التطبيع، رفض المصدر التعليق، مبينًا أن الخارجية لا تعلق على التشريعات المعلقة، لكنه أبدى تفهمًا لرغبة بعض الدول العربية استخدام التواصل المباشر مع النظام السوري، وعزا ذلك لـ”تحقيق مزيد من التقدم في حل الصراع السوري”.

كما شكك المصدر برغبة بشار الأسد في اتخاذ خطوات لازمة لحل “الأزمة السورية”.

 

“نتشاطر العديد من الأهداف مع شركائنا العرب فيما يتعلق بسوريا، وما زلنا ننقل لهم ضرورة الضغط من أجل تحقيق تقدم فعلي في عملية سياسية شاملة، والمساءلة بشأن انتهاكات وتجاوزات نظام الأسد لحقوق الإنسان”.

مصدر مسؤول في الخارجية الأمريكية

 

وجدد المصدر التأكيد على الموقف الرسمي الأمريكي الذي يعتبر أن الحل السياسي على النحو المبين في قرار مجلس الأمن رقم “2254” هو الوحيد القابل للتطبيق للصراع السوري، وهو ما تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها والأمم المتحدة لتطبيقه.

وقال إن الولايات المتحدة “تظل ملتزمة بالحل السياسي للصراع السوري، والمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان، وتعزيز الأمن والاستقرار لضمان عدم ظهور (داعش) مجددًا، مع دعم تطلعات الشعب السوري المشروعة في السلام والأمن والاستقرار والعمل على الحد من العنف والحفاظ على وقف إطلاق النار”.

وبحسب المصدر، فإن الولايات المتحدة ستواصل دعم الشعب السوري والعمل على تخفيف معاناته، وستستخدم جميع الوسائل المتاحة للدعوة إلى وصول المساعدات الإنسانية وتقديم المساعدة للسوريين المحتاجين.

جلسة لمجلس النواب الأمريكي- 1 من آذار 2022 (رويترز)

جلسة لمجلس النواب الأمريكي- 1 من آذار 2022 (رويترز)

مرّ المشروع بسرعة عالية في دوائر التشريع الأمريكية، إذ صدقت عليه لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب في أيار 2023، حين كانت موجة التطبيع العربي مع النظام في أوجها، وصولًا إلى إعادة النظام إلى جامعة الدول العربية في تلك الفترة.

وفي ظل انتخابات رئاسة أمريكية ستشهدها الولايات المتحدة في تشرين الثاني المقبل، إلى جانب الحديث عن مساعي بعض الأطراف لعرقلة المشروع، فإن هذه المعطيات لا تعصم مشروع القانون من عقبات أو عراقيل محتملة قبل أن يشق طريقه إلى توقيع الرئيس الأمريكي.

المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، حازم الغبرا، قال إن قانونًا كهذا لا توجد عليه إشكاليات داخلية، في ظل توافق “ديمقراطي- جمهوري” على الملف السوري بخطوطه العريضة.

وأوضح الغبرا ل، أن هناك وجهتي نظر تتعلقان بمسألة التطبيع، أولاهما أمريكية مستمرة بذات النهج، وتتمثل بإزاحة النظام السوري وعدم منحه أي فرصة إضافية، وخنقه اقتصاديًا، وهو السلاح الأفضل بيد الولايات المتحدة ضد النظام.

وتتجلى وجهة النظر الأخرى التي تتبناها بعض الدول العربية، بأنه لا يمكن عزل النظام ما دامت إيران حليفته، ما يعني ضرورة العمل مع النظام بشكل أو بآخر حتى لا تتفرد به إيران، لكن التوجه الأمريكي لن يتغير في هذه الفترة وفق الغبرا، لا سيما مع وجود ملفات أكثر إلحاحًا لواشنطن حاليًا، كالحرب الإسرائيلية على غزة (منذ 7 من تشرين الأول 2023)، والغزو الروسي لأوكرانيا (منذ 25 من شباط 2022).

ويرى المستشار السابق في الخارجية الأمريكية، أن هذه العقوبات اقتصادية أكثر منها سياسية، إذ تركز على منع النظام من الوصول إلى موارد جديدة، كونها ستستخدم في إطالة عمره من جهة، وتتعارض مع مصالح الشعب السوري من جهة أخرى.

حملات متوقعة لتخفيف الوطأة

لاستقراء المعوقات التي قد تواجه انتقال “مناهضة التطبيع مع النظام” من مشروع قانون إلى قانون، يمكن النظر إلى محاولات تفريغ قانون “قيصر” من تأثيره الذي سيتواصل بقوة أكبر إذا جرى تشريع القانون، فهناك تحديات سياسية وأخرى مرتبطة بقوة مجموعات الضغط لدى بعض الدول التي تحاول تخفيف تأثير القانون، وفق ما يراه الباحث السياسي ومدير الأبحاث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع.

وأوضح طلاع ل، أن هذه المعوقات تتمثل بمستويين رئيسين، أولهما منظور الإدارة الأمريكية للعقوبات وجعلها ورقة سياسية فقط، دون إلحاقها بحزمة قرارات تنفيذية في هذا السياق كما حصل في قانون “قيصر” الذي تبعته عدة استثناءات، فضلًا عن تراجع زخم القرارات الصادرة بموجب قانون “قيصر”.

ويرتبط المستوى الثاني بحركة بعض الدول العربية التي ترى في هذا القانون منعًا للاستقرار في المنطقة لأسباب لا ترتبط بالنظام السوري بل بالأمن القومي لهذه الدول، وبالتالي ستحاول في الفترة المقبلة، خلال مراحل إقرار مشروع قانون مناهضة التطبيع، تخفيف حدة بعض المواد وجعلها أكثر مرونة.

وتعكس نتيجة التصويت على مشروع القانون في مجلس النواب الأمريكي وجود تيار سياسي يعارض التطبيع مع النظام، ما قد يترجمه التصويت في مجلس الشيوخ، الذي يمكن أن يحظى بنسبة تأييد مماثلة، ما يرجح إقرار “مناهضة التطبيع” كقانون، وفق الباحث معن طلاع، الذي لفت إلى احتمالية زيادة الحملات الضاغطة على الإدارة الأمريكية ومجلس الشيوخ للتخفيف من حدة بعض المواد.

وإلى جانب تحركات بعض الدول الحليفة للنظام، تنشط منظمات غربية داعمة للنظام وتعمل في أروقة صناعة القرار، بهدف تحقيق تقارب سياسي بين سردية السلطة في دمشق بـ”محاربتها للإرهاب” وبين الشارع الغربي.

انتقادات سابقة

في حزيران 2022، أجرى مجلس الشيوخ الأمريكي جلسة استماع حول سوريا ترأسها رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، السيناتور “الديمقراطي” بوب مينينديز، بعنوان “المضي قدمًا في السياسة الأمريكية السورية.. الاستراتيجية والمساءلة”.

وتساءل مينينديز خلال افتتاحية الجلسة عن استراتيجية إدارة بايدن في سوريا، مشيرًا إلى أن الصراع المجمّد يؤدي إلى معضلات إنسانية وسياسية وأمنية هائلة، وسط تراخٍ من القيادة الأمريكية، وفق تعبيره.

بدوره، قال السيناتور الأمريكي من الحزب “الجمهوري” جيم ريتش، إن سياسة العزلة الاقتصادية والدبلوماسية التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا لفرض حل سياسي بدأت بالانهيار، مبديًا قلقه من أن تكون الإدارة قبلت بحكم الأسد باعتباره نتيجة مفروضة، “أخشى أن هذه الإدارة توافق ضمنيًا على التواصل مع النظام”، على حد رأيه.

وأضاف ريتش، “أنا قلق للغاية بشأن تمويل الإدارة لما يسمى بمشاريع (التعافي المبكر) في المناطق التي يسيطر عليها النظام، هذه الأنشطة تطمس الخط ضد إعادة الإعمار التي يحظرها (قيصر)، وتفتح باب التطبيع مع الأسد”.

قانونان سابقان ضد النظام السوري

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *