اخبار عمان

القدس عربية بدماء الشهداء الزكية

حمد الحضرمي **

تُعدُّ القدسُ أو بيت المقدس وهو الاسم القديم لمدينة القدس من أقدم مدن العالم التي شيدها الإنسان، ولها أهمية جغرافية كبيرة من الناحية الاستراتيجية والموقع الفلكي، وتحتل موقعًا جغرافيًا مُهمًا بين المدن والجبال الفلسطينية، وكانت مدينة القدس مدينة السلام والحب والوئام، لأنها مدينة معظمة ولها قدسيتها لدى أتباع الديانات (اليهودية والمسيحية والإسلام)، وتعد بلاد الشام ومنها فلسطين مهبط الوحي ومصلى الأنبياء ومهد الرسالات السماوية، ومن أشهر وأهم المقدسات الإسلامية الموجودة في القدس هي: المسجد الأقصى، والمسجد العُمري، ومسجد قبة الصخرة، وحائط البراق.

وفلسطين هي أرض كنعان وذلك نسبة إلى أول من سكنها كان من الأقوام الكنعانية، كما هاجر سيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجته ساره وابن أخيه لوط صوب أرض فلسطين، واستقر فيها شرقي بيت المقدس، ومارس الدعوة فيها، حتى أطلق على المدينة التي سكنها اسم مدينة الخليل، وهي الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، بدليل قول الله تعالى “وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ” (الأنبياء: 71).

ولأن بيت المقدس من أرض فلسطين أرض مباركة، فقد فكّر المسلمون في فتحها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرغب في فتحها ولكنه توفى قبل أن يحقق غايته، وكذلك سعى خليفة رسول الله ابو بكر الصديق لفتح الشام، وجهز جيشًا وعين عمرو بن العاص قائدًا للجيش لفتح فلسطين، ولكن أثناء الحروب توفي الصديق رضي الله عنه، وتولى الخلافة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستمرت الفتوحات الإسلامية، وأشار الفاروق على أبو عبيدة بن الجراح قائد الجيش الزحف نحو القدس، وحاصرها من جميع الجهات لمدة أربعة أشهر، حتى وافق الروم على دفع الجزية، وسلموا مفاتيح بيت المقدس لسيدنا عمر بن الخطاب دون قتال.

وبعدها نزلت القبائل العربية في القدس واستقرت فيها، وحل الأمن والأمان في ظل حكمهم على مدار العصور، وبقيت تنعم بالخيرات، إلى أن احتُلت عام 492 هجرية على أيدي الصليبيين، وارتكبوا فيها أبشع المجازر في حق المسلمين، وقتلوا لمدة أسبوع كل مسلم وجدوه، ثم تحصن المسلمون داخل أسوار المسجد الأقصى، وحاصرهم الأعداء هناك، وبدأوا يقتلون بالمسلمين حتى فاض المسجد الأقصى بدمائهم، حتى قيل إن عدد القتلى بلغ في صفوف المسلمين أكثر من سبعين ألف شهيد، واستمر سيطرة الصليبيين على القدس حتى عصر القائد صلاح الدين الأيوبي، الذي فتح بيت المقدس وتسلم مفاتيحها في عام 583 هجرية، بعدما قاتل الصليبيين قتالًا شديدًا إلى أن طلبوا من القائد صلاح الدين الأيوبي الصلح والأمان.

إن أرض فلسطين وما حولها قد باركها الله تعالى، فهي بلاد مقدسة، وقد ذكر الله تعالى قدسيتها في القرآن الكريم، وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أشارت الآيات القرآنية الكثيرة إلى فضلها وقدسيتها وبركتها، وللمسجد الأقصى مكانة كبيرة في نفوس المسلمين منذ أن كان قبلتهم الأولى، وهناك ترابط ديني مازال حيًا بين مكة والقدس، والمسجد الحرام والمسجد الأقصى، ألا وهو مسجد القبلتين بالمدينة المنورة، وستبقى هوية المسجد الأقصى إسلامية، وما الادعاءات الصهيونية بملكية فلسطين والمسجد الأقصى المبارك، إلا مجرد افتراءات وأكاذيب باطلة لا أصل ولا صحة لها.

ومنذ قرن من الزمان وأكثر وفلسطين محتلة من الإنجليز الذين سلموها في عام 1948م إلى الصهاينة، وأصبح المسجد الأقصى أسير في أيديهم القذرة، وهدم الصهاينة البيوت على ساكنيها من الفلسطينيين، وشردوا أهلها، وقتلوا شعبها، وهجروا عوائلها، ورغم مجازر الصهاينة المستمرة من أكثر من شهر في قطاع غزة، وفعلوا في أهلها ما فعله من قبلهم الصليبيين من القتل بالمسلمين بلا رحمة، والصهاينة أفعالهم ليست أفعال بشر، فهم حاقدين حاسدين على الإسلام والمسلمين، وستظل محاولاتهم بائسة ومخططاتهم الصهيونية فاشلة، ولن يتمكنوا من طمس آثار وهوية وقدسية بيت المقدس وفلسطين، وستبقى القدس عربية بدماء الشهداء الزكية.

** محامٍ ومستشار قانوني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *