اخر الاخبار

حفل تأبين للقاضي سامي منصور في بيت المحامي خوري: القضاء معك كان وسيبقى الضمانة والحصن المنيع |

أقامت نقابة المحامين في بيروت وآل منصور حفل تأبين الراحل القاضي الدكتور سامي بديع منصور، في “بيت المحامي” قاعة المؤتمرات الكبرى.

وتخلل الحفل كلمات لوزيري العدل والتربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال القاضي هنري خوري والدكتور عباس الحلبي، الوزير السابق عدنان منصور، نقيب المحامين في بيروت ناضر كسبار، عميد كلية الحقوق في الجامعة العربية الدكتور محمد حسن قاسم، البروفسور فايز الحاج شاهين والمحامي بديع سامي منصور عن العائلة، وذلك في بيت المحامي قاعة المؤتمرات الكبرى.

كسبار

النشيد الوطني افتتاحا، فنشيد نقابة المحامين، ثم قال كسبار: “ها أنت أيها الرئيس الحبيب، تعيد إلى البرج، ما هو منه وإليه. وتتصفى حبا ووفاء وإخلاصا. فإذا أنت تعبر هانئا، متخليا عما هو مادي فيك، زائل، لتقيم في عالم البقاء، نقيا بين الأنقياء، محلقا بين الرؤيويين الأولياء.

ليس هذا موتا أيها الرئيس الحبيب، إن هو إلا إتمام دور، عبور من زوال إلى بقاء. فأنت أنهيت دورا أتيت من أجله، وحققت غاية تجسدت من أجلها”.

اضاف: “آمن الرئيس سامي منصور برسالة القضاة السامية، وأعطاها من طموحه، وعلمه، ورصانته، وإستقامته وانكبابه على الدرس والتمحيص. كما كان مناقبيا إلى أقصى الحدود، محافظا على المبادئ المعروفة وأهمها موجب التحفظ الذي بتنا نفتقده هذه الأيام. أنيق، حلو المعشر، صادق، محب، متصالح مع نفسه متسامح مع الآخرين. معه يأخذك سحر البيان وغزارة المعرفة وعمق الثقافة ودماثة الأخلاق”.

وتابع: “خزائن من العلم والثقافة والفقه والإجتهاد رحلت معه. أحكامه وقراراته مزينة بالآراء الفقهية والإجتهادات في لبنان وفرنسا.. إلا أن روح العدالة لم تغب عنها. فهو كان مؤمنا، كما كان يقول الرئيس الأول القاضي يوسف جبران، بأن القاضي يحلل ويفتش ويدرس كل ملف على أنه مختلف عن الآخر، وإلا لاستعنا بالكومبيوتر لكتابة الأحكام والقرارات بعد أن نلقمه الوقائع”.

وقال: “القاضي الرئيس سامي منصور، كان رجلا متزنا، يعرف حدوده، وهو الذي رفض منصب وزير الخارجية لأنه منسجم مع نفسه ومع قناعاته. وهو مات حزينا. ففي هذا الزمن الرديء قتلوا كل شيء واستباحوا كل شيء وأصبح القانون إستثناء”.

اضاف: “برحيله أنطوى زمن جميل، وضم البرج، أرض التعايش والمحبة والتسامح، فلذة كبده البار، وسط دموع وحسرة الأهل والمحبين والأصدقاء”.

وختم: “في القلب وفي البال أيها الرئيس العزيز، ألا فاعبر بسلام فإنك الآن حيث يليق بالأخيار الأنقياء الأصفياء”.

خوري

بدوره، قال وزير العدل: “تجمعنا اليوم ذكرى يفوح منها عبق النضال والكفاح والعطاء المثمر، والضمير الحي، والتفاني اللامتناهي للرسالة ولقسمها، أنت الغائب الحاضر، غبت جسدا، وحضرت فكرا، وعلما، وأدبا، وأستاذا، ومحاضرا، ومشرفا وقاضيا. هذه الخصال والصفات لا شك أنها إن تجسدت في رجل منصور”.

اضاف: “خضت غمار القانون فكانت لك مؤلفات ما زالت تدرس في الجامعات والمعاهد. دخلت معترك القضاء، فنطقت أحكاما ملؤها العدل والإنصاف، وأطلعت إجتهادات ما زالت هدى في مسار الحق والعدالة. كيف ننساك، وبصماتك في ميادين عدة، من المدخل إلى علم القانون، إلى القانون المدني، مرورا بالقانون الدولي العام والخاص وصولا إلى عدالة الله على الأرض. وهي مهنة رسولية ارتضيتها عن قناعة وشغف وعطاء لا ينضب، مارست موجباتك بكل تحفظ وتواضع ونزاهة واستقامة الموقف وحياد. عايشتك في قصور عدل يتسابق فيها أهل العلم والقانون على وضع علامات فارقة ومتقدمة في احتفاليات لا تزال حاضرة في أذهاننا، فكنت من بين العلامات الفارقة المتقدمة”.

وتابع: “أيها الراحل الكبير، العلم والعدل مترادفان لا يعرفان النهاية. وأنت في عليائك فيها حتى النهاية، وذكراك ستبقى حية في العقول والنفوس والقلوب، كيف لا، ومن ورثها بديع في المحافظة عليها وصونها وحفظ الأمانة. عهدنا أن نحافظ على إرثك، ونكرس ثقافة القانون ونصرة المظلوم وإحقاق الحق. فالقضاء معك كان، وسيبقى، الضمانة والحصن المنيع والمدماك الأول والأساس في صون الحقوق، وكرامة الإنسان من أي تعد أو افتئات”.

وختم: “اختصرت كلامي وتجنبت كل ما هو منمق ومصطنع، ونطقت بواقع كان فيه الراحل الكبير بالنسبة للقضاء مدرسة ومنارة”.

منصور

من جهته، قال منصور: “هي اليوم غصة في الحلق وألم وحنين، وأنا أشارككم تأبين قريب وصديق وأخ غال ترافقنا في طفولتنا وصبانا وشبابنا وكبرنا معا، واختزنا الذكريات الجميلة، هو الانسان الذي ترعرع ونشأ في بيت مفعم بقيم الاخلاق والاستقامة،

والكرامة وعزة النفس متمسكا بها بكل أنفة وكبرياء. هو سامي منصور الشاب المسكون قلبه بحقوق الانسان والعدالة والحرية، الماقت للظلم والظالمين. ليس صدفة إذن، أن يقوم سامي منصور بالالتحاق بكلية الحقوق ويتابع دراسته فيها ويكون من المتفوقين لحين نيله شهادة الدكتوراه، ومن ثم التحاقه بالسلك القضائي الذي عشقه، وأحبه واخلص له”.

اضاف: “هو القاضي النزيه المتميز بفكره وأدائه، وصاحب الضمير الحي، والحس الوطني والانساني،وهو المجتهد في أحكامه التي اغنت العدالة، وعززت قيمتها. كان القاضي الدكتور سامي منصور يتطلع دوما الى دولة القانون، والالتزام به مقتنعا ومدركا لأهمية تطبيقه بشفافية كاملة نصا وروحا، بعيدا عن الضغوط، والمحسوبيات، وتدخلات أصحاب النفوذ. ولطالما عبر الراحل الكبير اثناء جلساتنا الأخوية بصدق وعفوية عن قلقه وخوفه على ما آلت اليه العدالة في لبنان، وعلى مصير وطن وشعب، جراء تنامي وتمادي سطوة اليد السياسية على القضاء، وتعمد مسؤولين وسياسيين، ونافذين، وحيتان مال، التدخل في كل صغيرة وكبيرة في شؤونه، وهم يعبثون بالدستور، والقانون، وفصل السلطات، ويسيئون للعدالة وقيمها”.

وتابع: “كان القاضي الشريف سامي منصور يعبر في لقاءاتنا عن خشيته من أن يأتي يوم يصبح البلد في مكان وقضاؤه وعدالته في مكان آخر، ويعبر عن ألمه وهو يرى مؤسسات الدولة تنهار وتتحلل أمام عينيه، في ظل تجاوز القانون وغياب المساءلة والملاحقة،

والمحاكمة، واشتداد تفاقم الخلافات والتجاذبات داخل السلطة القضائية، والتراشق بالاتهامات المتبادلة، والتقصير، واصدار الاحكام المتناقضة في قضايا حساسة تطال الوطن والمواطن بالصميم”.

وقال: “العدالة عندما تنحرف في وطن عن مسارها المستقيم، تتحلل فيه المقومات الأخلاقية والروحية والمادية. حبذا لو نأخذ بسلوك الدول المتحضرة التي تحترم دستورها وقوانينها وتحترم شعبها، وتصون عدالتها. في بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية، أصدر قاض في شمال إنكلترا قرارا بوقف الطلعات العسكرية الجوية اثناء دوام المحكمة، نظرا للضجيج الذي كانت تحدثه تدريبات الطيران الحربي في قاعدة عسكرية قريبة من المحكمة. ما كان على ٱمر القاعدة الذي فوجئ بقرار القاضي، إلا أن يرفعه لونستون تشرشل للبت به. وعند قراءته للقرار، قال تشرشل: فلتقفل القاعدة، أهون على بريطانيا أن تخسر الحرب على ان يقال ان ليس فيها قانون”.

اضاف: “أيها الراحل الكبير، هذا هو القانون الشفاف الذي أردته للبنان، وانت تتقلد مناصبك العليا بجدارة، وكفاءة، ونزاهة مشهود لها، واخلاق عالية رفيعة، وضمير حي قل مثيله. ثق يا صديق العمر، أيها الشريف النظيف القلب والكف والضمير، أن ذكراك العطرة ستظل تفوح في قلوب محبيك، وفي فؤاد كل من عرفك وتعرف عليك. وسيظل طلاب القانون ورجاله ينهلون من الكتب القيمة التي تركتها، والتي تشكل مرجعا وثروة قانونية كبيرة تغني المكتبة الحقوقية والفكر بالكثير الكثير”.

وتابع: “سلام عليك ايها القريب الغالي، والأخ والصديق والحبيب، فبنزاهتك ونزاهة امثالك في القضاء، نستطيع أن نقول: لا خوف على لبنان، ولا خوف على قضائه. ارقد بسلام فلك منا الف تحية ووفاء كبير، وذكريات ستبقى معنا ما بقينا”.

وقال: “القاضي الرئيس سامي منصور في الذكرى الأولى الراحل المدثر بالشمائل العليا، على إيقاع الغياب، ومقام الأسى، وفيما القضاء في حومة المعاناة، والدولة وسلطاتها وسلاطينها ومرافقها وأركانها يتأرجحون ما بين مستنكف ومستخف ومعتقل ومتهافت، تطل الذكرى الأولى لغياب الحبيب سامي، الزميل والرفيق والأخ والنجي والشريك في حمل الأعباء ورد الغزوات على القضاء، تطل ذكراه ومعها أطيابها ومناقبها ومآثرها وأماثيلها، ومعها صورة لن ينساها الأصيحاب والعارفون بأسباب الصعود وأسرار التألق”.

اضاف: “صورة تنعكس مراياها في حقول وحقول: فهنا التزام قضائي لا يزعزعه التلويح بعليا الأرائك والمواقع، وهناك أحكام طافحة بالعدل ومسورة بالمناعة والقناعة والنقاء، وهنالك ثمرات قلم وكنوز فقهية ثرة يواكبها حضور في أرقى المنابر الجامعية والقانونية والفكرية، وإلى هذه جميعا شغف بالحرية لا يعلوه شغف، وعناد ورفض وصد لجمحات الهوى وشباك الإطراء والإغراء، ولحمة هذه وسداها نفس راضية وادعة متواضعة اغتنت لا بالبهارج بل بفضائل الداخل، لا تتجبر حتى لا تتفطر، ولا تتغاوى حتى لا تتهاوى، إنها صورتك أنت، أيها الراحل المدثر بالشمائل العليا، الرئيس الدكتور سامي منصور”.

غانم

وقال غانم: “قد يقال إن ثمة وجدانا يسري في مفاصل هذه الكلمات، ومنابض قلب تنافس مقاييس العقل، وهذا ما لا أنكره. ذلك أن الرفقة العزيزة دامت خمسة عقود بالتمام، منذ العام 1972 أوان اللقاء في مباريات الدخول إلى معهد القضاء، مرورا بالامتحان الأقسى والأكبر وهو أن تمارس المهنة الرسولية في بلد ما تزال ظروفه استثنائية ومحفوفة بألف شرك وشرك، وصولا إلى مرحلة التقاعد التي ملأناها كدا وعملا لأننا منذورون للنضال العلمي، ولأنه لولا انغماسنا بالعمل الحر لتعرضت كرامتنا للامتهان بعد أن تركنا القضاء وما في جعبتنا، وقل في جيوبنا، غير أصفار بأصفار، في بلد الأرقام السريالية الجنونية حيث تقاس القيم “بالشطارة” لا بالجدارة، وبالحرام لا بالكفاف والحلال والنصاعة والزنابق البيض والأكف الطاهرة”.

اضاف: “خلال هذه السنوات الخمسين، وعلى امتداد الرفقة والرحلة، كان العزيز سامي، منذ أيام القضاء الأبكار في المعهد، إذا تحدث يشعل جدلا رفيع المستوى، وإذا اعتزل يعود بجنى بحثي يجانب القشور والسطوح، وإذا تبارى يجلي، وإذا حاور يسلس ويمد جسورا ويفتح آفاقا. لا فجاجة في طبعه ولا استعلاء، ولا غيوم داكنة بل فضاء صاف وأنسام حوار تنعش وتعرف كيف تتلقى وتتلاقى، وتتلاقح وتتسامح”.

وتابع: “تتوالى المواقع القضائية والمسؤوليات، ويتابع السهم صعوده علوا وعمقا، أجل: علوا وعمقا، إذ كل صعود في العلو وفي الاكتفاء برخاء المركز ومخمليته وجاذبيته ومظاهره الخداعة ينقلب هبوطا إلى دركات سفلى إلم تحمه أعماق ولم يحمه تتبع للجوهر وحفر في رخامته. هذا إن شئت أن تكون قاضيا بكامل اللقب ودلالاته وأحماله وموازينه. من تلك الأرومة، كان زميلنا سامي منصور. سهم إلى العلى وعين على العمق. تحليق لا يلهيه تصفيق. صعود بالجدارة كل الجدارة، واستنباط للحق حتى ولو كان وراء الأسترة وفي كهوف المسائل”.

وقال: “تجمعني به، غير مرة، أرقى المسؤوليات وأدقها في مجلس القضاء الأعلى، والهيئة العامة لمحكمة التمييز، والمجلس العدلي، وإدارة معهد الدروس القضائية. في هذه المضامير، على أمثاله يراهن ويستند، وبأمثاله تتوطد الثقة، وتتمنع الأنفس، وتتوجه معركة استقلال القضاء إلى الأصواب الصحيحة، ويشيع الإنصاف، وتطلق المبادرات، وتستحيل الأمنيات وقائع وحقائق. هاهم يظنون أنهم روضوا روح المقاومة والتطلع الأبي العالي لدى أبناء المهنة الرسولية هذه، يا عزيزنا سامي. فليعضد قبس من ذكراك وحشاشة من روحك الصامدين الذين لن يستسلموا مهما ضاق الخناق وعم النفاق”.

اضاف: “كنت، مثلي، بالغ الحزن على ما يجري، وعلى المعتدين والمعتدين والطماعين الذين لا يرون في القضاء إلا امتدادا لسطوة، وتأمينا لمنفعة، وفرعا من سلطة. فليكن حزنك، وقهرك، كما قبس ذكراك، نذيرا لهؤلاء وبشيرا لغد القضاء. رجوتك ألا تهادنهم حتى بعد رحيلك”.

وتابع: “يا صديقي سامي. كنا، يوم يأخذنا الكلام إلى استذكار الجذور، والأرض الحبيبة، وأريافنا وضفافنا ومنها بسكنتا وبرج البراجنة، وأهلنا أبناء لبنان الطيبين، نلتقي على موائد السلام، ونشعر بأننا شركاء في كل ذريرة من ذريرات تراباتنا، وكل حبيبة من حبيبات الندى في مرتفعاتنا والمنبسطات. وعندما حفونا بك يوم بلغت حقك في التقاعد من مشقة القضاء، أعطيت لكلمتي هذا العنوان المعبر: “الرئيس سامي منصور يوم تكريمه: من جبهة صنين إلى برج البراجنة”. ولعله رمز من رموز التلاقي الوطني الصادق الذي كنت من دعاته سليل كرام شاركوا في بناء العمارة اللبنانية الواحدة المتلونة المقاصير والشرفات، سواء أكانت جباها أم أبراجا أم أريافا أم ضفافا، أم معاقل إنسانية حرة كم رجونا أن تتجاور وتتحاور، وأن تتكامل وتتآخى”.

وختم: “وبعد، فإن في القلب والعقل مودات لك وحولك، لا يتسع لها مقام منضبط وأوان خاطف… غير أني أختم بهذه الثلاثية، وفيها أقول: لقد عرفتك، في البدايات، زميلا فانتهيت إلفا وخدينا. وعرفتك قاضيا فانتهيت علما وبيرقا من بيارق القضاء. وعرفتك واسع العلم، فانتهيت عالما، ومعلما، في زمن كثر فيه المتعلمون، وقل المعلمون”.

الحلبي

أما وزير التربية فقال: “يعز علي أن أقف في نقابة المحامين لرثاء زميل وصديق ورفيق غيبه الموت وهو في عز حياته وعطائه، وهو الذي شهدت هذه القاعات والاقواس حضوره ورددت صوته فازداد روادها من علمه حول موضوع بحثه اوكتاب اصدره”.

اضاف: “أقف على بعد أمتار من ذلك المكتب الصغير الكائن في الطابق الأول من مبنى وزارة العدل المطلة نافذته على مرآب أوتوبيسات النقل المشترك التي كانت تنقل الركاب ليل نهار وفي وقت منتظم كمثل حال البلدان المتحضرة والعواصم المنظمة. يومها لا حرب ولا صراع مسلح ولا نزاع ولا فراق إذ كان لبنان سنة 1973 بلد البخور والعسل ولم ينزلق بعد إلى الحروب والنزاعات المسلحة”.

اضاف: “وإذ صدر المرسوم رقم 3995 تاريخ 2/3/1973 متصدرا أسماء قضاة ألحقوا في معهد الدروس القضائية وسطع نجم العديد منهم لاحقا في سماء قصور العدل يوم كانت فيها رهبة الجالسين على أقواس المحاكم تفرض على الداخلين سلوكا منضبطا حتى ليكاد لا يسمع صوت مرتفع إلا المناداة على أبواب قاعات الحكم إيذانا بانعقاد الجلسات. ثلاثون قاضيا عينوا دفعة واحدة من بينهم خمس قاضيات ما شكل سابقة في تاريخ تعيين القضاة قبل أن يجتاح العنصر النسوي قصور العدل بما أوجد توازنا جندريا يحاكي أرقى البلدان”.

وتابع: “وإذ من الطبيعي أن تنفرز المجموعة الكبرى إلى مجموعات أصغر يختار أعضاؤها بعضهم بعضا بحسب الاطباع والإحساس والمشاعر، كان سامي منصور وآخرون وانا معهم ممن كانوا عابرين للمجموعات التي اختار في كل منها زميله بحسب العشرة وعمق الصداقة وحلاوة الزمالة ولم يفك رباطها إلا الموت”.

وقال: “سامي منصور لم يكن قاضيا عاديا وكيف له أن يكون عاديا وقد تربى وتعلم وتدرج قريبا من احد الكبار الذين طبعوا قصر العدل بطابعهم هو الرئيس المرحوم عاطف النقيب، ذلك العالم الكبير والقانوني الضليع والمرجع العليم. إكتسب منه أخلاقية العمل القضائي فزادت على زاده البيتي تراكما في النبل والأصالة والكبر. وأهم ما إكتسبه في رفقة الرئيس هو كيفية معالجة الملف المعروض امامه تمحيصا وتدقيقا وتعمقا، ساعيا لتحديد النقاط القانونية التي يبدأ بعرضها واحدة بعد واحدة، وبالغوص فيها واحدة بعد أخرى معالجا كل واحدة بالعلم ومستندا إلى الفقه ومستعرضا الإجتهاد ليخلص إلى النتيجة وتسطير الفقرة الحكمية التي تحقق العدالة وتنصف المتقاضين وتعطي لكل صاحب حق حقه والأهم يغدو القرار القضائي محاضرة تدرس في كليات الحقوق وفي أرقى الجامعات وتصبح مرجعا يعود إليه اهل القضاء والقانون لاسناد حججهم واقناع المتقاضي بصحة المآل وقوة المقال”.

اضاف: “في كل المراكز القضائية التي تبوأها ترك بصمة وخلف أثرا. وتلك الموسوعات القانونية التي كتبها والنقاط التي أثارها وعالجها شكلت فقها بذاتها بما جعله عالما علامة وهو في مصافهم من الكبار كما تشهد له قاعات التدريس في كليات الحقوق وفي العديد من المؤلفات الموضوعة بتصرف أهل الاختصاص وعلى طاولات الحكم ورفوف المكتبات”.

وتابع: “لن أستفيض أكثر في الحديث عنه بهذا الجانب المهني ولكني أترك لنفسي حيزا شخصيا خاصا، إذ جمعتنا الظروف في العشرة والتعامل دون إنقطاع وان باعدت الايام احيانا بيننا”.

وقال: “سامي منصور إبن برج البراجنة المعتد بانتمائه إلى أهله الاصليين وأنا إبن الجبل، هو من ساحل المتن الجنوبي وأنا من أعلاه يطيب له دوما زيارتي في بلدتي الجبلية رأس المتن الشامخة على رأس الجبل بصنوبراتها العتيقة التي كثيرا ما أخذ بها افتتن بجمالها وأحبها. في سلوكه الشخصي كان راقيا مهذبا مؤدبا لطيف المعشر خفيف الظل وإن لم تخل بعض تعليقاته أحيانا من منسوب عال من التهكم والمزاح. لكنه لم يخرج مرة عن إطار اللياقة المرسوم في التعاطي فلا يجرح شعورا ولا يؤذي كائنا ولا يضمر شرا ولا يحرج صديقا لأنه مجبول بالمحبة مسكون بالأخوة مهجوس بالعدالة فمن كانت تلك صفاته كثرمحبوه”.

اضاف: “ساميا كان بحسن التصرف ومنصورا بالحق، بديع اللفظ والنطق سامي بديع منصورالإسم الذي لمع في سماء الوطن مكتوبا بأحرف من ذهب تاركا إرثا قانونيا موسوعيا كالجواهر التي تزين الرفوف والمكتبات والزمرد الذي تتزين بأقواله مفردات الأحكام والقرارات”.

وتابع: “رحل سامي باكرا ومعه ترحل مرحلة من عمرنا نستعيد ذكراها بفرح ومن يذكر بفرح يبقى في العقول والقلوب وعلى مرأى من بديع الإبن الذي يحمل الإسم الكبير والإرث الكبير ليكمل مسيرة القاضي الكبير”.

كلمة العائلة

والقى نجل الراحل المحامي بديع منصور كلمة شكر فيها بإسمه وإسم عائلته من “نقيب المحامين العزيز الذي يرعى هذا الحفل ومن النقباء السابقين وأعضاء مجلس النقابة الحاليين والسابقين ومن الحضور الكريم الذي لولاه لما نجح هذا التأبين”.

وقال: “أريد أن أتقدم بكامل الشكر والعرفان من معالي الوزير محمد مرتضى الذي وقف إلى جانبي ودعمني طيلة هذه الفترة لإقامة هذا الحفل شكرا معاليك. وأكيد من خطباء الحفل الذين أنصفوا والدي بصدقهم ومحبتهم”

اضاف: “إنني أعبر عن مدى حزني لفقدان والدي الذي ما زال حيا في عقل عائلته وقلبها، أشعر بالإعتزاز والفخر كوني إبن قاض من أكثر القضاة إنتاجا في لبنان. فهو القاضي النزيه المتواضع المنصف والمدرس الجامعي الذي درس أجيالا عبر السنين. المؤلف الذي أزخر الكتب القانونية بالعلم النفيس، وهو الرفيق المساعد لكل من طرق بابه من أجل الإستئناس برأيه وأخذ مشورته في كتابة رسالة أو أطروحة جامعية. وطبعا الأب الحنون الذي أمسك بيدي وبيد أخي لكي نسلك مسالك الحياة في حلوها ومرها وما أمرها مؤخرا”.

وتابع: “رحمه الله كان يحب أن يعرف عن نفسه بأنه رجل أكاديمي ورجل علم، وكان دائما يردد عبارة تعلمها من أساتذته

Le vrai jurist c’est l’eternelle etudiant, وكان يشعر دائما بأنه طالب سنة أولى حقوق لشدة تواضعه”.

وتابع: “عندما أنظر الى الحضور الكريم أتذكر والدي في وجه كل شخص منكم، نقيب هل تذكر كم فرح بنجاحك واتصل بحضرتك وهو مريض ليبارك لك. معالي الوزير عباس الحلبي، كان يقول عن عائلتك إنها عائلته الثانية ومن أكرم الناس، وبالأخص والدتك رحمها الله، وكيف كان ينام عند حضرتك بالجبل أيام المعهد والدرس وصدقا بقي حتى اللحظة الاخيرة يتحدث عنك بالخير”.

وقال: “معالي الوزير الحبيب إبن العم كان يتذكر أيام الدراسة على الرمل العالي ومسابقات طيارات الورق على أسطح برج البراجنة. الرئيس سهيل، كيف كان يتحدث معك عن المعهد ويتصل بك ويقول لك مدير أعطني رأيك ونصيحتك بأكثر من مسألة. بروفسور فايز الحج شاهين كيف هي الموسوعة القانونية المتنقلة بمناسبة تكريمه وهو ما زال حيا، قلت له نريد ان نرى كتابك يا سامي بعد نهاية الخدمة وهذا ما أثار حماسه لكتابة ونشر مؤلفين قبل وفاته بشهر”.

اضاف: “معالي وزير العدل كان يحكي عن حضرتك كم كنت نزيها وتمنى لك النجاح دائما. العميد الرفيق كان يحكي عن علمك وكم كان يحب مشاركتك بالندوات والمؤلفات والمعلومات القانونية والنقاشات التي كانت تطول بالساعات”.

وتابع: “اعذروني لن أستطيع اعطاء الحق لكل شخص موجود معنا، انما طبعا كانت المحبة والعشرة الراقية تجمعكم سويا. أعتذر إن خانتني الكلمة لما في القلب من غصة، لم أكن أتوقع رحيله بهذه السرعة التي وهبها كامل اللحظة. رحلت بلمحة. بقلبي أنت، بقلب رامي وسامي وريا وياسمينا وكاي وعايدة”.

وختم: “شاءت الحياة أن تأخذ من أنصفها ومن لم يبخل عليها عدلا. ميزان أثقل بالأزمات حتى فقد توازنه ولكن التوازن سوف يعود فهذه طبيعة الكيل. وسوف تعود بإذن الله العدالة لتثقل الكفتان وتتغلب على المصاعب وتنصف الإنسان. ولا بد من أن تستقيم الأمور بفضل الحاضرين وأرواح الراحلين، شكرا من القلب لكل كريم أكرمنا وأنصف والدنا أستاذنا في الحياة وبالممات”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *