اخبار تركيا

“حماس ليست إرهابية” .. هل تغير الموقف التركي من الحرب على غزة؟

سعيد الحاج الجزيرة

بعد موقف أقرب للحياد في بدايات معركة “طوفان الأقصى” عرّضها لبعض الانتقادات، صدَرت عن تركيا في الأيام القليلة الماضية تصريحات مختلفة وذات سقف مرتفع لا سيما على لسان الرئيس أردوغان، ما يوحي بتغير ما في موقف أنقرة من المعركة وعلى وجه التحديد من دولة الاحتلال.

الحياد

مع الساعات والأيام الأولى لمعركة “طوفان الأقصى” التي بدأتها كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، صدرت عن المسؤولين الأتراك مواقف مفاجئة إذ كانت مختلفة عن مواقفها في المواجهات السابقة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية.

ركزت التصريحات التي صدرت عن الرئيس أردوغان ووزير الخارجية خاقان فيدان والناطق باسم الحزب الحاكم عمر جليك وغيرهم من المسؤولين على شجب “استهداف المدنيين” والمطالبة بـ “إطلاق سراح الرهائن فوراً وبدون شروط” مع ما لمصطلح “الرهائن” من دلالات مختلفة عن “الأسرى”. في هذه التصريحات، دعا المسؤولون الأتراك “جميع الأطراف” للهدوء والحكمة والعودة للحوار والمسار السياسي مع التركيز على ضرورة تحقيق فكرة حل الدولتين كمخرج وحيد للمواجهة الحالية، ما عده البعض مساواة ضمنية بين الجانبين.

تزامن ذلك مع غياب أي خبر عن لقاءات تمت بين القيادة التركية وقيادات من حركة حماس خلال الأيام الأولى. ورغم أن كلا الطرفيين نفيا صحة تقارير “إسرائيلية” ادعت أن أنقرة طلبت من قيادات الحركة الفلسطينية مغادرة أراضيها، إلا أن الأخيرِين ظهروا في لقاءات إعلامية من العاصمة القطرية وليس إسطنبول.

ولأيام طويلة، تكرر على ألسنة السياسيين وفي وسائل الإعلام التركية مديح لـ “وقوف تركيا على الحياد” وعدم دعمها لأي من الطرفين واستعدادها للعب دور الوسيط للتوصل لاتفاق سلام. كما أن تركيا، شأنها شأن الدول العربية والمسلمة التي لها علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”، لم تسحب سفيرها هناك للتشاور ولا سفير الاحتلال للاحتجاج، فسبق قرار وزارة الخارجية “الإسرائيلية” بسحب سفرائها في هذه الدول تحسباً لردات الفعل الشعبية بعد قصف المستشفى الأهلي في غزة.

هذا الاختلاف الكبير في موقف تركيا عنه في مواجهات وعدوانات سابقة على غزة يمكن رده لثلاثة أسباب رئيسة؛ استمرار أنقرة في مسار التقارب مع دول المنطقة وعدم رغبتها في تصدير موقف متقدم عليها بحيث يعود عليها كما حصل سابقاً بالسلب وبالتالي مراعاتها أن يكون موقفها متناغماً مع الدول العربية المؤثرة، وحرصها على استمرار العلاقات مع “إسرائيل” رغبة في التعاون في ملف الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، وتجنبها لأي توترات كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة التي يمكن أن تنهي صفقة مقاتلات إف16 وتنعكس على ملفات أخرى.

تغيرالخطاب

تعرض هذا الموقف التركي لبعض الانتقادات، من باب أن فيه تراجعاً عن مواقف تركيا نفسها في محطات أقل حدة ودموية من قبل الاحتلال، وكذلك عدم تناسبها مع حجم المأساة في قطاع غزة وجرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال، فضلاً عن عدم تناغمها مع نبض الشارع التركي الذي انتفض دعماً لغزة وفلسطين ولا سيما بعد مجزرة المستشفى الأهلي.

مع الأيام، حدثت متغيرات مهمة زادت من حرج الموقف التركي الرسمي، مثل تكشف مستوى الكذب والتزوير في مجريات يوم السابع من أكتوبر وحصيلته، وإيغال حكومة الحرب “الإسرائيلية” في دماء سكان غزة وكل مقومات الحياة فيها، وعدم اكتراثها بأي انتقادات أو مناشدات إقليمية ودولية تتعلق باستهداف المدنيين والبنى التحتية، والدعم الأمريكي المفتوح بما في ذلك إرسال حاملات الطائرات للمتوسط وهو ما أقلق أنقرة وأزعجها، ومستوى الرفض الشعبي في تركيا للممارسات “الإسرائيلية”، وتنظيم عدة أحزاب سياسية معارضة مهرجانات جماهيرية حاشدة داعمة للشعب الفلسطيني ومقاومته بسقف خطاب أعلى بكثير من سقف الحكومة.

بالتزامن مع هذه المتغيرات وتأثراً بها فيما يبدو، ارتفعت نبرة التصريحات الرسمية التركية في الأيام القليلة الأخيرة. ففي كلمة له أمام كتلة حزبه البرلمانية يوم الرابع والعشرين من الشهر الجاري قال أردوغان إن بلاده لا تعد حماس منظمة إرهابية وإنما “حركة تحرر وطني ومجاهدين تناضل لحماية مواطنيها وأرضها”، مؤكداً على أن تركيا لا يسعها الصمت إزاء ما يحصل وأنها ستفعل كل ما بوسعها سياسياً وإنسانياً وعسكرياً إن اقتضى الأمر فيما بدا إحالةً على فكرة الدول الضامنة التي تطرحها أنقرة مؤخراً.

كما نظم حزب العدالة والتنمية الحاكم يوم السبت الفائت مظاهرة حاشدة في إسطنبول دعماً للفلسطينيين ورفضاً لجرائم الاحتلال، وقد حفلت كلمة أردوغان خلالها بانتقادات حادة لـ “إسرائيل” مثل وصفها بأنها “دولة إرهاب” والتهديد بإعلانها “مجرمة حرب أمام العالم”. ردة الفعل على خطاب أردوغان أتت من وزير الخارجية “الإسرائيلي” الذي أعلن عن سحب الطاقم الدبلوماسي من تركيا لإعادة النظر في العلاقات بين الجانبين على حد تعبيره.

عملياً؟

إضافة لما سبق من مفردات الخطاب، أعلن الرئيس التركي أنه ألغى زيارة مفترضة له لـ “إسرائيل”، وكانت وسائل إعلام تركية قالت سابقاً إن أنقرة أوقفت محادثات التعاون بشأن ملف الغاز. وبالتالي، يمكن القول إن المتغير في موقف تركيا حتى اللحظة محصور إلى حد كبير بالخطاب ومفرداته ونبرته، ولم يتجاوز ذلك للمساحات العملية. فزيارة أردوغان كان يفترض بها أن تكون بعد زيارة نتنياهو لأنقرة، وهما غير متوقعتين في ظل الحرب الحالية، كما أن إلغاء أو تجميد المحادثات بشأن الغاز مرحلياً تحصيل حاصل، ما يقلل كثيراً من أثره كوسيلة ضغط أو حتى إشارة احتجاج.

ولذلك، يمكن القول إن المهرجان الشعبي الحاشد الذي دعا له حزب العدالة والتنمية وتحدث فيه أردوغان، ورغم أهميته الرمزية ولغته الداعمة، كان موجهاً للداخل أكثر من الخارج ويمكن الافتراض أنه مدفوع بشكل أساسي بالحرج من موقف الشعب وشرائح من النخب فضلاً عن بعض أحزاب المعارضة حيث بدت جميعها متقدمة على الموقف الرسمي للدولة والحكومة والحزب الحاكم، وهو أمر له حساسيته مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية في البلاد. في الأصل، فإن دعوة رئيس دولة أو حزب حاكم لمهرجان خطابي بدت مستهجنة نوعاً ما وإشارة ضمنية على عدم توقع خطوات عملية كبيرة، فضلاً عن أنها أتت متأخرة جداً وتحديداً بعد ثلاثة أسابيع كاملة من بدء العدوان على قطاع غزة.

هذه التطورات الة بالخطاب، ترافق معها لقاء لوزير الخارجية مع قيادات حركة حماس في الدوحة واتصال هاتفي بين أردوغان ورئيس الأخيرة إسماعيل هنية شمل التصريح التركي عنهما التأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار وإطلاق مسار سياسي وكذلك “إطلاق سراح الرهائن”.

بينما، وبالنظر لما تملكه تركيا من إمكانات وأدوات وبالعودة لمواقفها السابقة، ثمة طموح بأن يكون لها مواقف عملية أكثر وضوحاً وقدرة على التأثير، مثل خطوات ة بالعلاقات الثنائية كسحب السفير من تل أبيب للتشاور أو لمدة أطول، ومنها ما يمكن أن يشكل ضغطاً مثل التعاون الاقتصادي وخصوصاً ملف الطاقة، ومنها ما يلي الدور التركي مع أطراف ثالثة مثل منظمة التعاون الإسلامي وعدد من الدول الأخرى سعياً لقرارات عملية ومواقف حقيقية يمكن أن تساهم في ردع الاحتلال عن جرائمه، فضلاً عن الضغط باتجاه تأمين إدخال المساعدات لقطاع غزة بالوتيرة والكميات المطلوبة، وإشارات إيجابية ممكنة على مستوى العلاقات مع فصائل المقاومة الفلسطينية وفي المقدمة منها حركة حماس.

في الخلاصة، ثمة تطور ملحوظ في خطاب أنقرة الرسمي بخصوص العدوان على قطاع غزة، وتحديداً التأكيد على فكرة أن حماس ليست منظمة إرهابية في مصادمة للموقف الموحد لدولة الاحتلال وداعميه الغربيين، وكذلك حدة الانتقادات الموجهة لـ “إسرائيل” بمفردات تذكر بمواقف تركيا وخطابات أردوغان قبل سنوات. بينما، وعلى المستوى العملي، ما زال الموقف التركي بعيداً جداً عن التوقعات والطموح حتى بمنظور السياسية الواقعية والخطوات الممكنة دبلوماسياً وسياسياً، وهو ما يمكن لأنقرة أن تفعله والأفضل أن تسعى له دون إبطاء قبل أن تداهمها التطورات الميدانية في غزة والإقليم والسياسية في المنطقة والعالم.

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *