اخبار عمان

عصبة تحمل جينات وراثية إجرامية

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

 

كنت أغرق في تفسير ما يحصل في عالمنا المعاصر من قبل عصبة بني صهيون، التي لا يعجزها الكيد لغيرها في ضوء ما ذكره الله في كلامه المنزل، بأنَّ في قصة يوسف وخبره مع إخوته آيات، أي عبرة ومواعظ للسائلين والمستخبرين عنه، فإنه خبر عجيب يستحق أن يخبر عنه “إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰٓ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ” أي جماعة، فكيف أحب ذينك الاثنين أكثر من الجماعة “إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍ“، وقد تسموا بلفظ العصبة لأنهم محيطون بيوسف، الذي عزموا على قتله كي ينفردوا بأبيهم، بحيث يضيق حب أبيه له وأخيه، ليقتصر عليهم بوجه عام، ويقصره كل واحد منهم على خاصته، في إطار تفسيرهم للرشاد أو الضلالة، وتصبح عصبتهم محيطة بهم وموالية لهم.

ومن الطبيعي ألا يقتصر مفهوم العصبة عند إخوة يوسف على تصور فضفاض، وإنما يرتبط بما يعتنقون من فكرة الإجرام والاستحواذ على محبة أبيهم حسدًا من عندهم، وهم عصبة من أب وأم، فعصبة إخوة يوسف تبنت منهج الإجرام والنكران والعقوق، وحتى تحافظ على تماسكها، لابد لها من أن تأخذ مسافة نفسية من السياق الاجتماعي، والنظام الأخلاقي، والتصور القيمي السائد، فهي بالتالي أصبحت بمرور الوقت إطارًا دينيًا اجتماعيًا لحدود العلاقة بأبيهم.

وعلى الرغم من قدم قصة إخوة يوسف، فإن عصبتهم أدت الى قيام المتأثرين بأنانيتهم للعيش في “غيتو” نفسي بعد أن صدقوا أنهم هم المختارون، والأحق بالتسلط والسلطة، والأذكى عقلا، والأغنى مالا، والأكثر قوة.

ولا شك أن الحكم على عالم اليوم بأنه عالم يتبنى مفهوم إخوة يوسف لضلالة أبيهم، قد أورث اعتقادًا داخليًا بأن القوي هو الأجدر بالسلطة لأنه الأوفر مالًا ونفوذًا، وأن عصبة القوي ليست عصبة هامشية بل عصبة مركزية، لدرجة أن هذه العصبة لم تطق توسيع دائرة المشاركة، مما جعل منها أجسامًا منفصلة عن جسم مجتمع الأخلاق والفطرة الإنسانية.

لم انتبه لمعنى العصبة إلا فجأة، حين ربطها دماغي بالكلمة الجذر، وبالتعصب والعصابة التي تقتل الأبرياء وتنهش الأعراض وتؤذي الناس، بالتعاون مع من هم في عصبتهم،يسندون دعواهم بأدلة كاذبة استنتاجية؛ فالكذب يكفي بمنطقهم، كما فعل إخوة يوسف عندما جاؤوا على قميص سيدنا يوسف بدم كذب.

ولكني كتبت ما قد يحتويه هذا المقال، وأرجو أن تساعدني عزيزي القارئ في حلحلة وفهم عالم يدعي حكمة الجموع، والأممية؛ حيث إن عصبة الأمم سلف منظمة الأمم المتحدة جاءت فكرتها من الغرب الأوروبي، خلال فترة سادها الإجرام، بتحكم من قبضة عصبة بني صهيون، فحولتها إلى عصبة يسودها التآمر والاستعمار والحروب والتدمير والقتل، تجسيدًا لذات الجينات المتوارثة عن عصبة إخوة يوسف منذ آلاف السنين، ومع ذلك، ما تزال قصتهم وثيقة الصلة بما جرى من دمار عالمي، ويجري اليوم على أرض فلسطين. هذه القصة الموغلة في القدم تثير الاشمئزاز، فهي تجسد الرغبة في الإجرام والتسلط، لكن البشرية ترفض وحشية هذه العصبة باعتبارها عصبة تضطرم فيها رغبة الانتقام، فتذهب إلى معتقد إجرامي فيه توسل بأن ينتقم العالم للكبرياء المجروح، غير أن إرادة الله قهرت مكر هذه العصبة، وإجرامها، في غمرة الحزن أمام موت الضحايا، وأمام حتمية نصر الله للمؤمنين.

إذا كان الغرب قد رأى أن العظمة الحقيقية في السلام، تكمن في الرغبة بإنشاء “عصبة الأمم”، لمنع قيام الحرب عبر ضمان الأمن المشترك بين دول العالم، والحد من انتشار الأسلحة المسببة لفائض القوة، وتسوية المنازعات الدولية عبر إجراء المفاوضات والتحكيم الدولي، وغيرها من الأهداف التي وضعتها نصب أعينها، فإنه وبمرور الوقت تحول الجمع الأممي، الذي يجب أن يمارس “استعلاء العدل والحرية” على سائر الأمم؛ القوي منها والضعيف، بمن فيهم عصبة إخوة يوسف، إلى عصبة تسيطر عليها الصهيونية العالمية، فكثُر التوحش والإجرام والحروب والعدوان بين دول هي أعضاء في العصبة، وصارت وسيلة لما يغنمه القوى، ومغرم وقع على الصغير الضعيف.

في هذه السانحة، لست أنا من يكتب عن المغنم أو المغرم، إلّا أن ما يمكن الإشارة إليه في عجالة، هو أن أهم مشكلة تعاني منها الأمم، هي امتلاك الأقوياء حق النقض، الذي يؤدي إلى المساس بالمساواة بالسيادة بين الدول الأعضاء في المنظمة “العصبة” الدولية؛ حيث ألقى هذا الحق الذي اصطنعه القوي على وجه العدالة الدولية رداءً قاتمًا بدماء الأبرياء والدمار، وصار عقبة كأداء أمام السلام العالمي، ولم يستطع أحد أن يكبح جماح عصبة بني صهيون، لتتمكن الشعوب أن تعيش حياة الحرية والاستقلال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *