اخبار عمان

نحو مجلس تشريعي رقابي فاعل

 

 

سالم البادي (أبومعن)

 

 

ونحن نعيش هذا اليوم الوطني المبارك من أيام عماننا العزيزة؛ حيث سيختار الشعب العماني أعضاء مجلس الشورى للفترة العاشرة والذي يطمح الشعب من خلاله أن يلبي طموحاته وآماله المستقبلية، وأن يدافع عن حقوقه، ويطور من تشريعاته وقوانينه التي تحقق له المساواة والعدالة الاجتماعية.

إن المرحلة المقبلة من عمر النهضة المتجددة المباركة بقيادة عاهل البلاد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه تحتم وجود مجلس تشريعي رقابي فاعل وبصلاحيات كاملة، والمؤمل منه تطوير وتعديل وتجديد المنظومة التشريعية والرقابية، وعلى ذلك الأساس فإن المواطن العماني يضع كل آماله وطموحاته على هذه الفترة العاشرة من عمر مجلس الشورى.

ومطلوب من الأعضاء المنتخبين أن يكونوا أكثر ثقافة واطلاعًا بما يدور حولهم من متغيرات وتقلبات، وأن يكونوا أكثر قربا من المواطن والمجتمع حتى يكونوا قادرين على تحمل أعباء المسؤولية الملقاة على عاتقهم وهي أمانة ورسالة عظيمة أوكلها إليهم الشعب، وأن يحرصوا على أن تكون لديهم الجرأة والصراحة والتحلي بروح المبادرات الوطنية في طرح ومناقشة التشريعات ومراجعة القوانين، واتخاذ مواقف شجاعة حيال مختلف القضايا التي تهم الوطن والمواطن، والابتعاد كل البعد عن المصالح الشخصية، ومن المهم كذلك تسخير كل الطاقات والإمكانيات والالتزام الواعي بالدفاع عن حقوق الوطن والمواطن.

لقد وُجِد مجلس الشورى من أجل صالح الوطن والمواطن والفكر المستنير وحده القادر على قيادة العمل الوطني وتوجيهه، والعضو الكفء هو الذي يستطيع إيصال صوت المواطن والتعبير عن تطلعاته في شتى المجالات، أما العضو الضعيف فلا يخفى على أي مراقب مدى ضعفه وإفلاسه. كما على المجلس الجديد تذكر أن البلاد تمر بظروف بالغة الصعوبة ومتغيرات إقليمية وعالمية غير مسبوقة، وهو ما يتطلب منه القيام بجهود غير عادية ومتابعة المتغيرات والتقلبات بعيون ثاقبة وأفكار نيرة تمامًا.

ما يطمح له المواطن اليوم هو تشريعات وقوانين وتوصيات واقتراحات ومبادرات بأفكار بناءة من أجل خدمة الوطن والمواطن والحفاظ على المكتسبات والمصلحة الوطنية العليا للبلاد.

وقد ركزت الأهداف الاستراتيجية لأولوية التشريع والقضاء والرقابة في الخطة التنفيذية الأولى لرؤية “عُمان 2040″؛ حيث تضمنت هذه الأهداف نظاما تشريعيا متقدما يقوم على أطر شفافة ومرنة وتأخذ في الاعتبار فصل السلطات لتحقيق سلطة تشريعية مستقلة تتمتع بصلاحيات كاملة، فضلا عن تعزيز الثقافة التشريعية بين المواطنين لزيادة الوعي بالحقوق والواجبات.

وفي منظومة الرقابة اشتملت الأهداف على تعزيز فعالية المنظومة الرقابية وإرساء ثقافة المساءلة والمحاسبة، وتطوير الأدوات الرقابية الحالية والإجراءات والسياسات والتدابير الرقابية التي تعزز من قدرة الحكومة على تعزيز مكافحة الفساد، وتوسيع صلاحيات مجلس الشورى وأجهزة الإعلام، وصولاً إلى منظومة رقابية مستقلة وفاعلة ذات صلاحيات واسعة تعزز الانضباطية في الأداء، وتطوير التشريعات للحماية من تضارب المصالح وحماية المال العام، وتعزز من الشفافية، وتجسد مبادئ سيادة القانون.

وقد اقترحت الخطة التنفيذية الأولى لرؤية “عُمان 2040” سياسات وإجراءات لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لأولوية التشريع والقضاء والرقابة؛ كالآتي:

أولًا: تعزيز كفاءة السلطة التشريعية ووضع معايير واضحة لآليات عملها وربطها بأفضل الممارسات والتجارب العالمية.

ثانيًا: إيجاد نظام رقابي شامل يتضمن مختلف المؤشرات على مستوى القطاعات والمؤسسات الحكومية يمكن من المساءلة ويحدد أدوار الجهات ذات العلاقة.

ثالثًا: تفعيل دور الإعلام بمختلف أنواعه وأشكاله للتوعية بأهمية النزاهة وعوائدها التنموية على السلطنة، ورفع قدرات المجتمع المحلي في مجال معرفة التشريعات المتضمنة حقوق المجتمع وواجباته.

رابعًا: التحول للأنظمة الإلكترونية والذكية في العمليات الإجرائية داخل المنظومة القضائية.

خامسًا: التركيز على إيجاد منظومة إجرائية للتقاضي وحسم النزاع خارج نطاق المحاكم تواكب الممارسات العالمية.

سادسًا: إعداد آلية الإفصاح الدوري حول بيانات ونتائج إنجاز الخطط والاستراتيجيات الوطنية لتكون متاحة للأفراد والمؤسسات وتمكن من المتابعة والتقييم.

سابعًا: تطوير إطار تشاركي لمؤسسات المجتمع المدني للمشاركة في مجال الرقابة.

ثامنًا: تطوير منظومة تعليم وتدريب ذات جودة عاليه للقضاء والقانونيين.

تاسعًا: التركيز على تطوير بيئة العمل التشريعي والقضائي والرقابي.

وتفعيلاً لضرورة سيادة القانون لا بُد أن تعكس المنظومة التشريعية التي تنظم حياة المجتمع وتنظم نشاط أفراده وعمل مؤسساته، وتترجم آماله وطموحاته إلى رؤى واضحة وأن ترتقي بتطلعاته إلى واقع ملموس، بحيث تنقل خطط الحكومة من دائرة الأفكار الطموحة والأطروحات النظرية إلى حيز النفاذ بحيث تجد طريقها للتطبيق العملي.

وحتى تكون المنظومة التشريعية قادرة على أداء هذا الدور بالكفاءة المنشودة، لا بُد أن تواكب حركة المجتمع وديناميكية تطوره، فلا تقف عند نقطة معينة تجاوزتها ظروف الواقع، أو أن تبقى بنُظم وتشريعات لا تغني ولا تسمن من جوع.

وعليه أضحى إصلاح منظومة التشريعات والقوانين والأنظمة واللوائح التنظيمية ضرورة ملحة لا يجب تجاهلها وجعلها تمر مرور الكرام، وبقدر ما يبادر القائمون والمعنيون بالأمر على صناعة التشريع بالاستجابة لهذه الضرورة، بقدر ما يختزلون الزمن والجهد نحو تقدم وطنهم.

أعضاء مجلس الشورى الجديد.. لقد أخذتم على أنفسكم عهدًا أمام السلطان وأمام الشعب منذ ترشحكم للفترة العاشرة بالانحياز الكامل لمصلحة الوطن والمواطن، واليوم نذكركم بما عاهدتم أنفسكم عليه لتستمروا فيما بدأتموه؛ فالشعب العماني ينتظر منكم الكثير والكثير.

يتطلب الأمر منكم في هذه المرحلة المقبلة جهودًا كبيرة ومبادرات حقيقية، وأمامكم جدول أعمال مكثف على كل المستويات، فلديكم أجندة تشريعية تتضمن العديد من التشريعات المهمة التي يتعين عليكم إنجازها بمنتهى الدقة والأمانة حتى تستمر العملية التشريعية التي تلبي احتياجات كل مرحلة، فضلاً عن الدور الرقابي المهم الذي نتطلع أن يتسم بمزيد من التفاعل الجاد والتعايش مع اهتمامات المواطن ومتطلباته، ويرصد أية معوقات تواجه، مع بذل مزيد من الجهود لإيجاد حلول ناجعة لها ومعالجتها بالطرق المناسبة بالتعاون مع مؤسسات الدولة كافة، وبموضوعية تامة حتى يمكن تطبيقها على أرض الواقع.

أخيرًا.. وحتى يصبح لدينا مجلس تشريعي رقابي فاعل وبصلاحيات كاملة، وحتى يتم تحقيق الهدف المنشود من إنشاء مجلس الشورى وهي المساهمة في صنع القرار الوطني القائم على مشاركة المجتمع وتكاملية مؤسسات الدولة، وترجمة اخبار عمان العمانية نحو مجلس فاعل في العمل التشريعي والرقابي، لابُد أن يتمتع المجلس بكامل صلاحياته التشريعية والرقابية التي منحت له، وضُمنت أحكام هذه الصلاحيات في الباب الخامس من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم (6/2021م)، وبموجب قانون مجلس عمان الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم (7/2021م).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *