اخر الاخبار

ما وراء استهداف تركيا مناطق “حيوية” في شمال شرقي سوريا

تحولت طبيعة العمليات العسكرية التركية ضد مواقع سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بعد الانفجار الذي استهدف مديرية الأمن بالعاصمة أنقرة، من استهداف أفراد وشخصيات قيادية في التنظيم، الذي تصنفه تركيا “إرهابيًا” على قوائمها، إلى استهداف مواقع عسكرية ومنشآت حيوية تابعة لـ”قسد”.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 9 من تشرين الأول الحالي، أن بلاده أنهت المرحلة الأولى من عملياتها في شمالي سوريا وشمالي العراق، مشيرًا إلى تدمير 194 هدفًا، وتحييد 162 “إرهابيًا”، خلال هذه العملية.

وقال أردوغان، إن “المرحلة الأولى من عمليتنا، التي استهدفنا فيها فقط أعضاء المنظمة الإرهابية والمنشآت التي يستخدمها الإرهابيون ومصادر الدخل وقدرات الإرهاب، اكتملت بنجاح”، متعهدًا بأن العمليات ضد الجماعات التي تعتبرها “إرهابية” ستستمر “بحزم وشدة وفعالية أكبر”.

وتعتبر أنقرة “قسد” امتدادًا لأحزاب كردية مصنفة على “قوائم الإرهاب” لديها، أبرزها “العمال الكردستاني” (PKK) و”وحدات حماية الشعب” (YPG).

وفي بيان منفصل، في 9 من تشرين الأول الحالي، حددت وزارة الدفاع التركية إجمالي الأهداف التي ضربتها الطائرات الحربية التركية في شمال سوريا منذ بدء العملية في 5 من هذا الشهر عند 51 هدفًا.

وشملت هذه الأهداف مصادر الدخل والمرافق التي تستخدمها “قسد”، إذ تعد المنطقة التي تسيطر عليها موطنًا لمعظم الثروة النفطية في البلاد، وهي مصدر دخل “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا.

وبينما تقول أنقرة إنها تستهدف الإرهابيين ومصادر دخلهم فقط، قالت “قسد” إنه بالإضافة إلى المواقع الأمنية التابعة لقواتها، فإن العديد من المناطق الزراعية ومرافق الكهرباء والمياه والمدارس كانت من بين الأهداف التركية.

واتهم قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، في 8 من تشرين الأول، أنقرة بمحاولة تعطيل الحياة المدنية في المنطقة، شيرًا إلى أنها استهدفت أكثر من 145 موقعًا، “بما في ذلك محطات الكهرباء ومنشآت المياه والطاقة والمستشفيات والمدارس”.

ويأتي التصعيد التركي على خلفية هجوم، في 1 من تشرين الأول الحالي، نتج عنه انفجار تبعه إطلاق نار في منطقة كيزيلاي وسط العاصمة أنقرة، التي تضم عددًا من المباني الحكومية من بينها وزارة الداخلية والبرلمان، تبناه “العمال الكردستاني”، بحسب وكالة “ANF news” المقربة منه.

فرصة لاستراتيجية جديدة

اتسمت الاستراتيجية التركية بعد تعذر إجراء أي عمل بري منذ سنوات استهداف قيادات “قسد” و”PKK” في المنطقة عبر الطيران المسير أو الحربي في بعض الحالات، أو من خلال استهدافهم ضمن عمليات استخباراتية على الأرض.

الباحث في مركز “عمران” للدراسات، أسامة شيخ علي، قال ل، إن استهداف البنية التحتية والمنشآت المدنية، هو نهج جديد بالنسبة لتركيا، إذ بعد هجوم أنقرة لم تعد تكتفي باستهداف القيادات العسكرية والأمنية “للإدارة الذاتية”، وأن هذه الاستراتيجية كان يجري الحديث فيها ضمن أروقة السياسة التركية، فيما يعتقد أن هجوم أنقرة كان فرصة تركيا لتبدأ بهذه الاستراتيجية.

ويرى شيخ علي، أن الهدف الأساسي لهذه الاستراتيجية ليس فقط القضاء على قيادات “قسد” أو “PKK”، وإنما منع قيام أي كيان في المنطقة أو إدارة ذاتية أو إقليم فيدرالي تحت سيطرة “قسد” أو جماعات كردية لها علاقات مع “PKK”.

ومنذ عام 2019، وبسبب الجمود في الملف السوري، استطاعت “الإدارة الذاتية” بناء نوع من بنية أو هيكلية إدارية “متماسكة”، وهو ما يشكل “خطرًا” بالنسبة لتركيا، لأنه في حال استمرار هذه الحال لسنوات عدة أخرى، سيأخذ هذا الهيكل الإداري الذي أنشأته “قسد” “شرعية” في المستقبل، لذا تحاول تركيا استباق هذا الوضع باستهداف البنية التحتية لهذه “الإدارة”، وفق شيخ علي.

محلل السياسة الخارجية والأمن التركي، عمر أوزكيزيلجيك، شبّه ل، استراتيجية الضربات التركية ضد “PKK” و”YPG” في سوريا، باستراتيجية ضربات التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، قائلًا إن الجيش والمخابرات التركية تستهدف الموارد المالية لهذه التنظيمات، وتحاول تقليص بنيتها الاقتصادية في سوريا.

وأشار أوزكيزيلجيك إلى أن نحو 75% من موازنة “الإدارة الذاتية” تأتي من عائدات الطاقة.

شكّلت عائدات مبيع النفط النسبة العظمى من إيرادات “الإدارة الذاتية” عام 2022، بنسبة وصلت إلى 77.3%، بحسب ما أعلنه الرئيس المشترك لـ”هيئة المالية”، أحمد يوسف.

وقال يوسف في لقاء أجراه مع وكالة “نورث برس” المقربة من “الإدارة الذاتية”، إن إجمالي الإيرادات من العائدات النفطية وصل إلى نحو 604 ملايين دولار أمريكي، مشيرًا إلى أن النسبة المتبقية من الإيرادات جرى تحصيلها بالاعتماد على الجمارك والعائدات الضريبية وإيرادات أخرى.

آثار التصعيد التركي في منطقة المالكية شمال شرقي سوريا- 6 من تشرين الأول 2023 (هاوار)

ما مستقبل الهجمات التركية

قالت الخارجية التركية في بيان، إن القوات المسلحة التركية وجهاز المخابرات التركي بدأت في أعقاب هجوم أنقرة الذي جرى في 1 من تشرين الأول الحالي، بعملية شاملة ضد الأهداف والبنية التحتية “الإرهابية” لـ”PKK”، و”YPG”، في العراق وسوريا، في إطار الحقوق المشروعة في الدفاع عن النفس.

وجاء في البيان الصادر في 6 من تشرين الأول، أن جميع القدرات ومصادر الدخل التي طورها “التنظيم الإرهابي” في سوريا والعراق، ستستمر القوات التركية في القضاء عليها بشكل منهجي.

وطال القصف التركي أكثر من 40 موقعًا حيويًا في شمال شرقي سوريا، منها محطة كهرباء القامشلي، شمالي المدينة، ومحطة “السويدية” المولدة للكهرباء، ما تسبب بخروجها عن الخدمة، وحقول ومصافي نفطية.

توقع الباحث في مركز “عمران” للدراسات، أسامة شيخ علي، انتقال تركيا لاستهداف شخصيات مدنية على رأس هيئات “الإدارة الذاتية”، ضمن استراتيجيتها الجديدة.

ويرى شيخ علي، أن تركيا ستداوم على النهج الجديد من هجماتها، على اعتبار أن مسألة قيام كيان للتنظيم الإرهابي واستهداف قياداته هي مسألة أمن قومي، أو حصول اتفاق بين تركيا والولايات المتحدة لخروج عناصر “PKK” من سوريا، أو سماح الظروف الدولية لتركيا بشن عملية برية لتأمين حدودها الجنوبية، لكنه اشار بذات الوقت إلى احتمالية انخفاض كثافتها أو توقفها بضغوط أمريكية

ولا يعتقد شيخ علي أن يكون استهداف البنية التحتية تمهيد لهجوم بري تركي على شمالي سوريا، لعدم وجود قبول غربي أو روسي يتيح أي تغيير على الخارطة السورية، مستندًا إلى أن الفصائل السورية المدعومة من تركيا لم تتمكن خلال تحركاتها الموازية لهجوم عشائر عربية على مناطق سيطرة “قسد”، من اقتحام أطراف منبج بسبب وجود الطيران الروسي.

ولا يختلف محلل السياسة الخارجية والأمن، عمر أوزكيزيلجيك، مع الباحث السوري، إذ يرى أن الغارات الجوية الحالية للجيش التركي لا تظهر أي مؤشرات على وجود عملية برية، وأن المواقع المستهدفة لا تمهد الطريق من الناحية التكتيكية نحو عملية برية.

في الوقت ذاته، أشار أوزكيزيلجيك إلى أن تركيا كسرت الحظر الجوي لواشنطن وموسكو في سوريا، ودخلت الأجواء السورية بطائراتها المقاتلة، معتبرًا أن سيطرة روسيا والولايات المتحدة على المجال الجوي يعد عقبة مهمة أمام العملية البرية التي يمكن أن ينفذها “الجيش الوطني السوري” والقوات المسلحة التركية.

و توقع أوزكيزيلجيك استمرار الغارات الجوية التركية وضربات الطائرات بدون طيار على مواقع شمال شرقي سوريا، لكن مع انخفاض مستوى شدتها.

الباحث والصحفي التركي، ليفانت كمال، قال عبر موقع “إكس” (تويتر سابقًا)، إنه لا توجد إشارة أو تعبئة لعملية برية تركية في سوريا في الوقت الحالي، دون أن يستبعد خطوة من هذا النوع تمامًا.

ويرى كمال في تصريحات وزير الخارجية التركي بشأن استهداف مواقع “PKK”، و”YPG”، أنها إشارة لسلسلة من الضربات الجوية، معتبرًا أنها ستكون “فترة استنزاف” ممتدة بمرور الوقت، وليست عملية قصيرة مكثفة.

حادثة مشابهة

لا يغيب القصف التركي عن المنطقة منذ سنوات، لكن حدته ترتفع وتنخفض بناء على أحداث مرتبطة بالقوى الإقليمية في المنطقة، والداعمة للجهات العسكرية الثلاث (روسيا، أمريكا، تركيا).

في 13 من تشرين الثاني 2022، وقع تفجير في شارع الاستقلال ضمن منطقة تقسيم، في القسم الأوروبي من مدينة اسطنبول، أسفر عن ستة قتلى وأكثر من ثمانين إصابة.

وأعلن وزير الداخلية التركي حينها، سليمان صويلو، في اليوم التالي للتفجير، إلقاء القبض على المنفذة، التي اعترفت خلال التحقيق بانتمائها لـ”PKK”، و”YPG”.

هذه الحادثة تبعها تنفيذ أنقرة عملية عسكرية حملت اسم “المخلب- السيف”، وانطلقت في 20 من الشهر نفسه، مقتصرة على الضربات الجوية، مع التلويح بإمكانية توسيعها لتشمل عملًا بريًا في الأراضي السورية.


المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *