اخبار عمان

شرعية الشريعة | جريدة الرؤية العمانية

 

أحمد بن ناصر الراشدي

[email protected]

 

الجدليات تملأ الحياة، فالآراء تختلف في كل ما هو حولنا وما عندنا، فنتفق مع هذا ونختلف مع ذاك، وكل يغني على ليلاه، وكل يجادل عما يملك أو يفهم أو يعتقد. وما يعتبره البعض أمرا مسلما به، يعتبره الآخر موضوع نقاش ومحل اختلاف؛ وهكذا خُلق الإنسان، وهكذا يعيش، فربنا الخالق وصفهم بأنهم مختلفون ولذلك خلقهم.

 إلا أنه من المتوقع أن يكون لمفهوم هذا الخلاف حدود، فهو لا يجب أن يكون في الأساسيات، كما لا يكون في المعتقدات لأي فئة تنتمي إلى اعتقاد مُعين، إذ الأصل أن يكون اتفاقهم على المعتقد هو أساس وجودهم في منظومته. ومفهوم “الشريعة” هو أحد هذه المفاهيم التي يقتضي اتباعها الاتفاق، إلا أن الواقع يعكس اختلافات كبيرة في فهمها وتفسيرها وتوظيفها.

جميعنا نعي أن هنالك دين اسمه الإسلام، وأن الشيطان هو عدو لله ولرسوله وللمؤمنين هو ومن تبعه ووالاه، وهدفه إغواء المسلمين وإخراجهم من دينهم، ليحقق الوعد الذي توعدهم به. وكذلك نعي أن هناك كفارا ومشركين موالين للشيطان، وهناك من يعادون دينِ الله، وهنالك مؤامرةٌ قائمة منذ خلق آدم عليه السلام إلى قيام الساعة بين الشيطان وأوليائِه تجاه المؤمنين بالله ورسوله، فإثبات وجود المشكلة (المؤامرة) هو أساسُ الاعتراف بها. ولعل أكبر وأوضح أوجه مشكلة الشريعة هو العمل على تشويهها بتحريف المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بها، وأول تلك الممارسات كانت ممارسة الشيطان الذي أعاد تسمية الشجرة التي نهى الله آدم وحواء عن الأكل منها، بتسميتها “شجرة الخلد” حتى يقعا فيما نُهيا عنه.

وهكذا، عندما نأتي إلى مصطلح الشريعة، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن عند سماع هذه الكلمة أنها مصدر ثابت لا يمكن الحياد عنه أو تغييره. وبالرجوع إلى المعنى اللغوي لهذا المصطلح نجد أنه يعني الطريق العظيم والصراط المستقيم. ولكن هل هذا المبدأ ثابت؟ وهل يمتلك جميع المسلمين شريعة واحدة ذات مرجع مشترك؟

ما جعلني أكتب هذا المقال هو إقحام كلمة الشريعة في أي قرار سياسي أو اقتصادي أو حتى مجتمعي لجعل الناس في أي دولة مسلمة ينساقون لقرار ما دون حتى مناقشته، تحت ذريعة أنه متوافق مع الشريعة. وهذا حال يعكسه التاريخ عن أمم أخرى ليست مسلمة كذلك.

فكم من أمور كانت محرمة يومًا، هي اليوم مباحة ومحللة، ليس سوى خدمة لتوجهات معينة أو رغبة في إحداث تغيير مُعين. ولا أجادل هنا أن الوضع الجديد هو الصواب أو القديم هو الصواب، وإنما أنظر إلى الأمر من منظور التغيير، فعل الشريعة متغيرة؟ أم أننا نُغير منظومتها لتوافق توجهاتنا؟  

ونحن كمسلمين نهتم بمفهوم شريعتنا الإسلامية، ولا تعنينا غيرها، ولهذا فعند التمعن في هذا الأمر نجد جليا أن هناك خلل ما، خلل لابد من الوقوف عليه ووضع النقاط على الحروف كي لا يتم استخدام كلمة (شريعة) في موقع غير لائق وتشويه هذا المصطلح، الأمر الذي يُساءُ فهمه من دول وأشخاص غير مسلمين وتتزعزع قيمة هذه الكلمة العظيمة في معناها والتي نستمد حصانتها من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وألا ننساق إلى ذات المؤامرة في الاستخدام غير الأمثل للمصطلحات ونقع تحت طائلة الإغواء لحق أريد به باطل والعكس.

لذلك، هل من الممكن أن نجد آلية إقليمية أو دولية مسلمة قادرة على تنظيم هذه الأمور وتصويب الأعمال في مسارها الصحيح وتفنيد الممنوع من المرغوب تحت إطار الشريعة الإسلامية بحق، تلك المستمدة حصانتها من القرآن الكريم وليست الشريعة التي يدعيها البعض ويسيسها متى ما أراد؟

قد يكون هذا الأمر مُناطًا بمنظمة التعاون الإسلامي التي تضم في عضويتها 57 دولة مسلمة، وكذلك الحال فيما يخص مجمع الفقه الإسلامي، وهو من المراجع الإقليمية الأكثر أهمية للدول المسلمة..

حتى لا يساء الفهم، أنا فقط أتساءل… بحيث يجب علينا الحفاظ على هذا المصطلح (الشريعة) من التشويه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *