اخبار عمان

القتيل الذي أصبح قاتلًا | جريدة الرؤية العمانية

 

 

صالح الحارثي **

 

هناك نكتة سياسية تقول إنَّ جنديا مُكلّفًا بمراقبة الحظرٍ الليلي على المدينة، قتل أحد المارة، فقال له زميله الذي معه، لمَ أطلقت عليه النار ووقت الحظر لم يدخل بعد، فردَّ عليه، أعرِفُ بيت هذا الرجل جيدًا، إنِّه بعيد، ولا يمكنه الوصول إليه قبل بدء الحظر!

هذا التصرف الاستحماري الأرعن يقود إلى فكر استعماري آخر أرعن منه عبّر عنه الجندي الصهيوني العجوز عزرا ياشين، حين قال “إذا كان لديك جار عربي فلا تنتظر حتى يأتي إليك في منزلك، ادخل منزله وأطلق النار عليه حتى لو كان طفلًا لأنَّ ذلك الطفل سيكبر ويقتلك”.

إنَّ أفكار حاقدة ومسمومة كهذه لا تخرج من أفواهٍ ذاقت مرارة الإبادة، ولكنها للأسف زادت على جلاديها في القتل وسفك الدماء تحرق الأخضر واليابس من أجل التوسع ولا يردعها في ذلك رادع، بل وتجد هناك مَن يؤازرها ويمدها بالمال والسلاح في تصرفٍ مريبٍ ومشكوك فيه.

ولا تخلو الخطابات الأخرى المشابهة للمسؤولين الإسرائيليين من رأس السلطة حتى أدناها من مثل هذا التصرف البربري؛ بل جاءتْ جميعها لتُعبِّر عن النية المبيّتة والخطط الممنهجة في إبادة الشعب الفلسطيني عن بكرة أبيه واحتلال أرضه دون احترام لقيمة النفس البشرية ودون حساب للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

يستشهد بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنصٍ مُحرّف من الكتاب المقدس يستخدمه الإسرائيليون لإعطاء الحق لأنفسهم في تبرير القتل، يقول النص “اذهبوا الآن واضربوا “عماليق” ودمروا كل ما لديهم ولا تعفوا عنهم بل اقتلوا الرجال والنساء والأطفال والرضع والأبقار والأغنام والجِمال والحمير”، ومثله يرى الرئيس الإسرائيلي أن المدنيين أهداف مشروعة في الحرب!

أما دان جيلرمان المندوب الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة فقد أبدى اندهاشه من الاهتمام العالمي المتصاعد تجاه الشعب الفلسطيني وهو في الواقع كما يقول اتجاهٌ يُظهره نحو هذه الحيوانات الفظيعة التي ارتكبت أسوأ الفظائع التي شهدها هذا القرن، وهو ما يتفق وتصريح يوآف جالانت وزير الدفاع الإسرائيلي الذي أمر بقطع الماء والغذاء والكهرباء عن الفلسطينيين لأنه يقاتل “حيوانات بشرية” على حد وصفه الكريه ويزيد عليه في ذلك الأكاديمي اليهودي مردخاي الذي يرى أن في هذا الوصف تحقيرًا للحيوانات!

ولأن حماس ليست هدفًا؛ بل وسيلة، فقد عبّر بوضوح عن هذه الغاية جيورا آيلاند الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي حين قال “إن خلق أزمة إنسانية حادة في غزة هو وسيلة ضرورية لتحقيق هذا الهدف”.

أما وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو فقد ذهب إلى أبعد من ذلك عندما طالب بالقاء قنبلة نووية على الفلسطينيين، فيما يشبه الإبادة الجماعية التي تعرضت لها كل من ناجازاكي وهيروشيما اليابانيتين نتيجة القنبلة النووية التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية عليهما.

وتأتي الإشارة إلى عماليق أو “Amalik” وهي دولة منافسة لإسرائيل القديمة، ضمن الكثير من التعابير والتصريحات العنيفة المحرضة على الكراهية والقتل وسفك الدماء التي وردت على لسان العديد من كبار المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية والتي تذكرنا بحادثة المتطرف اليهودي باروخ غولدشتاين الذي قاد في العام 1994 مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل وقتل 29 فلسطينيًا كانوا يصلون قبل أن ينقض عليه آخرون فيقتلوه وأصبح قبره فيما بعد مكانا مقدسا لليمين اليهودي المتطرف.

تحتضن الولايات المتحدة الأمريكية “الراعي الرسمي للتحريض والإبادة الجماعية في غزة” في أراضيها متحف “الهولوكوست” الخاص بإحياء ذكرى ملايين اليهود وغيرهم من الضحايا الذين تعرضوا للإبادة حول العالم، ومنع حدوث الإبادات الجماعية، والتصدي للكراهية، أو ما يعرف بمعاداة السامية سواءً بالممارسات اللفظية أو المادية الموجهة ضد اليهود أو غير اليهود.

وحيث إنَّ من مُسلّمات التصدي للإبادة هو منع الأفعال والأقوال المؤدية إليها، ومن باب المسؤولية الدولية، فقد كان الأولى بالولايات المتحدة وحلفائها أن لا ينجروا إلى هذه الحرب الملعونة لكن هذا ما لم تفعله واشنطن بل وللأسف الشديد أصبحت هي أحد أطرافها الرئيسيين بالتصريح والتسليح والتلويح بالحرب ضد أي تدخلات خارجية تحاول أن تردع إسرائيل.

إن تصريحات كهذه كان يجب أن لا تخرج من مسؤولين يرون في السلام طريقا وخيارًا استراتيجيا، كما يجب أن لا تمر أقوال المسؤولين الإسرائيليين وأفعالهم مرور الكرام على ضمير العالم وإنسانيته الحيَّة.

أخيرًا.. وكما نجحت رواندا في استصدار قرار أممي يخلد ذكرى المذابح الأليمة التي تعرضت لها عام 1993، يجب على الدول العربية كذلك أن تطالب بالشيء نفسه، ويمكن البدء بيومٍ عربيِ لتخليد ذكرى المذابح الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، إلا إذا كان هذا الأمر يحتاج أيضاً إلى أخذ موافقة البيت الأبيض!

** سفير سابق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *