اخر الاخبار

الواقع يدفع نحو عمالة الأطفال في القامشلي.. قوانين لا تمنعها

على الرغم من صغر سنه الذي لا يتجاوز 11 عامًا، يواظب الطفل مؤيد على الذهاب يوميًا منذ الصباح الباكر إلى أحد محلات صيانة الدراجات النارية في حي علايا بالقامشلي.

منذ نحو شهرين قرر والد الطفل أن ابنه يجب أن يتعلم “صنعة”، ليكون عونًا له في “الأيام الصعبة التي تعيشها العائلة” جراء تدهور وغلاء الوضع المعيشي الذي “يفوق حد الوصف”، بحسب ما قال ل.

وتشكل منطقة الصناعة في القامشلي أكبر مكان لعمالة الأطفال، وبحسب ما رصدت تكاد لا تخلو ورشة صناعية من وجود طفل أو طفلين للعمل فيها، كذلك تنتشر عمالة الأطفال في سوق الهال وفي السوق المركزي بالمدينة يبيعون الألبسة وربطات الخبز وغيرها على بسطات تنتشر على الأرصفة.

إلى جانب ذلك، يوجد قسم من الأطفال يعلمون في “نبش القمامة من الحاويات” لجمع الكرتون والمخلفات البلاستيكية وبيعها لإعالة أسرهم، وهو عمل ينطوي على الكثير من المخاطر الصحية.

لتعلم صنعة وكسب المال

استقر ماجد الحسين (46 عامًا) منذ نحو عامين مع عائلته المكونة من ثلاثة أطفال، من بينهم الطفل مؤيد، في مدينة القامشلي قادمًا من جنوب الرد (ريف جنوب الرد بالقرب من الحدود العراقية) أملًا في إيجاد عمل يُمكنه من تأمين قوت عائلته.

ماجد قال ل إن فرص العمل شبه معدومة في الريف الذي يعتمد على الزراعة بشكل أساسي، وكون المنطقة التي قدم منها لا يوجد فيها أي مورد مائي لري الأراضي، فالزراعة “غالبًا” ما تكون غير مجدية.

يعمل الرجل حاليًا بأجرة يومية في أحد المستودعات تقدر بـ 25 ألف ليرة سورية (1.8 دولار تقريبًا)، بينما تبلغ أجرة منزله 500 ألف ليرة شهريًا، عدا بقية المصارف الضرورية من طعام وطبابة.

ولذلك لم يكن أمامه سوى أن يعتمد على طفله مؤيد، الذي سيصبح بعد فترة من تعلم مهنة تصليح وصيانة الدرجات النارية قادرًا على دفع إيجار المنزل عن والده، كما قال.

لا يزال الطفل في فترة تعلم وإتقان مهنة الصيانة، لذلك لا يتلقى أي أجرة بالرغم من عمله لنحو ثمانية ساعات يوميًا، إذ “يكفي أنه يتعلم صنعة” في البداية وبعد ذلك يأخذ أجرة “جيدة” على حد قول والده.

أطفال يعملون بنبش القمامة في القامشلي- 1 من تشرين الأول 2023 (/ مجد السالم)

 النزوح أحد الأسباب

“لا مفر من أن يعمل أحد أطفالك، وربما أكثر من طفل في ظل ظروف النزوح التي نعيشها”، بهذه الكلمات برر محمد الأمين (50 عامًا) عمل أحد أطفاله في بيع وتوزيع المنظفات.

ينحدر محمد من حلب، وهو نازح في القامشلي منذ نحو خمسة سنوات، يضطر لدفع أجرة منزله شهرية تبلغ نحو مليون ليرة سورية.

“لدي طفل يعمل ليساعدني في تأمين قوت ومصاريف الدراسة لبقية أخوته، من الصعب الاختيار بين الدراسة والعمل لطفلي لكن نحن مضطرون لذلك”، قال محمد الأمين، ومع ذلك أبدى رغبة في تعويض طفله ما فاته من الأعوام الدراسية من خلال تعليمه القراءة والكتابة لدى بعض المعلمين الذين أبدوا استعدادهم لتدريسه مجانًا وإلحاقه مع أحد المجموعات الطلابية.

قوانين دون جدوى

عبد الرحيم سليمان (39 عامًا)، محامٍ يعمل في مناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، قال ل، إن هناك قوانين صدرت من قبل “مكتب حماية الطفل” التابع لـ”الإدارة” للحد من عمالة الأطفال التي زادت بشكل “كبير” جراء الحرب وتردي الوضع المعيشي وفقدان العديد من الأسر لمعيلها الذي عادة ما يكون الأب نتيجة أوضاع أمنية عديدة.

وبحسب عبد الرحيم سليمان، فإن القوانين “بقيت بدون جدوى”، إذ توجد قوانين تمنع عمل الأطفال بمهن شاقة خصوصًا من هم دون الـ 10 سنوات، لكنها سمحت لهم في العمل بمهن “خفيفة” في المكاتب مثلًا ومحال الصيانة الإلكترونية ولمدة لا تتجاوز ست ساعات يوميًا، وألا يؤثر هذا العمل على متابعة الطفل لمدرسته بأي شكل من الأشكال.

وأضاف المحامي، أنه من الصعب تطبيق قوانين مكافحة عمالة الأطفال نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي للسكان وتدهور الوضع المعيشي فالعائلة أصبحت بحاجة لأكثر من معيل، لسد حاجاتها الأساسية ولا يوجد بديل اقتصادي أو مورد لرب الأسرة يغنيه عن “دفع ابنه للعمل في الوقت الذي يجب أن يكون فيه على مقاعد الدراسة”، فأغلب الأجور متدنية والمعيشة في غلاء مستمر.

وفي نهاية عام 2022، كان ما يقرب من 7 من كل 10 أشخاص في سوريا بحاجة إلى المساعدة، وهو أكبر عدد من الأشخاص المحتاجين منذ بدء الأزمة، الأمر الذي تفاقم مع وقوع الزلزال المدمر في شباط 2023، بحسب مكتب التنسيق الإنساني التابع للأمم المتحدة.

بينما لا يزال أكثر من 6.5 مليون طفل في سوريا إلى المساعدة، وهو أعلى رقم جرى تسجيله منذ بداية الأزمة السورية المستمرة لأكثر من 11 عامًا، بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *