اخبار عمان

.. ورحل أمير التواضع | جريدة الرؤية العمانية

 

سلطان بن ناصر القاسمي

في يوم عزيز على قلوب الكثيرين، احتضنت السماء حزنًا عميقًا، ففقدت الكويت والعالم رمزًا للتواضع والرحمة، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أميرًا للإنسانية والعطاء؛ ففي رحيله، انطلقت ذكريات تاريخية تحمل بصمات البساطة والتفاني، فكان أميرًا يختزن في وجوده النقاء والتسامح.

رحيل الأمير الذي جسّد التواضع، ليس مجرد فقدان لشخصية سامية، بل خسارة لعالم يحتاج إلى مثله من الرموز الإنسانية.، حيث كانت حياته مليئة بالتفاني والعطاء، وعاش وسط شعبه دومًا، محافظًا على قيم البساطة والعفوية.

لا يُنسى تفانيه في خدمة بلاده، فقد سطّر تاريخًا من الإنجازات والتضحيات، قاد خلاله مسيرة الكويت بحكمة وحنكة، يتجاوز فيها العقبات بروح الهدوء والصبر. كان قائدًا عظيمًا في زمن التحديات، ملهمًا بتواضعه الذي لم يعترف بحدود بين العظمة والبساطة.

رحيله يعني فقدانًا لمنارة التواضع والإنسانية، حيث كان دائمًا يشع الرحمة والعفو، ويقدم الآخرين قبل نفسه، ويُظهر حسّه العميق تجاه الضعفاء والمحتاجين، فمن خلال متابعتي لإحدى مقابلات الراحل، طُلب منه التحدث عما يُثير غضبه ويزعجه، برحمته وتواضعه الفائق، أجاب بأنه يشعر بالحزن الشديد عندما يرى مسنًا محتاجًا أو طفلًا يعاني دون أن يكون لديه علم بسبب معاناتهم. هذا الجانب الإنساني للأمير يُظهر مدى تواضعه وحسه العميق للرعاية والاهتمام بالآخرين. وأوضح الناشط الاجتماعي والرحالة محمد الميموني، الذي عرف الراحل جيدًا، أنه كان يعيش في منزل عادي بدلًا من قصر الرئاسة، مما أكسبه تواجده بين شعبه وجيرانه، ولم يكن يحاط بالعسكر والسلاح والمواكب بل كان يدير أموره بنفسه. رحيله يعني فقدان رائد للتواضع والإنسانية، حيث يشهد الجميع بأنه كان رمزًا للتدين والتواضع والتعامل الحسن مع الآخرين، إنه الأمير الذي كان يحمل في كل جوانب حياته صفات النبل والإنسانية.

رحل أمير التواضع، حاملًا في طياته النقاء والتسامح، حيث إنه لم يكن يعتبر المناصب أو الأعمال همه الشاغل، فظل ملتزمًا بصلاته في المسجد القريب من منزله، محافظًا على قراءة القرآن، حتى بعد أن تولى مسؤولية حكم دولة الكويت. ظل الأمير البسيط والإنسان بين أهله وجيرانه، وبعد رحيله ترك وراءه مصحفه وزاوية جلوسه، فأصبح ذلك المكان مكانًا يسوده الحزن، رحمه الله، فقد كان أميرًا متواضعًا في كل تصرفاته وأفعاله.

رحل الأمير المتواضع،  بعد مسيرة حافلة بالتضحية والإنجازات التي استمرت لمدة 86 عامًا؛ حيث وُلد في عام 1937 كخامس أبناء الشيخ أحمد الجابر الصباح، وبدأ مسيرته الدراسية في مدارس الكويت حتى إكماله المرحلة الثانوية.

كما إن تاريخه السياسي مليء بالبذل والتضحية من أجل رفعة بلاده ورفاه شعبه، حيث قاد دولة الكويت لثلاث سنوات ونجح خلالها في حل العديد من القضايا الداخلية ومحاربة الفساد. شهدت مسيرته المزيد من التفوق حيث شغل مناصب متعددة، فكان وليًا للعهد في عام 2006، وشغل منصب النائب الأول لمجلس الوزراء ووزير الداخلية ونائب رئيس الحرس الوطني. وعُيّن أيضًا حاكمًا لمحافظة حولي عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره، ونجح في تحويلها من قرية إلى مدينة حضارية وتجارية نابضة بالحياة.

ومن أبرز أدواره، تولِّي وزارة الدفاع خلال غزو القوات العراقية بقيادة صدام حسين للكويت في عام 1990، وبعدها تولَّى وزارة الداخلية ومنصب نائب رئيس الوزراء لمكافحة الإرهاب. وقد تميَّز بأسلوبه الهادئ والمتكتم الذي سمح له بمواصلة دوره في عزمه على تجاوز الأزمات السياسية المتكررة التي شهدتها الكويت.

كما قام الأمير الراحل على تعزيز الروابط العميقة بين عُمان والكويت التي استمرت لعدة عقود، مما أدى إلى شعور المواطنين في البلدين بالتلاحم والتآخي. وعلى إثر وفاة صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أعلن ديوان البلاط السلطاني بأوامر سامية من جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم فترة الحداد الرسمي وتعليق العمل في القطاعين الحكومي والخاص لثلاثة أيام. نسأل الله أن يتغمد الأمير الفاضل بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

رحيله يتركنا بحزن عميق، ولكن تراثه الإنساني والقيم السامية التي عاشها ونشرها تظل مصدر إلهام لنا جميعًا. إنه وريث التواضع، الذي لم تغيره السلطة أو المناصب؛ بل ظل الإنسان البسيط الذي يُلقي بثقله على قيم الخير والعطاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *