اخبار تركيا

سياسي تركي: كيف سيعوّض “العدالة والتنمية” النزيف والخسائر المعنوية؟

اخبار تركيا

استعرض مقال للسياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، تقييما حول التساؤل الجوهري الذي يُطرح في الفترة الأخيرة حول كيفية تعويض النزيف الحاصل والخسائر المعنوية التي لحقت بحزب العدالة والتنمية الحاكم.

وأكد أقطاي، النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية، أن هذا التساؤل لا ينبغي أن يطرح فحسب، بل يجب أن يتبع بتحرك جاد وصادق لإيجاد الحلول، ولا شك أن هذا التساؤل يشغل عقول قيادات الحزب وأعضائه، ويُثار في نقاشاتهم الداخلية، فإهماله أمر مستحيل.

وكما أشار الرئيس أردوغان، فإن عدم طرح الحزب لهذا التساؤل لتحديد مواطن الخلل واتخاذ خطوات جادة لعلاجها، قد يفضي إلى ذوبان حزب العدالة والتنمية، كذوبان الجليد تحت أشعة الشمس. حسبما ذكر أقطاي في مقاله بصحيفة يني شفق.

وقال: بالطبع لا يخلو توجيه هذا النقد علنا من مخاطر تكمن في إمكانية استغلاله من قبل المعارضين الدائمين للحزب. فمن المتوقع أن تسعدهم مثل هذه الانتقادات، حتى لو كانت بناءة وصادقة، وتُفسر على أنها صراع داخلي أو تمرد ضد الحزب. وقد واجهت أنا نفسي هذا النوع من التأويل المغرض لبعض تقييماتي في بعض الأوساط المعروفة، على الرغم من كونها معتدلة نسبيا في ضوء خطورة الوضع الحالي.

وأضاف: منذ 22 عاما، شهدت تركيا ثورة حقيقية في مجالي العدالة والتنمية، بفضل حزب العدالة والتنمية، الذي حقق بكل ما له من إيجابيات وسلبيات، واحدةً من أهم الثورات في تاريخ القرن الماضي في تركيا. لكن أولئك الذين يتوقعون “الانتقام” من حزب العدالة والتنمية، ينتظرون بفارغ الصبر سقوطه ونهايته، لا عودته إلى قوته وتعويضه لخسائره الروحية والمادية واستمراره من حيث توقف. وهذا واضح تماما. لذلك لا فائدة من إرضاء هذه الفئات حقا. بل من الواضح أيضا أن النهج والسياسة التي تمثلها تستحق المزيد من النقد. فما الذي يتوقعه منتقدو حزب العدالة والتنمية الذين لم ينطقوا بكلمة طيبة منذ تأسيسه ونشأته وليس فقط في وضعه الحالي، من انتقاداتهم للحزب؟

وأوضح أنه من ناحية أخرى يدرك العديد من المراقبين والمؤيدين لحزب العدالة والتنمية حالة التراجع التي يعاني منها الحزب في الآونة الأخيرة، ويُبدون قلقا حقيقيا بشأن مستقبله. ولكن هؤلاء بحاجة إلى سماع كلمات صادقة ورؤية تطورات إيجابية. فما هي أسباب هذا التراجع؟ وما هي خطة الحلول التي ينوي الحزب تنفيذها؟ إن محبي حزب العدالة والتنمية، ممن لا يزالون يعلقون عليه آمالا عريضة، يرغبون في رؤية ذلك بصدق، إن الانطباع السائد بأن الحزب لم يتخذ أي إجراءات حاسمة بعد التشخيص الذي تم إجراؤه عقب الانتخابات، يساهم في تفاقم خسارته. كما أن حصر عملية التقييم في نطاق ضيق لا يرضي طموحات مؤيدي الحزب المخلصين، خاصة إذا كان ينظر إلى جزء كبير من تلك الدائرة على أنه مسؤول عن هذا التراجع. وفي ظل تقييم موضوعي وغير متحيز إلى أي مدى يمكن لأولئك الذين يُعرف أنهم مسؤولون عن فقدان الحيوية والروح في الحزب أن يشخصوا هذا الفقدان ويعوضوه؟ قد يكون من الضروري إجراء التقييم والتشخيص والعلاج من قبل أشخاص مناسبين، ربما من خلال نظرة خارجية.

وتابع المقال:

في مقالي السابق، طرحت سؤالا جوهريا لابد من مواجهته حول أهداف حزب العدالة والتنمية، ومبادئه، وتحالفاته، وعلاقته بالقوى الوصائية، بدءا من انطلاقه كحركة شعبية ضد قوى الوصاية، وصولا إلى التطورات الأخيرة. وقد فهم البعض من هذا أنني أشير إلى لقاء الرئيس أردوغان مع رئيس حزب الشعب الجمهوري “أوزغور أوزال”، إن هذا الاستنتاج غريب حقا. بل على العكس فقد ذكرت في بداية المقال أن نشاط “أوزال” المكثف في التواصل مع مختلف الأطراف يقدم فرصا وإمكانيات للتغيير مثيرة للاهتمام لكل من حزب الشعب الجمهوري والسياسة العامة، وأن ذلك قد يساهم بشكل إيجابي كبير في مسيرة البلاد. أعتقد أن التقييم السليم للمشهد السياسي بعد 31 مارس، يمكن أن يسفر ذلك عن نتائج مفيدة للغاية لحزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وتركيا والعالم الإسلامي. إن الحوار والتفاهم والبحث عن حلول مشتركة في المجال السياسي نهج قد لا نكون معتادين عليه، لكنه نهج فعال للغاية يستحق التجربة.

لا يمكننا الآن التنبؤ بمدى قدرة أوزغور أوزال على المضي قدما في مساعيه، لكن الحكم مسبقا على مثل هذه المبادرة لا معنى له. وأود أن أؤكد أنني أرى بشكل إيجابي للغاية آراء أوزغور أوزال المعلنة حول المهاجرين، وتصريحاته التي تشير إلى عدم موافقته على سلوكيات رؤساء بلديات حزب الشعب الجمهوري الذين أثاروا الجدل بسبب إزالة اللافتات العربية وفرض ممارسات فاشية ضد المهاجرين، بل وقيامه بتحذيرهم.

لا شك أن هذه الخطابات والسياسات ستساهم في إحداث تغيير إيجابي داخل حزب الشعب الجمهوري وتحقق له العديد من المكاسب. وبالتأكيد لن يضر هذا التغيير بحزب العدالة والتنمية أو أي طرف آخر، بل ستستفيد تركيا والإنسانية جمعاء من انتشار هذه السياسة الإنسانية. إن رفع مستوى الخطاب السياسي إلى هذا المستوى الإنساني سيساهم في إرساء أسس صحيحة للمنافسة السياسية، التي ستستمر دون شك من بعد ذلك. لا أنسى بالطبع تصريح أوزغور أوزال الذي وصف حركة حماس فيه “بالإرهابية”. وأود أن أعزي هذا التصريح إلى عدم تقييمه الكافي للموضوع في ذلك الوقت، معربا عن أملي في أن يُراجع موقفه ويعود إلى صوت العقل والضمير الإنساني في تركيا والعالم.

لا شك أننا لم نتمكن من تحديد جميع الأسباب الكامنة وراء فقدان الروح في حزب العدالة والتنمية. لكنني أود أن أسلط الضوء على موضوع هام أعتقد أنه يلعب دورا هاما في هذه الظاهرة، ألا وهو مسألة تسليم المهام واستمرارية الرسالة. وفي هذا الصدد سادت في الحزب عادة سيئة تعيق استمرارية الرسالة، وتراكم الخبرات، وتواصل العمل بفعالية. ونحن لا نتحدث هنا عن الوفاء، بل عن شعور خاطئ لدى بعض أعضاء الحزب بأن تسلمهم للمهام يمثل حصولهم على رتبة أو منصب أو مكسب مادي، بدلا من الشعور بأنهم يحملون راية مسؤولية عظيمة. ونتيجة لذلك، لا تبنى ذاكرة مؤسسية غنية بالخبرات والتجارب، ولا تحافظ الرسالة على استمراريتها خلال 23 عاما من عمر الحزب.

لا تقتصر هذه السلوكيات الخاطئة على المناصب داخل الحزب فحسب، بل تمتد لتشمل الحكومة والبيروقراطية. فعندما يتولى شخص وزارة جديدة يصبح أكبر منافس وهدف له هو ما حققه الوزير السابق، على الرغم من أن الوزير السابق أيضا من حزب العدالة والتنمية، وليس من حزب آخر. وحتى في حال كانا من حزبين مختلفين، يجب تراعى استمرارية العمل في الدولة. وعندما ينتخب نائب جديد، يصبح أهم إنجازاته التدخل في مديري المؤسسات الذين تم تعيينهم بناء على ترشيح نائب سابق ومحاولة تغييرهم، والذين غالبا ما يكونون من نفس حزبه. فكيف يمكن أن نتوقع تجنب فقدان الدعم والروح المعنوية مع كل تغيير في المناصب وتبديل في المسؤولين؟

لا شك أن هناك العديد من القضايا الأخرى التي تستحق النقاش. ونسأل الله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن نستمر بإذن الله.

لا يمكن تحقيق رسالة حزب العدالة والتنمية إلا من قبل أشخاص يدركون أهمية الحق والحقيقة، ويقدرون الصداقة والتعاون بين أعضاء الحزب، ويدركون أن المناصب ليست منحة بل مسؤولية جسيمة، وأن قبولها يعني الالتزام بأداء واجبات مهمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *