اخبار عمان

النكبة.. من رأى ليس كمن سمع!

عوض المغني

سمعنا عن النكبة وهي التسمية العربية للهجرة القسرية للفلسطينيين من أراضيهم سنة 1948 بُعيْد الإعلان عن قيام دولة الاحتلال، تلك الهجرة التي لازالت الذاكرة الفلسطينية والعربية عموما لم تمحها؛ فالمفاتيح العتيقة للدور محفوظة لدى العائلات الفلسطسينة وحلم العودة تحمله الأجيال المتلاحقة.

تلك النكبة التي خلفت اجتثاث قرابة 500 قرية وبلدة فلسطينية بسبب المذابح والترهيب الذي لاقاه الشعب الفلسطيني من عصابات الاحتلال الصهيوني، وستستمر تلاحق مرتكبيها ممن لبس الياقة البيضاء وأصبح ممثلا للكيان الغاصب أمام العالم في حكوماته المتلاحقة وحتى من غادر منهم الدنيا ليقف أمام البارئ مختليا بأعماله.

تلك النكبة التي سمعنا عنها وقرأنا كثيرا، أصبحت ماثلة أمامنا مباشرة في القصف الغاشم الذي تشنه دولة الاحتلال على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 11 يومًا في أعقاب عملية طوفان الأقصى الفدائية لكتائب القسام التابعة لحركة حماس. هذا الرد الذي جاء على رؤوس المدنيين الأبرياء، و70% منهم من النساء والأطفال، والحديث مؤكد عن محو ما يزيد عن 300 عائلة فلسطينية في قطاع غزة من السجلات المدنية بسبب مصرع جميع أفرادها في العدوان الغاشم.

ومع تلك العملية الوحشية والتي من المفترض أن تكون ردا على عملية عسكرية / فدائية إلا أنها استخدمت فيها دولة الاحتلال أسلحة فتاكة بهدف تفريغ القطاع من ساكنيه، فمرة دعوة السكان العزل للذهاب إلى شمال القطاع بهدف قصف جنوبه، ومرة العكس، وحتى المعابر الحدودية قُصفت، ولم تسلم قوافل السكان المذعورة من القصف والذي يؤكد بلا جدال النية المُبيتة لدى الاحتلال تصفية المدنيين في عقاب جماعي لم تسلم منه حتى المؤسسسات الصحية والتعليمية وغيرها التابعة لمنظمة الأنروا التابعة للأمم المتحدة، وقصف المستشفى المعمداني الأهلي خير دليل على وحشية هذا الكيان.

اللافت أن هجمات الاحتلال لاقت تأييد معظم الدول الغربية على الرغم من أن تلك الدول منذ عامين تقف بجانب أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي، وهذا التأييد الغربي اللامحدود ليس مستغربًا إذا علمت أن العديد ممن أسرتهم حركة “حماس” يحملون جنسيات تلك الدول وهم مزدوجي الجنسية، بين صهيوني يخدم في جيش الاحتلال، وسائح وسارق أرض وناهب ممتلكات فلسطينية وقاطع طريق ومعكر صفو الحياة على الفلسطيني في أرضه، بينما الصادم هو ذلك الصمت العربي والإسلامي، بينما في المقابل تلقى جيش الاحتلال الدعم والاعتراف الغربي بحقه في “الدفاع عن نفسه”، وإرسال حاملات الطائرات والأسلحة لإتمام مهمته الوحشية.

لم نعش نكبة 48، ولم نعِ تفاصيلها المُرّة، لكننا الآن نشهد ومباشرة ما يوازيها في النتائج ويفوقها ألمًا، فالقطاع المحاصر منذ 17 عامًا والمشلول أصلًا من الخدمات والحركة الاقتصادية يشهد مجزرة لا مثيل لها في التاريخ الحديث وحياة أكثر من 2 مليون إنسان معرضة لخطر الإبادة بأسلحة محرمة دوليًا، وحتى الضفة الغربية ورام الله وبلدات 48 في الداخل، لم تسلم من اقتحامات قوات الاحتلال المتواصلة، مُخلفة العشرات من الشهداء ومئات السجناء، فيما لا يزال التعويل على الرأي العام العالمي والغربي تحديدا لكشف الجريمة اللاإنسانية الحاصلة في غزة، فهو يمارس حقه في التضامن مع الأشقاء الفلسطينيين والتظاهر احتجاجًا على سياسات دوله، ولكنه أيضا هو نفسه من أوصل تلك الحكومات إلى سدة الحكم.

لا ننسى القول إن مستوطنات ما يعرف بغلاف غزة الـ50 هي بالأصل أراضٍ محتلة منذ عام 1967، وإقامتها مخالفة لقرار مجلس الأمن رقم 242 الداعي الى انسحاب قوات الاحتلال من الأراضي التي احتلتها، ودولة الاحتلال برفضها الانصياع للقرار الأممي تضع مُنتسبيها على خط المواجهة (كما هو مخطط له من قبل) بحيث إن تلك المستوطنات تحوطها العديد من النقاط العسكرية وأسوار عالية لا تخلو من العنصرية، وهو ما يؤكد أن عملية طوفان الأقصى تندرج تحت أعمال المقاومة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *