اخر الاخبار

مهاجرون من درعا يبحثون عمن يرعى آباءهم

درعا – سارة الأحمد

منذ وفاة والدته في مدينة درعا قبل أربع سنوات، يعيش الشاب مأمون الدهني في حالة قلق على والده المسن الذي يبلغ من العمر 70 عامًا، والذي يحتاج إلى رعاية واهتمام.

وقال مأمون الذي يقيم وشقيقه فراس في هولندا منذ ست سنوات، إن قلقهما زاد بشكل أكبر منذ إصابة والدهما بكسر في حوضه قبل ستة أشهر، مشيرًا إلى أنه بدأ بالبحث عبر مواقع التواصل وبعض المعارف والأقرباء عن شخص يرعى الأب مقابل راتب شهري.

منذ ازدياد هجرة الفئة الشابة من عموم سوريا ومن درعا بشكل خاص، بدأ مغتربون كثر يبحثون عمن يرعى ذويهم من كبار السن، بعد أن فرض الواقع الأمني والمعيشي والاقتصادي المتردي خيار السفر على الأبناء منذ سنوات.

البحث عن معيل

بعد بحث استمر نحو شهر، تمكن الشاب من التواصل مع شاب وزوجته ينحدران من ريف درعا الغربي، حيث يعمل الشاب على عربة لبيع الحلويات ضمن المدينة.

بداية الأمر لم يكن مأمون راغبًا بأن يكون المعيل شابًا متزوجًا، لكن حاجته الملحّة لمن يهتم بنظافة البيت وإعداد الطعام لوالده اضطرته للقبول.

وقال مأمون، إن الشاب وافق على الاعتناء بوالده مقابل راتب شهري يبلغ 500 ألف ليرة سورية، ولا علاقة للشاب بمصروف والده وطعامه وما يحتاج إليه، لتصل التكاليف مع راتب المعيل شهريًا إلى ثلاثة ملايين ليرة سورية.

ولا تختلف قصة ريم الأكراد، فهي فتاة هاجرت إلى دولة السويد مع أخيها خوفًا من مواجهة ذات المصير الذي واجهه شقيقها الآخر، الذي اعتقلته قوات النظام منذ ثماني سنوات، لتبقى والدتهما دون معيل.

قالت ريم، إن والدتها تحملت رعاية والدها حتى وفاته قبل خمس سنوات، لكن منذ عام ازدادت أمراضها، ولم تعد باستطاعتها تلبية احتياجاتها المنزلية من تحضير الطعام وتنفيذ أعمال التنظيف ورعاية نفسها.

وأوضحت الشابة ل أنها لم تجد خيارًا سوى البحث عن فتاة ترعى والدتها، وتبقى إلى جانبها مقابل راتب شهري.

وذكرت ريم أن الحظ حالفها، ووجدت سيدة أرملة (35 عامًا وليس لديها أطفال)، واتفقت معها على أن تقيم مع والدة ريم بالمنزل مقابل مبلغ 800 ألف ليرة سورية (نحو 55 دولارًا أمريكيًا).

وسجل سعر مبيع الدولار الأمريكي الواحد أمام الليرة السورية 14650 ليرة، وفق موقع “الليرة اليوم” المختص بأسعار صرف العملات، ويبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية في سوريا نحو 279 ألف ليرة (19.3 دولار).

تجنبًا لدور المسنين

تتوزع دور رعاية المسنين في مناطق سيطرة النظام السوري، ويبلغ عددها 20 دار رعاية خاصة مرخصة، وتوجد اثنتان حكوميتان هما دار “الكرامة” بدمشق ودار “مبرة الأوقاف” في حلب، وتدار بالتعاون مع المجتمع الأهلي، وتعتمد بشكل أساسي على التبرعات.

وارتفعت تكاليف إقامة كبار السن في هذه الدور إلى نحو 18 مليون ليرة في السنة لكل مقيم، دون أن تشمل الأدوية وتكاليف العمليات الجراحية.

أحمد البرماوي، وهو شاب من درعا، سافر إلى ألمانيا منذ عام 2015، بعد خروجه من سجون النظام، قال إن والده ووالدته يعيشان دون معيل، ومع مرور السنوات، بدأت حالتهما الصحية تسوء.

الشاب وحيد ولديه شقيقة، هي أيضًا سافرت إلى أمريكا مع زوجها منذ عام 2013، ما جعل والديهما وحيدين، حيث يسكنان في مدينة درعا دون معيل.

وأضاف أحمد ل، أن والده أُصيب بمرض ألزهايمر منذ نحو عام ونصف، ولم يعد قادرًا على تلبية احتياجات المنزل وشراء مستلزماته.

لم يقبل أحمد ما اقترحه عليه أصدقاؤه في المغترب، بوضع والديه ضمن دار للمسنين في العاصمة دمشق لرعايتهما، مقابل مبلغ مليون ونصف المليون ليرة شهريًا، لعدم توفر مراكز رعاية بالمسنين في درعا.

وذكر أحمد أنه لا يمكنه قبول هذه الفكرة في مجتمعه المحلي، أو الوثوق برعاية الدار لوالديه، وهو ما دفعه للبحث عن سيدة لتعيلهما في فترة النهار فقط وتلبية متطلباتهما واحتياجاتهما.

وبعد بحث وسؤال، اتفق الشاب مع امرأة قال إنها محل ثقة، وهي مطلقة (30 عامًا) مقابل 450 ألف ليرة شهريًا.

يواجهون صعوبات

تشهد سوريا ارتفاعًا متزايدًا في أعداد كبار السن، وقُدّرت نسبتهم بنحو 7.2% من عدد السكان لعام 2015، وهو ما يعادل 1.7 مليون شخص، وفق تقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا).

وتوقعت “إسكوا” وصول النسبة إلى 13% عام 2050، أي ما يعادل 5.7 مليون نسمة.

أدهم سمارة من سكان مدينة درعا، وهو أحد المتطوعين في دائرة العلاقات المسكونية والتنمية التابعة لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، قال ل، إن ازدياد أعداد المسنين بات ملحوظًا بكثرة، مع غياب المعيل لهم، لافتًا إلى دخول عديد منهم بحالة نفسية تحتاج إلى مرشدين نفسيين ومتابعة مستمرة.

وأضاف أنه يشاهد عديدًا من القصص المؤلمة لكبار السن، بالرغم من وجود معيل مؤقت بديل عن الأبناء، لكن ذلك لا يعوض الوالدين عن وجود أبنائهم.

واستذكر أدهم جملة من أحد المسنين في مدينة ازرع، لا تزال عالقة في ذاكرته، “يا ريت ظل حدا من ولادي، مين بدو يدفني بس موت، الله يسرلهم، احنا خلص راحت علينا، المهم يكونوا بخير”.

وأوضح أدهم أن الرجل لم يكن يقصد بقاء أحد أبنائه لدفنه فقط، بل هذا بعض ما يردده كبار السن في رثاء أنفسهم بعد غياب أبنائهم.

ولفت إلى أن دائرة العلاقات تنفذ نشاطات للمسنين بمناطق متعددة من درعا، في 1 من تشرين الأول من كل عام، بمناسبة اليوم العالمي للمسنين.

ويعاني كبار السن في سوريا صعوبات اقتصادية واجتماعية وصحية، في وقت يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، و12.9 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *