اخبار عمان

صونوا أصواتكم | جريدة الرؤية العمانية

د. قاسم بن محمد الصالحي

 

أعزائي، إننا عندما نحصل على شرف الدخول في قلب عرس وطني، لا نأتي بأيادٍ فارغة، وإذا كان المدعوّ كما هو حالي، يأتي مُحملا بالأمانة، وكلّ ما منحه إيّاه هذا البلد، جذوره، ثقافته، وأكثر من هذا كلّه الحلم في التناغم والتقدّم والتعايش، أجواء وطنية كبيرة، تلك التي نترقبها، تجرى وسط إجراءات تنظيمية دقيقة ومريحة، لضمان نزاهة ومصداقية هذا الاستحقاق الوطني، وتكرس مبدأ تكافؤ الفرص بين المترشحين، وتطمئنهم، في مختلف المحافظات.

تشربنا مبدأ الشورى؛ في الأغلب الأعم؛ من بيئتنا الحضارية، ومن خلال مراحل نهضتنا، وما مارسناه من استحقاقات وطنية، بدا فيها العماني كبيرًا في تجربته التي صاغته منذ القدم وكوّنته، ثم صاغها بمعيار عماني غاية في الدقة، أحيا فيها تجربته الوطنية، وانطلق إلى العالم كملهِم لبنائه الإنساني قبل الديمقراطي، فمن عمان الحضارة، أو التي عرفها التاريخ، ورسمت على خريطة جغرافيا العالم منذ أزمنة سحيقة، انطلقت تجربة العماني في كل زوايا الحياة الإنسانية، واكتسب الحكمة منذ القدم، واستطاع أن يستقدم شخصياته الحضارية التي كوّنت عمان وكونت إنسانها عبر تاريخ طويل من الجمال والمرارات والموروثات، ومن ثم الحكمة.

نعم في عمان برزت إمكانية العماني في صياغة مفردته الوطنية، فيها من الحكمة والموعظة واستحضار التاريخ والموروث، ما لا يمكن أن يُنسى، وباعتقادي أن هذا العرس الانتخابي العماني هو حصيلة تجربة طويلة في المكان الذي منح المواطن العماني الكثير من الفيوض الروحية والجمالية، وصقلها بالموهبة والاستمكان بطريقة فذة، لذلك فالناخب العماني هو ابن التجربة المكانية بكل ما فيها من جماليات عالية الدقة والمستوى الخلاق.

وعرسنا الوطني المقبل يختلف نسقه كليًا عن سابقاته، فمن الاستشاري المعين، إلى أعراس الانتخابات المحلية، فبمهيمنات التجربة العمانية التي تتصاعد في وقائع هي أكثر صلةً بالزمن العماني في فسيفسائه الموروثة القائمة على حبكة التشبث بالماضي العريق وأصالته، التي أحكمت وجودها في أعناق الأجيال المتتابعة، لهذا جاءت الانتخابات في طريقة إجرائها معبأة برؤية طموحة لعهد نهضة متجددة، توازن بين الحاضر وحكمة الماضي.

انتخابات مجلس الشورى للدورة القادمة يجب أن ترفع شعار “صونوا أصواتكم”، والذي يبدو للوهلة الأولى في ظاهره وباطنه توجيهيًا، ليس بطريقة الوعظ المبسطة، لكنها بذرة واضحة لديمومة الحياة الديمقراطية، وما تحمله من دلالات رمزية وإنسانية، تحمل وصية بُنيت على أساسها هيكلية الانتخاب، والوصية من كلمتين فقط: “صُنْ صوتك” فتحت الضوء واسعًا على المدينة والقرية والريف والتقاليد، وقبل هذا أنارت الصوت بوصفه منتجًا للحياة الديمقراطية، وباذرا أساسيا في حقل الأجيال المتتالية ليغدو رمزًا، يخرج من اللفظ إلى الاستعارة، ومن الوصف إلى البِنية، ومن الواقع إلى الدلالة.

حياتنا وأسطورياتها المتعددة، هي وراء النتاجات الضخمة التي تحققت على أرض عمان المعطاءة، وبقيت حتى هذا اليوم، ونحن هنا نستدعي التراث العماني وملاحم العمانيين الكثيرة ليس أقلها بناء الحوار والتفاهم وتغليب الحكمة في الاختيار وصون الصوت للأنسب والأكفأ، ليستمد حضوره من المحافظة على تلك التقاليد الموصوفة بالأصالة، لا يمكنني فرز تفاصيل حمل الأمانة في هذا المقال القصير، وإذا كان صون الصوت هو الدلالة السريعة والمباشرة التي افتتح بها هذا المقال، فإنَّ الكثير من الرمزيات أحاول أن أحيكها ببساطة في بنية الاستذكار والاسترجاع عبر صون الصوت والتراث والملاحم المتوارثة والشجاعة العمانية المتأصلة، فالمرء منا يولد محباً لتراب وطنه، وشخصيته هي من تؤسس هويته الوطنية لأبناء جلدته الذين يشاركونه حمل الأمانة ليبرزوا للعالم أصالة الديمقراطية وتجذرها بالأرض العمانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *