اخبار عمان

الكويت.. الدولة التي بدأت من القمّة

 

خالد بن عمر المرهون **

للكويت مكانة خاصة لدى أبناء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فمنذ استقلالها في العام 1961 أصبحت مصدر إعجاب وإلهام لدول الخليج العربي «دول مجلس التعاون الخليجي» لاحقًا.

وبعد تولي صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح مسند الإمارة بتاريخ 16 ديسمبر 2023 خلفًا للمغفور له بإذن الله الأمير المتواضع المؤمن الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباحطيب الله ثراه اتجهت أنظار الجميع في دول مجلس التعاون، إلى من سيختاره سمو الشيخ مشعل رئيسًا لمجلس الوزراء بدولة الكويت، إلى أن عيَّن بموجب صلاحيته الدستورية وفق المادة (56) سمو الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح رئيسًا لمجلس الوزراء، في توافق وإجماع شعبي بين سمو الأمير والشعب على هذا الاختيار. هذا الاهتمام الخليجي، أمر طبيعي جدًا؛ فبالرغم من العلاقات والروابط الأخوية التي تجمع كل دول مجلس التعاون الخليجي، قيادات وشعوب واهتمامها بشؤون بعضها البعض، إلّا أن الشأن الكويتي تحديدًا، دائمًا مايثير الاهتمام بشكل أكبر لدى أبناء هذه المنطقة. فمنذ قيام الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمة الله عليه بعد انتهاء المجلس التأسيسي من وضع دستور دائم للبلاد بإصدار دستور دولة الكويت بتاريخ 11 نوفمبر 1962، وإجراء أول انتخابات برلمانية بتاريخ 23 يناير 1963 والتي فاز فيها 50 عضوًا، وانتخاب عبدالعزيز حمد الصقر رئيسًا لمجلس الأمة، أعقبها تشكيل الوزارة الأولى في أول فصل تشريعي في تاريخ الكويت بتاريخ 28 يناير 1963 والتي ضمت 15 وزيرًا من بينهم 3 أعضاء منتخبين. والمادة (6) من الدستور الكويتي تنص على أن “نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعًا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المُبين بهذا الدستور”. والمادة (4) من الدستور التي تنص على أن “الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح. ويُعين ولي العهد خلال سنة على الأكثر من تولية الأمير، ويكون تعينه بأمر أميري بناءً على تزكية الأمير ومبايعة من مجلس الأمة تتم في جلسة خاصة، بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وفي حالة عدم التعيين على النحو السابق يزكي الأمير لولاية العهد ثلاثة على الأقل من ذرية المذكور فيبايع المجلس أحدهم وليًا للعهد”.

هذه المواد وغيرها من مواد الدستور بيّنت تفرد الكويت إقليميًا، بإشراك المواطنين عمليًا، من خلال ممثليهم في البرلمان، في مؤسسة الحكم؛ فالدستور الكويتي يعد من الدساتير الصلبة التي تحتاج لإجراءات معينة للتعديل فيها، وهذا مابينه الواقع، بمرور أكثر من 61 عامًا على صدوره واستقراره لغاية يومنا هذا. وقد تواكب استقلال الكويت وإصدار الدستور وانتخاب أعضاء مجلس الأمة مع وجود قدرة مالية تستطيع القيادة السياسية من خلالها تنفيذ رؤيتها لمستقبل الكويت. فالنفط تم اكتشافه في 22 فبراير من العام 1938، إلا أنه عمليًا بتاريخ 30 يونيو 1946، عندما أدار أمير الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح رحمة الله عليه العجلة الفضية، مدشنًا بذلك تصدير أول شحنة من النفط الكويتي الخام، فبدأت بعدها مظاهر التميز الكويتي في كافة مجالات الحياة، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، الرياضية والفنية.

وعلى الصعيد السياسي سعت دولة الكويت من خلال سياسة الاعتدال والحياد إلى علاقات ثنائية ودولية، واضعة نصب أعينها الوقوف مع القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، من خلال دعم المقاومة الفلسطينية ماديًا ومعنويًا والموافقة في العام 1964 على افتتاح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في الكويت، وذلك بعد قرار القمة العربية التي عقدت في القاهرة في يناير من نفس العام وقررت إقامة قواعد سليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني لتمكينه من تحرير وطنه وتقرير مصيره، وتوكيل القيادي الفلسطيني أحمد الشقيري بتنظيم هذا الأمر. واستمر الحضور الكويتي على الساحة الدولية، بتميزه، إلى يومنا هذا، وتعد الكويت أيضًا، من الدول التي أسهمت إسهامًا فاعلًا في إنشاء منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتفعيل العمل الخليجي المشترك في كافة المجالات.

وفي الشأن الإقتصادي، يعد الاقتصاد الكويتي أحد أهم الاقتصادات في الشرق الأوسط؛ حيث تعد الكويت أحد أهم الدول المصدرة للنفط في العالم، وقد انعكس هذا الأمر على انتعاش وتطور إقتصادي هائل، كان أول المستفيدين منه المواطن الكويتي والمواطن العربي من خلال إنشاء الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في العام 1961، كمؤسسة كويتية تُعنى بتوفير وإدارة المساعدات المالية والتقنية للدول النامية، وتحديدًا الدول العربية، إلى ان تم توسيع نشاطه في العام 1974 ليشمل جميع دول العالم النامية. وقد احتفلت الكويت مؤخرًا بمرور أكثر من 70 عامًا على تأسيس مكتب الاستثمار الكويتي في لندن، وهذا دليل على بُعد النظرة الكويتية منذ عقود، على تنويع مصادر الدخل والاندماج في الاقتصاد العالمي.

وتعد دولة الكويت من الدول التي أعطت للبعد الثقافي أهمية قصوى؛ ومن مظاهر هذا الاهتمام، إصدار مجلة “العربي”، وهي مجلة شهرية ثقافية مصورة، يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وتعد حاليًا المجلة الأبرز في هذا الشأن. وقد انطلقت فكرة المجلة من مبادرة من بعض شباب الكويت الذي تخرّج في الجامعات المصرية؛ لإنشاء مجلة تُعنى بالثقافة العربية، بطرح الفكرة على مكتب الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رحمة الله عليه والذي كان مديرًا لدائرة المطبوعات والنشر آنذاك، والذي تبناها ونقلها إلى أمير الكويت الذي بدوره وافق عليها. وسميت المجلة بـ”العربي” انعكاسًا للتيار العربي القومي ذلك الحين. ويبدو ذلك جليًا في شعارها “يكتُبها عرب ليقرأها كُل العرب”. وشارك ولا زال يشارك في كتابة مقالاتها أبرز الأدباء والشعراء والمفكرين والعلماء العرب مثل الدكتور طه حسين والأستاذ عباس محمود العقاد والأستاذ يوسف إدريس والشاعر نزار قباني وغيرهم الكثير من القامات الفكرية الثقافية العربية. وقد عُهد في بداية إنشائها برئاسة تحريرها للأستاذ القدير الدكتور أحمد زكي والذي استمر في رئاسة التحرير منذ إنشائها في العام 1958 إلى العام 1975، إضافة إلى العديد من الإصدارات الثقافية الهامة التي أعطت الكويت مكانةً مرموقة، في هذا الشأن، على صعيد دول الخليج والعالم العربي. ويعد تلفزيون الكويت الذي بدأ بثه في العام 1951 والذي كان مملوكًا لتاجر من تُجار الكويت آنذاك، واشترته الحكومة، وبدأ بثه الرسمي في 15 نوفمبر 1961 الأول على مستوى دول الخليج والثاني على مستوى المنطقة بعد تلفزيون العراق، ويُعد رافدًا مُهمًا في النهضة الثقافية الحديثة التي عاشتها دولة الكويت. أما على مستوى المطبوعات، فقد صدرت أول مطبوعة شهرية باسم “مجلة الكويت” لعبدالعزيز الرشيد عام 1928، وصدر أول قانون خاص بالمطبوعات ينظم العلاقة بين الصحافة والدولة في العام 1956. أما صحافة ما بعد الاستقلال عام 1961، فقد صدر في نفس العام قانون المطبوعات لتدعيم العمل الصحفي. وتُعد صحيفة “الرأي العام” التي صدرت في 16 أبريل من العام 1961، هي البداية الحقيقية للصحافة اليومية الكويتية والتي منها صُحف: السياسة، والرأي، والوطن، والقبس، والأنباء وغيرها، والتي تعاطت مع الشأن الداخلي والخارجي بسقف لا محدود من حرية الرأي، وبحضور لافت لكبار الصحفيين والكتاب الكويتيين والعرب؛ حيث وصل انتشار هذه الصحافة إلى العديد من العواصم العربية والعالمية، وأصبحت محل إعجاب لأبناء هذه المنطقة.

وفي المجال الفني، سيطر الإنتاج الفني الكويتي في حقبة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، على المشهد الفني في كل منطقة الخليج العربي، من خلال الإبداعات الفنية لكبار المغنيين الكويتيين مثل: عبدالله فضالة وعبداللطيف الكويتي وعودة المهنا وسعود الراشد وعوض دوخي وعبدالعزيز المفرج (شادي الخليج) وعبدالمحسن المهنا وعيسى خورشيد (غريد الشاطئ) وعبدالله الرويشد، وفنان الكويت الأول عبدالكريم عبدالقادر وغيرهم من كبار الفنانيين. كذلك سيطر المشهد التلفزيوني والمسرحي لكبار الفنانيين الكويتيين مثل: عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي وغانم الصالح وسعاد عبدالله وحياة الفهد، وغيرهم من كبار الفنانيين الكويتيين، على الساحة الفنية الخليجية بدون منازع، إضافة إلى الشخصيات التي ساهمت في هذه الأعمال الفنية الخالدة مثل: محمد النشمي وزكي طليمات وصقر الرشود ومحمد السريّع وعبدالأمير التركي وغيرهم من كبار المخرجين والكتاب التلفزيونيين والمسرحيين.

أما في المجال الرياضي، وتحديدًا في مجال كرة القدم فحدِّث ولا حرج، فمن ينسى نجوم الكرة الكويتية في السبعينيات: جاسم يعقوب وإبراهيم دريهم وفاروق إبراهيم وحمد بوحمد وأحمد الطرابلسي وفيصل الدخيل وفتحي كميل وعبدالعزيز العنبري وسعد الحوطي وقبلهم عبدالرحمن الدولة ومرزوق سعيد ومحمد المسعود، وغيرهم من كبار النجوم الذين سيطروا على الكرة الخليجية، من خلال فوز منتخب الكويت لكرة القدم ببطولات كأس الخليج لأربع مرات متتالية في العام 1970 و1972 و1974 و1976 وفوز منتخب الكويت بكأس آسيا لكرة القدم في العام 1980، كأول منتخب عربي وخليجي يفوز بهذا الكأس، وصعود المنتخب الكويتي لنهائيات كأس العالم لكرة القدم في إسبانيا في العام 1982؛ كأول منتخب خليجي يصعد لنهائيات كأس العالم.

ولا يمكن الحديث عن الكويت دون الإشارة إلى العلاقة التي تربط الشعب الكويتي بالأسرة الحاكمة في الكويت، وكذلك حراك مجلس الأمة في الشأن السياسي الداخلي الكويتي. صحيح، أن الأسر المالكة في دول مجلس التعاون قريبة من شعوبها ويربط بينها الكثير من الود والاحترام، إلّا أن طبيعة الشعب الكويتي وخلفيته الثقافية، تجعل الاختلاف “العلني” مع الأسرة الحاكمة أو الحكومة؛ سواء من خلال مجلس الأمة أو وسائل الإعلام المختلفة، شيئا طبيعيا، وهذا يعود إلى ثقافة قبول الرأي والرأي الآخر التي جُبِلَ عليها المجتمع الكويتي منذ عشرات السنين، بمفهوم، أن اختلاف الرأي لا يُفسد للود قضية، وأن الاختلاف يكون في السراء، أما في الضراء؛ فالكويت كلها واحدة. وقد بين الشعب الكويتي العظيم هذا الأمر، أثناء الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس في العام 1990، عندما اصطف بكل مكوناته وفئاته خلف قيادته الشرعية، ممثلة بسمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير البلاد آنذاك وسمو ولي عهده الشيخ سعد العبدالله الصباح رحمهما الله. وتُعد هذه الأمور، التي كانت محل إعجاب الجميع بدول مجلس التعاون بالكويت وأهلها، بالمصطلحات الحديثة “القوة الناعمة” لدولة الكويت، والتي من خلالها تفرّدت الكويت، وكان لها السبق على الكثير من دول منطقتنا الخليجية، والتي بدورها تطورت، هذه الدول، على كافة الأصعدة السياسية، الإقتصادية، الثقافية، الفنية والرياضية، وبلغت في بعض جوانبها مراتب عالمية، جعلتنا كأبناء دول مجلس التعاون نفتخر بهذه الإنجازات وبما وصلت إليه دول مجلس التعاون.

لا يمكن في أسطرٍ قليلة أن نعطي الكويت وتاريخها وإنجازاتها ورجالاتها حقها، إلّا أننا على ثقة تامّة، أن صاحب السمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت، سيقود هذا البلد العزيز إلى المزيد من الإنجازات على كافة الصعد؛ بما يحقق ويعزز المكانة الاستثنائية للكويت في تاريخ هذه المنطقة.

** متخصص في القانون الدولي والشؤون السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *