اخبار تركيا

مأزق أوروبا وحرب أوكرانيا

محمد قدو الأفندي خاص اخبار تركيا

التقارير الواردة من الوضع الاقتصادي الروسي ينبأ بكارثة اقتصادية قوية قد يتلمسها المواطن الروسي عاجلا وأجلا كما أن التعافي من هذه الكارثة قد تطول لفترة غير قصيرة رغم أمتلاك الروس لكل خصائص النهوض والخروج من المستنقع الذي سحبوا أليه .

وأوربا التي أستطاعت من أجتيار الكارثة التي خطط لها أن تصيبها بامدادات الطاقة في هذا الشتاء بدعم أمريكي مباشر وبتوجيه من أمريكا للدول التي تمتلك موارد الطاقة لن تكون بامن من كوارث قد تحل بها في حال استمرار الازمة الأوكرانية لفترة أخرى ، ولكن هل بأمكان أوربا من توفير احتياطي لها في الأعوام القادمة دون الرضوخ للاملاءات الامريكية من مصادر أخرى في حال أستمرار الازمة مع الروس.

ومن المعروف أنه ومنذ بداية الازمة وربما سبقت العمليات العسكرية التي قامت بها القوات الروسية بأحتلال أوكرانيا كانت أمريكا تحاول الهيمنة على العالم من جديد كقطب واحد تمحو أي تأثير لأوربا وروسيا والصين على سياستها الخارجية ومصالحها في ارجاء المعمورة .

فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي لم يؤثر يشكل كبيرعلى هيكلية الاتحاد ولا حتى على وضعها الاقتصادي بشكل خاص وهو مازاد من الإصرار الأمريكي على اضعاف القارة الاوربية بشكل عام والاتحاد الأوربي بشكل خاص لأزالة عقبة حقيقية أمام الهيمنة الامريكية ، بل وجعل الاتحاد الأوربي احدى ركائز قطبه في السيطرة على العالم اعتمادا على أضعافه وحاجته الماسة والمباشرة على واشنطن اقتصاديا وسياسيا .

لم تكن لأوربا خيارات متعددة في التخلص من الهيمنة الامريكية ولا من مسألة أمدادات الطاقة سوى التوجه للصديق القديم أيران وأرادت القيام بمشاورات حقيقية لتقليص حزمة العقوبات الاقتصادية على طهران لتتمكن من الالتفاف وتمد اوربا والعالم بالطاقة ، ألا أن واشنطن كانت لها بالمرصاد فتوالت العقوبات وادعاءات أخرى لحقوق الانسان والتخصيب العالي لليورانيوم ، ويذا منعت أوربا من استغلال فرصة كانت سانحة لها .

ولن أقول أن أيران كانت سباقة للتعاون مع الروس في عدة أشكال ضد أوكرانيا ولكن أجزم أن أيران فهمت اللعبة الامريكية ضد أوربا وضدها معا وتدرك طهران أن الهيمنة الامريكية ليس لها أن تقلص ألا بالوقوف أمامها كند ، وهذا أسلوب السياسيين الإيرانيين على مر التاريخ .

ومن المهم أن نعرف أن العديد من الدول العربية ومعها تركيا أدركوا وفهموا اللعبة الامريكية ومتيقنين أن مخططات واشنطن ستكون وبالا على مصالح دولهم وأن الأخيرة مستمرة في تنفيذها ولاتتوقع أي واشنطن وقفات جادة من هذه الدول ضد مشاريعها بل أنها حكمت الطوق على مسارات سياسات أوربا وغيرها من الدول الأخرى .

الترتيبات السياسية في المنطقة العربية ودول منطقة الشرق الأوسط والتوجهات الحقيقية والمخلصة نحو التطبيع الواضح بين مختلف الأطراف هي جزء من تحرك أقليمي واضح ضد المخططات الامريكية ، وأن هذه الترتيبات نابعة من فهم حقيقي للأوضاع وهذه الدول الشرق أوسطية ترى في أنها تستطيع القيام بسياسة مستقلة تخدم امنها وأقتصادها حتى لاتذعن كثيرا لأملاءات واشنطن ، وهي بهذا سبقت أوربا التي لازالت تهادن واشنطن رغم فهمها العميق وتنبؤها بمستقبل غير محمود لأتحادها أولا ولحلف الناتو التي تستظل أمنة تحت مظلتها .

التصريح الفرنسي وعلى لسان الرئيس ماكرون حول روسيا والذي طالب فيها بالنصر على روسيا وبنفس الوقت تنمى عدم سقوط روسيا مثير للاهتمام كثيرا ولها عدة تفاسير منها :
أن العداء الأوربي لروسيا يقتصر فقط على عدوانها على أوكرانيا دون وجود عداء فكري وتاريخي .
هامش النصرالذي يدعيه ماكرون هو لحفظ ماء وجه أوربا الذي يعاني كثيرا من الاحتلال الروسي لأوكرانيا .
الاستباق الفرنسي تخوف حقيقي في منع تطور الازمة وقيام الروس بالتحرش بحدود بولندا أو بأحتلال جزء من أراضي تلك الدولة بأنتهاء فصل الشتاء القارص والمعيق للتحركات الروسية في حال القيام بهجومات استباقية ، والذي ينهي كل فرص السلام مثلما سيضع كل أوربا في مرمى النيران الروسية وينهي بتلك كل الامل لأنهاء الازمة بالطرق الدبلوماسية .

وبالتاكيد أن أوربا بصورة عامة تدرك أن واشنطن تدفع بالازمة نحو التعقيد وأنها لاتسمح مطلقا بالتحدث عن جهود دبلوماسية لأنها في منأى من كل ضرريصيبها جراء استطالة الازمة أو تعقيدا وأتساع نطاقها ساحتها.

ويجب أن لايغيب عن بالنا بأن دول أوربا سابقا كانت كثيرا تعتمد في التخلص من أزماتها وخصوصا أزماتها الاقتصادية الاستراتيجية على البلدان الضعيفة المحتلة من خلال نهب ثرواتها ولاحقا من خلال بيع وتسليم ملفات تلك الدول لواشنطن كما حدث في العراق حيث سلمت لندن الملف العراقي برمته للعم سام عام 58 عند قيام الانقلاب ضد الملكية الدستورية .

وفي المجمل فأن أوربا تحاول جاهدة مسك العصا من المنتصف لعلها تستطيع مراجعة مواقفها رغم الضغط الأمريكي بتلبية كل الإمكانات المالية والفنية والعسكرية لأوكرانيا لمقاومة الجيش الروسي المحتل ولكنها بالتأكيد تخشى من اتساع نطاق الحرب لتشمل حدود دول الاتحاد الأوربي والناتو ، وما المعونات المخجلة والامدادات الهزلية لبعض أسلحتها لدعم أوكرانيا الا تعبير عن هذا التوجه .

وبمعنى أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن ضغطها وستحاول قدر الإمكان سحب الروس لحدود بولندا حيث لامناص من مواجهة الدب الروسي وجها لوجه .

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *