اخبار عمان

إدمان المُخدرات.. الانزلاق إلى غياهب الوهم الزائف وسلوك طريق الهلاك

◄ مدير عام مكافحة المخدرات: نكتشف يوميًا أساليب جديدة تلجأ لها عصابات التهريب

◄ التهريب عبر البحر الأكثر شيوعًا في نقل كميات ضخمة من المخدرات

◄ شرطة عُمان السلطانية تتصدى لكل من تسول له نفسه ترويج السموم

◄ التصدي لظاهرة المخدرات واجب وطني.. وأولياء الأمور مطالبون بتكثيف متابعة أبنائهم

◄ القانون لا يُعاقب الراغب في التعافي من الإدمان

التعامل مع 122 حالة إدمان منذ إطلاق برنامج “تكيُّف” للرعاية اللاحقة للمتعافين من الإدمان

الإدمان وراء زيادة جرائم السرقة والسطو ومرض التهاب الكبد الوبائي

المخيني: المخدرات وباء كل العصور يفتك بالمجتمعات المُنتجة والمُستهلكة للسموم

428 قضية مخدرات مُحالة إلى الادعاء العام بنهاية يونيو الماضي

عقوبة تهريب المخدرات والمؤثرات العقلية تصل إلى الإعدام

◄ القانون يُجيز للمحكمة إيداع المُدان بالإدمان مصحة علاجية بدلًا من العقوبة السجنية

تحذيرات من تناول مُنشطات ذهنية أو مُخفضات للوزن أو علاج الاكتئاب لأنها في حُكم المخدرات

التبغ غير المُدخّن البوابة الأولى لتعاطي المخدرات

المعولية: إجازات الفراغ الطويلة بيئة خصبة لإدمان المراهقين وهم الفئة الأشد عُرضة للخطر

 

اخبار عمان فيصل السعدي

 

لم تعد خطورة إدمان المخدرات، تقتصر على ما تُسببه من تهديدات على صحة المُدمنين؛ بل وصل الأمر إلى الإضرار الشامل الذي يمتد إلى كامل المنظومة الحياتية؛ سواءً في محيط أسرة المُدمن ومجتمعه، أو النظام الاقتصادي الذي يتعرض لاستنزاف مالي في صورة مبالغ طائلة يجنيها تُجار الموت مقابل حصول المُدمن على وهم زائف بالمتعة والنشوة، التي في حقيقتها طريقه إلى الهلاك وربما الموت… هذا إلى جانب مخاطر استراتيجية تتمثل في تهديد أجيال بأكملها وتغييب الوعي والمعرفة لدى فئة تمثل كتلة حرجة في البنيان الاجتماعي لأي بلد.

وبحسب الإحصاءات التي حصلت عليها “اخبار عمان” من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فهناك 2994 جريمة مخدرات مسجلة في سلطنة عُمان خلال عام 2022، منها 2115 جريمة مخدرات ارتكبها عمانيون، و879 جريمة ارتكبها وافدون.

وقضية المخدرات واحدة من أعقد القضايا في العالم؛ إذ لا تتوقف جهود المكافحة على الجهات الشرطية والأمنية وحسب؛ بل يتطلب الأمر تضافر جهود مختلف الجهات، من الشرطة والمؤسسات التربوية، والأسرة، والمؤسسات الدينية والإعلامية وغيرها.

 

طرف الخيط!

ويبدأ طرف خيط هذه القضية من إدارة مكافحة المخدرات؛ إذ يُشير العقيد سعيد بن سالم المعولي مساعد مدير عام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية إلى أن أساليب تهريب المخدرات والمؤثرات العقلية متنوعة ومختلفة حسب إمكانيات المهربين وعاداتهم ونوع المخدر وحجمه، موضحًا أن عصابات التهريب تلجأ إلى أساليب عديدة للتحايل على أجهزة المكافحة التي تكتشف يومًا بعد يوم أسلوبًا جديدًا في التهريب.



 

ويقول المعولي في تصريحات خاصة لـ”اخبار عمان” إن هناك التهريب الفردي الذي يَستخدم فيه المُهرب جسده أو ملابسه أو متعلقاته الشخصية في عملية التهريب للكميات البسيطة، وتطوّرت هذه الوسيلة من خلال التهريب عن طريق ابتلاع المُخدِّر في الأحشاء وبكميات تصل إلى مئات الكبسولات. ويضيف أن هناك التهريب البري الذي يستخدم فيه المهرِّبون المركبات والدواب لنقل المواد المخدرة عبر الحدود البرية، إضافة إلى التهريب عن طريق الجو وعبر المطارات لنقل المواد المخدرة من مكان إلى آخر بسرعة كبيرة، أما التهريب عن طريق البحر فهو الأكثر انتشارًا؛ حيث يتم بواسطته نقل كميات ضخمة.

ويؤكد المعولي أن شرطة عمان السلطانية ممثلة في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وبالتعاون مع مختلف الجهات المعنية والأجهزة الأمنية في الدول الأخرى تبذل جهودًا كبيرة في التصدي لكل من تسول له نفسه ترويج هذه السموم، وقد تمكنت من ضبط مجموعة كبيرة من القضايا النوعية في مختلف المنافذ البرية والجوية والبحرية، وإحباط العديد من محاولات التهريب وضبط مرتكبي هذه الجرائم والمتعاونين معهم وتقديمهم للعدالة.

التصدي للظاهرة

ويسلط المعولي الضوء على الجهود الحثيثة لشرطة عمان السلطانية في توعية الشباب والنشء بمخاطر المخدرات، موضحًا أن التوعية تعد أحد أبرز المرتكزات التي تستند عليها الدولة لمكافحة خطر المخدرات والمؤثرات العقلية في المجتمع؛ إذ أولت شرطة عمان السلطانية ممثلة بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية اهتمامًا كبيرًا بهذا الجانب؛ بهدف تشجيع أفراد المجتمع على القيام بدورهم في حماية مجتمعهم والتصدي للمخدرات بالتعاون مع الجهات الأمنية؛ وذلك من خلال سرعة الإبلاغ عن هذه الجرائم. ويذكر المعولي أن الهدف الوقائي يتمثل في تعريف المجتمع بحجم مشكلة المخدرات وأبعادها والأساليب الحديثة التي تستخدم في عمليات الترويج وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي حتى لا يكونوا ضحايا لهذه الآفة إضافة إلى تشجيع المدمنين للتقدم بطلب العلاج والعودة إلى المجتمع كأفراد صالحين وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي يروجها تجار هذه السموم لدى أفراد المجتمع خاصة فئة الشباب ورفع روح المسؤولية لدى أفراد المجتمع تجاه الوطن للمحافظة على أمنه واستقراره.

ويلفت المعولي إلى أن الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية تنفذ العديد من البرامج والندوات والمحاضرات والمعارض التوعوية في كافة محافظات سلطنة عُمان بالتعاون مع مختلف الجهات العامة والخاصة لتوعية أفراد المجتمع بأضرار هذه الآفة وتعزيز مبدأ الشراكة المجتمعية لتوحيد الجهود لمكافحة ظاهرة المخدرات.

ويشدد العقيد سعيد بن سالم المعولي مساعد مدير عام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية على أن التصدي لظاهرة المخدرات واجبٌ وطنيٌ وعلى الجميع التعاون مع شرطة عمان السلطانية من خلال سرعة الإبلاغ عن أية جريمة من جرائم المخدرات للإدارة العامة أو إداراتها التخصصية في المحافظات الجغرافية أو مراكز الشرطة أو الاتصال بالخط الساخن على الرقم 1444. كما يجب على أولياء الأمور متابعة أبنائهم ومراجعة سلوكياتهم لملاحظة أية أعراض غريبة، ويجب على الأسرة والمجتمع الوقوف مع الشخص المدمن والتعامل معه بطريقة صحيحة للتعافي من الإدمان والعودة إلى المجتمع كفرد صالح لحمايتهم من العودة إلى براثن الإدمان.

وينصح المعولي كل من وقع ضحية لآفة المخدرات أن يُسرع في طلب العلاج من الإدمان من الجهات المختصة، حيث إن المشرّع يحمي قانونًا كل من بادر من تلقاء نفسه أو بطلب من زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية بأن لا تقوم ضده الدعوى الجزائية، وهو ما نص عليه المشرع في المادة (51) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية “مع عدم الإخلال بحكم المادة (46) من هذا القانون لا تُقام الدعوى الجزائية على من تقدم من متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إلى السلطات العامة للعلاج في المصحة من تلقاء نفسه أو بطلب من زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الثانية، ولا يشمل ذلك من ضبط يتعاطى المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو حركت عليه الدعوى الجزائية بهذه الجريمة”.

آفة خطيرة

وبالتوازي مع الجهود الشرطية والأمنية، تتجلى أهمية الدور التوعوي والاجتماعي، في محاربة المخدرات، ويقول الدكتور جلال بن يوسف بن جمعة المخيني مدير دائرة الإرشاد والاستشارات الأسرية بوزارة التنمية الاجتماعية إن الوزارة تبذل جهودًا كبيرة للتصدي لهذه الآفة الخطيرة من خلال العديد من البرامج الوطنية لإعادة التأهيل الاجتماعي للمُتعافين من إدمان المخدرات وأسرهم، مشيرًا إلى برنامج “تكيُّف” الذي يُعد أحد البرامج الوطنية التي تتبناها الوزارة بالتعاون مع لجنة الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية. ويوضح المخيني أن البرنامج يقوم على تقديم الرعاية اللاحقة للمتعافين من الإدمان الناتج عن تناول المخدرات والمؤثرات العقلية بعد خروجهم من مراكز العلاج بهدف إعادة هذه الحالات إلى وضعها الطبيعي من خلال ما يقدم لها من برامج رعائية وتنموية وتأهيلية وجعلها تتكيف في محيطها الاجتماعي والأسري لتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي.

3 د. جلال المخيني.jpg

 

ويضيف المخيني أن “تكيُّف” قائم على إعادة دمج حالات المتعافين من إدمان المخدرات والمؤثرات العقلية إلى المجتمع وتقديم الرعاية اللاحقة لهم التي تساعدهم في الاستقرار النفسي والاجتماعي والمعيشي وذلك من خلال البرامج التنموية الهادفة إلى إعادة واندماج تلك الحالات إلى وضعها الطبيعي وتمكينها من المشاركة في أنشطة المجتمع.

ويمضي المخيني قائلًا إنَّ المختصين في البرنامج يعكفون على تقديم التوعوية الوقائية بكافة أشكالها، من خلال البرامج المتنوعة التي تقدم لجميع شرائح المجتمع، والندوات والمشاركات في المناسبات ذات العلاقة بمثل هذا الموضوع إضافة إلى الشق الإعلامي؛ حيث قدمت الوزارة عددًا من البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تعنى بفئة المتعافين من إدمان المخدرات والمؤثرات العقلية وبرامج الرعاية اللاحقة التي تقدم لهم ولأسرهم، علاوة على توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في نشر التوعوية الوقائية والعلاجية لهذه الفئة من المجتمع وأسرهم.

ويُشير المخيني إلى أن الوزارة تعاملت منذ انطلاق البرنامج في عام 2016 وإلى الآن مع ما يقرب من 122 حالة إدمان، لافتًا إلى أن خطورة الإدمان ترتكز في مساسه بالمجتمع في جميع أطيافه؛ حيث أدى انتشار الإدمان والتعاطي إلى زيادة جرائم السطو والسرقة وزيادة الأمراض التي تنتشر بسبب التعاطي كمرض الكبد الوبائي إضافة لذلك الجرائم التي ترتكب تحت تأثير تناول المواد المخدرة. ويُضيف المخيني أنه لا يوجد مجتمع بعيد عن التعرض لهذه الظاهرة وأضرارها السلبية؛ سواءً أكان مجتمعًا مُنتجًا ومُصنعًا لهذه المخدرات والمؤثرات العقلية أو مُستهلكًا لها؛ لأن مخاطر المخدرات وباءٌ من أوبئة العصر سريع الفتك والانتشار.

صور تعبيرية للمخدرات (3).jpg

 

ويزيد المخيني أنه من الملاحظ أن البداية العمرية لتعاطي المخدرات تكون بين سن 16 و17 عامًا، وتبلُغ متوسطات أقل بالنسبة لتعاطي الحشيش مقارنة مع الكوكايين والهروين في بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة، وإسبانيا، وفرنسا، وأستراليا، بينما يصل المتوسط العُمري بين 19 و22 سنة بالنسبة الكوكايين والهروين. ويرى المخيني أن مشكلة تعاطي المخدرات غالبًا ما تبدأ أثناء فترة المراهقة، وتزداد مع التقدم في العمر، وتكون البداية عادة بتدخين السجائر أو شرب الكحوليات، ثم تعاطي الماريجوانا، وفيما بعد تعاطي المخدرات الأشد خطورة مثل الهروين.

ويوضح أن هذه المشكلة تنتشر بين الذكور بمقدار 4 أضعاف انتشارها بين الإناث، لافتًا إلى أن تعاطي المخدرات يرتبط مع عوامل خطورة واسعة على جميع الأصعدة؛ مثل: التسرب من التعليم، وتفكك العلاقات الأسرية، وانخفاض مستوى الدخل، والانحراف، والعنف، والأمراض النفسية، والمشكلات الصحية. ويوضح المخيني أن البعض يلجأ إلى تعاطي المخدرات للهروب من ضغوط الحياة، وتخفيض مشاعر القلق الناشئة عن تلك الضغوط، وقد يؤدي الأمر إلى أن تنشأ لدى الفرد حالة من الاعتماد تسهم في إحداث آثار بدنية ونفسية سلبية خطيرة.

دراسات وبحوث

وتشير الدراسات التتابعية في كلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، إلى ارتفاع نسبة الوفيات بين المدمنين من فئة الشباب، وفي حالة عدم حدوث الوفاة، يتعرض المدمن لتلف دماغي دائم. ويوضح المخيني أنه لا يمكن الجزم بأن أيًا من مجتمعات العالم في مأمن من مشكلة الإدمان على المخدرات والمؤثرات العقلية، وهي الظاهرة التي أصبحت تُهدد أمن العديد من دول العالم وسلامتها، ويُعرضها لخطر ضياع عدد كبير من شبابها وشاباتها الذين غالبًا ما تنتهي رحلتهم مع الإدمان بالمرض، أو التشرد، أو الوهن والموت.

ويؤكد المخيني أن تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية بين طلبة الجامعات والمعاهد والكليات أضحى مشكلة حقيقية واضحة المعالم، وأصبحت تسيطر على المجتمعات، وتتسبب في تدمير الأفراد والجماعات. ويشير المخيني إلى دراسات عديدة سلطت الضوء على أن مشكلة إدمان المخدرات، ألقت بظلالها القاتمة على المجتمعات منذ ستينيات القرن الماضي، وتطورت في السبعينيات والثمانينيات، وظهرت بوجهها القبيح في التسعينيات. ويوضح أن مشكلة المخدرات تشهد تفاقمًا كبيرًا في الدول النامية والفقيرة؛ حيث تؤدي إلى أزمات الفقر المزمنة، وانتشار البطالة، وعمالة الأطفال العشوائية، والانهيار الأسري، عوضًا عن مشكلات أكثر خطورة، منها ظاهرة التشرد وأطفال الشوارع. ويقول: “وُجِد في هندوراس (وهي من البلدان الفقيرة) أن أطفال الشوارع يتورطون في مشاكل مستمرة مع الشرطة، ويتم استغلالهم في أنشطة جنسية، ويتعاطون المخدرات إلى درجة استنشاق الغراء، وأن 4 من كل 10 أطفال يتعاطون الخمور في المناسبات، في حين أن 6 من 10 يدخنون، وواحد من كل خمسة يتعاطون الحشيش.

صور تعبيرية للمخدرات (2).jpg

 

ويؤكد المخيني أن الأفراد الذين يُعانون من اضطرابات داخلية، وضغوطات خارجية، يتعاطون المخدرات، وبما أنّ مشكلة المخدرات والمؤثرات العقلية من أكثر المشكلات الاجتماعية خطورة، ولها تأثير قوي على تقدم مجتمع كمًا وكيفًا، وبما أنها تستنفذ معظم الطاقات الفرد والمجتمع وإمكانياتهما، فقد نالت اهتمام الباحثين والهيئات العالمية والإقليمية، ورصدت الأموال وخصصت العقول لدراستها، لمحاولة الوصول إلى حل للحد من انتشارها والسيطرة عليها.

قضايا المُخدرات

ويكشف يوسف بن أحمد النقبي رئيس ادعاء عام، مدير دائرة قضايا المخدرات والاتّجار بالبشر في تصريح خاص لـ”اخبار عمان” عن وجود 428 قضية مُحالة إلى الادعاء العام حتى نهاية شهر يونيو 2023، منها 262 جنحة، و158 جناية.

2 يوسف بن أحمد النقبي.jfif

 

ويقول النقبي إن العقوبات في جرائم المخدرات تختلف حسب نوع الجريمة المرتكبة؛ فعقوبة تعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية تختلف عن عقوبة الاتجار بالمواد المخدرة ، كما تختلف عن عقوبة تهريب المواد المخدرة والمؤثرات العقلية. ويُضيف أنه يُعاقب بالإعدام من يقوم بتهريب المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو محاولة تهريبها؛ سواءً كان بجلبها الى أراضي السلطنة أو بإخراجها الى دولة أخرى، ويعاقب بذات العقوبة من يستخدم قاصرًا أو فاقد الأهلية في استيراد أو تصدير أو إنتاج أو زرع مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية بقصد الاتجار بها، كما يُعاقب بالعقوبة ذاتها من يقوم بالاشتراك في إحدى العصابات الدولية لتهريب المواد المخدرة او المؤثرات العقلية أو يعمل لحسابها أو يتعاون معها. ويُتابع النقبي أنه يعاقب بالإعدام أو السجن المطلق وبغرامة لا تقل عن 25 ألف ريال ولا تزيد عن 50 ألف ريال كل من استورد أو صدر أو أنتج أو صنع مواد مخدرة أو مؤثرات عقلية أو زرع نباتات أو استوردها بقصد الإتجار بها، ويعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن 10 سنوات والغرامة لا تزيد عن 25 ألف ريال عماني، كل من يقوم بالاتجار أو الترويج للمواد المخدرة أو المؤثرات العقلية في غير الأحوال المرخصة قانونًا، كما عاقب بذات العقوبة لمن يقوم بنقل المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من مكان لآخر بداخل السلطنة، وتُشدد العقوبة إلى السجن المُطلق إذا ارتكبت جريمة الاتجار في دور التعليم أو مرافقها الخدمية أو في مؤسسة ثقافية أو رياضية أو إصلاحية أو في دور العبادة أو المعسكرات أو السجون أو أماكن الحبس الاحتياطي. ويمضي النقبي موضحًا نوع العقوبات، قائلًا إنه يُعاقب كل من يتعاطى المواد المخدرة او المؤثرات العقلية أو يحوزها بقصد التعاطي بالسجن لمدة تصل الى 3 سنوات والغرامة تصل الى 3 آلاف ريال عماني، كما إن العقوبة تضاعف في حال العود، كما تسري أحكام العود للأحكام القضائية الأجنبية الصادرة بالإدانة في جنايات المخدرات.

ويُشدد النقبي على أن المُشرِّع العُماني حرص على ضمان السرية التامة للأشخاص المُتقدمين للعلاج والتعافي من الإدمان، حفاظًا على سمعتهم في المجتمع، وأفرد نصًا تجريميًا خاصًا لمن يقوم بإفشاء سر أُطلع عليه بحكم عمله بالعقوبة السجنية التي تصل لمدة سنة والغرامة التي تصل الى 500 ريال، وفقًا لنص المادة (52) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، كما إن المادة (47) من القانون ذاته أجازت للمحكمة أن تأمر بإيداع من يثبت إدمانه تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إحدى المصحات بدلًا من توقيع العقوبة.

ويُشير النقبي إلى أن سلطنة عمان بذلت العديد من الجهود من أجل التصدي لجرائم المخدرات، ومن أبرزها: انضمام سلطنة عمان الى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية لسنة 1988 المصادق عليها بالمرسوم السلطاني رقم (29/ 1991)، وانضمامها الى الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية المصادق عليها بالمرسوم السلطاني رقم (64/ 1995)، وكذلك انضمامها لاتفاقية الرياض للتعاون القضائي، إلى جانب إصدار قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بالمرسوم السلطاني رقم (17/ 99) وإجراء التحديثات اللازمة، وكذلك تشكيل لجنة وطنية لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية، والتي تتشكل من عدة جهات تُعنى باقتراح السياسة الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ووضع الخطط الوقائية والعلاجية واقتراح العديد من القوانين، فضلًا عن قيام الجهات المختصة بمُلاحقة المجرمين والقبض عليهم واحالتهم الى الجهات القضائية وإصدار أحكام بإدانتهم، وتنفيذ حملات توعية لمختلف شرائح المجتمع بما فيهم طلاب المدارس والجامعات والكليات، وتخصيص خط ساخن بالرقم (1444)، إضافة الى خط الطوارئ العام (9999)؛ للإبلاغ عن أي حالات اشتباه في تهريب او الاتجار أو تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، وتوفير مصحات علاجية عن الإدمان، والتعاون الدولي لتتبع العصابات الدولية والقبض عليها.

ويوضح النقبي أن الادعاء العام يعمل على التنسيق في العديد من القضايا مع الدول الأخرى عن طريق المساعدات القضائية؛ لضبط الشبكات الاجرامية وتتبع العصابات الدولية التي تقوم بتهريب المواد المخدرة والمؤثرات العقلية وكذلك تتبع الأموال الناتجة من عمليات غسل الأموال من جراء المتاجرة بالمواد المخدرة.

وينصح النقبي كافة أولياء الأمور بضرورة متابعة الأبناء، وغرس القيم الحميدة في النشئ، والإبتعاد عن أقران السوء، وتوعيتهم بمخاطر الإدمان وبيان عواقبه الصحية والنفسية والجنائية، وتسليط الضوء على العقوبات، وحثهم على عدم الانصياع الى تجربة أي عقاقير او مواد غير معروفة خصوصا في المدارس والجامعات والكليات؛ باعتبار أن الأسرة هي المحيط الآمن للأبناء، وهي الأساس في صبغ سلوكهم. ويحذر النقبي أبناء المجتمع من انتشار استخدام بعض المواد بحُجة أنها مُنشِّط ذهني أو مُخفِّض للوزن أو لبناء الأجسام أو لعلاج الاكتئاب، مُشددًا على أن كل هذه الأمور ليست سوى أساليب احتيالية لإيقاع الشباب في فخ المخدرات، إضافة إلى استخدام مشتقات التبغ غير المدخن الذي قد يكون البوابة الأولى للتعاطي.

وكشفت الدكتورة أصيلة الزعابية رئيسة قسم الإدمان بمستشفى المسرة أن أكثر أنواع الإدمان شيوعًا في السلطنة هو إدمان الأفيونات، مثل المورفين، وكذلك إدمان المنشطات كمخدر الكاريستال ميث والكحول، إضافة إلى إدمان الحشيش”.

العلاج النفسي

يُمثل العلاج النفسي وإعادة تأهيل المتعافين من الإدمان، أهمية كُبرى؛ فالأمر لا يقتصر وحسب على محاربة الآفة أمنيًا واجتماعيًا، خاصة وأن المُتعافين عادةً ما يمرون بأوقات عصيبة تتطلب التدخل النفسي من أجل إعادة ترميم المُتعافي، جسديًا وذهنيًا. وتستهل مروى بنت حسام المعولي أخصائية نفسية بوحدة الإدمان مستشفى المسرة حديثها عن قضية الإدمان بتشخيص دقيق، وتقول إن سهولة الولوج إلى شبكات التواصل الاجتماعي ساعد بشدة في انتشار حالات ترويج المخدرات ومن ثم الإدمان؛ نظرًا لأنه لا يخلو منزل من جهاز ذكي في متناول مختلف الفئات العُمرية، بدايةً من الهاتف وانتهاء بالتلفاز الذكي. وتُضيف أن شبكات التواصل متاحة لجميع الفئات العمرية ويمكن إنشاء حساب عليها بسهولة، مُحذرة من مغبة ترك الأطفال يُنشؤون حسابات على مواقع وتطبيقات الإنترنت المُختلفة، خاصة وأن الطفل بطبيعته فضولي، ويسعى لمشاهدة وتجريب كل ما هو جديد عليه. وتُشير إلى أن مثل هذا النوع من التنشئة يتسبب بعد سنوات قليلة في إنتاج مُراهق قادر على استخدام الإنترنت بكفاءة عالية والبحث عن خوض التجارب المثيرة والمغامرة، ما قد يزج به في أتون مُشكلات كارثية.

4 مروى المعولية.jpg

 

وتؤكد المعولية أنه لا توجد أي شبكة تواصل اجتماعي تُبيح ترويج المخدرات بشكل مُعلن، لكن بسبب تفاوُت مستوى الأمن والرقابة في شبكات التواصل الاجتماعي يجعل بعض المواقع مُستهدفة بشكل أكبر من قِبل مروجي المخدرات؛ إذ أصبح من السهل على تجار المخدرات؛ سواء كانوا أجانب أو محليين الترويج عبر هذه الشبكات باستخدام أرقام دولية وحسابات وهمية للإعلان عن المواد الخدرة، وفي حال تجاوُب المُتلقي يكون التوصيل من خلال إرسال موقع لاستلام المخدر، بعد أن يتم تحويل قيمة المخدر إلكترونيًا.

وتوضح المعولية أن أوقات الفراغ ومنها الإجازة الصيفية بالتحديد قد تكون فترة تكثُر فيها حالات الإدمان بين المراهقين، ناصحتا من أولياء الأمور بتحويل أوقات فراغ الأبناء لأنشطة ممتعة ومتنوعة تسهم في تقويتهم نفسيًا وجسديًا وروحیًا؛ مثل السباحة وركوب الخيل ورياضات الدفاع عن النفس التي تُسهم في تعلم الانضباط والتركيز وتعزِّز الثقة بالنفس. وتنصح المعولية بمشاركة الأبناء في دورات وأنشطة تُسهم في إكسابهم مهارات حياتية تساعدهم على التكيف والتعايش بتوافق مع انفسهم ومع الآخرين؛ مثل: مهارات التواصل والحزم واتخاذ القرار وإدارة المشاعر، وتأكيد الحقوق وصناعة الحدود مع الآخرين، والتعامل مع الأزمات، ومواجهة النقد، وإدارة الغضب، ومهارات التعامل مع المشاعر السلبية مثل الرفض والإحباط والذنب، مع عدم إهمال الجانب الروحاني من خلال إلحاقهم بدروس حفظ القرآن الكريم وجلسات مناقشة الكتب وغيرها من الأنشطة المفيدة. وتنصح المعولية بشدة بضرورة تنظيم أنشطة على مستوى العائلة والعمل على تجميع أكبر عدد ممكن من أفراد الأسرة لتقوية العلاقات الأسرية التي تمثل جانبًا كبيرًا من الدعم النفسي.

وتؤكد المعولية أن صعوبة الحصول على فرصة عمل من الممكن أن تتسبب في الإدمان وحالاته؛ باعتبار أن العوامل الأساسية مثل الشعور بالفراغ ونقص تقدير الذات لدى بعض الشباب بعد مرحلة الدراسة، من شأنها أن تجعلهم ضحية الوقوع في فخ اللجوء للمخدرات، التي قد يقتنع بها الشاب على أنها نوع من الترويح عن النفس وعدم الشعور بالوقت؛ فيمضي الوقت بسرعة دون أن يدرك بأن هذا القرار قد يُكلِّفه حياته.

في المقابل، توضح المعولية أن حصول المتعافي من الإدمان على وظيفة وشعوره بأهميته وإنتاجيته في المجتمع، يمنحه الشعور بالفخر، ويعمل على تركيز جُل اهتمامه على عمله والتميز فيه.

وتوضح المعولية أن مكافحة الإدمان لا يقتصر على المؤسسات فقط، وإنما كل فرد في المجتمع له دور في مكافحة المخدرات ولو كان بسيطًا، مثل توعية نفسه بمرض الإدمان ومخاطر المخدرات بشكل عبر القنوات الصحيحة والمواد الموثوقة.

ومحاربة الإدمان، تنصح المعولية بتوفير فرص العمل والتدريب المقرون بالعمل، وتوفير فرص عمل أيضًا للمُتعافين من الإدمان مع وضع الشروط المناسبة لهم؛ مثل: إكمال برنامج تأهيلي لا يقل عن 6 أشهر، وإجراء فحوصات دورية.

وتأمل المعولية تكثيف البرامج الشبابية التي تساهم في إشغال الشباب والمراهقين وإكسابهم المهارات الحياتية التي تُصقل شخصياتهم، وأيضًا احتواء الموظفين الذين يعانون من مرض الإدمان من خلال التعامل معهم بسرية وإعطائهم فرصة للعلاج والتأهيل دون الخوف من فقدان عملهم.

منظومة علاجية مُتكاملة

وتضوح الإخصائية النفسية أن علاج المستشفى في حالات الإدمان يتمثل في تنفيذ منظومة علاجية متكاملة تتضمن البُعد البيولوجي والنفسي والاجتماعي والروحاني، خاصة وأن المستشفى يحتوي على فريق متكامل من الأطباء والأخصائين النفسين والاجتماعيين والمهنين ومرشدي التعافي، لضمان أن يمُر مريض الإدمان بأربع مراحل أساسية في العلاج؛ وهي: مرحلة التشخيص، وتبدأ عند لجوء مريض الإدمان للمستشفى لأول مرة لطلب العلاج من الإدمان؛ فيتولى الطبيب تشخيص حالته وتقدير شدة إدمانه ومن ثم يتفق معه على خطة علاجية، وتكون عادة في العيادة الخارجية، بعد ذلك تبدأ مرحلة إزالة السموم؛ وتشهد هذه المرحلة تنويم المريض بجناح إزالة السموم بالمستشفى وإعطائه الأدوية المناسبة لمساعدته على التخلص من السموم تحت مراقبة الطاقم العلاجي لمدة أسبوع. وتضيف المعولية أن المرحلة الثالثة تتمثل في مرحلة التأهيل؛ وتنقسم إلى نوعين: تأهيل قصير المدى يتراوح بين 3 أسابيع الى 6 أسابيع، ويُجرى في جناح التأهيل بالمستشفى؛ حيث يتلقى فيها المريض علاجًا نفسيًا واجتماعيًا يهدُف الى توعية المريض بمرض الإدمان ورفع دافعيته لمتابعة التأهيل؛ سواءً كان بالالتحاق ببيوت التعافي للحصول على تأهيل مكثف، أو من خلال المتابعة مع الأخصائيين بشكل فردي في العيادة الخارجية.

وتُشير إلى أن هناك تأهيل طويل المدى، وتتراوح مدته بين 6 شهور الى سنة؛ بناءً على حالة المريض وتقييم الفريق العلاجي له، ويُنفّذ هذا التأهيل في بيوت التعافي، ويركِّز على تأهيل المدمن وأسرته وإعداده ليصبح فردًا منتجًا وقادرًا على التعامل مع الحياة بشروطها بمهارات تحميه وتعينه على حفظ تعافيه ومنع الانتكاسة. وتضيف أنه بعد ذلك تبدأ المرحلة الرابعة وهي مرحلة الرعاية اللاحقة؛ والتي تكون بعد تخرج المريض من البرنامج، وهو مفتوح المدة، بحيث يتم تنفيذ جلسات جماعیة وفردية حسب حالة المُتعافي، وذلك بهدف تقديم الدعم المستمر حتى بعد خروجه من المستشفى.

وتوضح المعولية أن هناك زمالة وتعاون خارج نطاق المستشفى لعلاج الإدمان وهي مجموعات دعم ذاتي تستند على المبادئ الاثنى عشرة خطوة التي تسهم في مساعدة المدمن على الحفاظ على تعافيه بعد انتهاء التأهيل، من خلال الالتحاق بهذه الزمالات والتي تمثل زمالة عالمية للمتضررين من الإدمان، وتوفِّر بيئة داعمة لتعافي الفرد في محيط خالٍ من الأحكام، كما إن هناك زمالة معنية بأسر المدمنين توفِّر لهم المساحة لمشاركة بعضهم التجارب والخبرات والمشاعر التي اكتسبوها بسبب إدمان شخص عزيز عليهم ويعاونوا بعض على تخطيها بشكل صحي وإيجابي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *