اخبار عمان

جيفري لانج.. والحُلم الذي قاده للإسلام!

 

 

عبد الله العليان

 

كان عالم الرياضيات الأمريكي المُسلم جيفري لانج من الأشخاص الذين لم يكونوا يؤمنون حتى بالديانة المسيحية؛ إذ عاش في وضع اللاديني لعدة سنوات، وعاش لانج في مدينة بريدجبورت بولاية كونيكتيكت، وعاش جيفري لانج في أسرة كاثوليكية، ودرس في إحدى مدارسها الدينية في بداية حياته.

كانت حياته في بيته صعبة ومُؤلمة بسبب قسوة والده لإدمانه للخمر، والتي كانت ربما الدافعة لهذه المعاملة غير السوية مع أسرته، واضطراب حياة جيفري لانج، وتألمه لأمه التي عانت أيضًا بسبب والده وتعامله العنيف معها، وبعد دراسته الجامعية، التقى ببعض الطلبة العرب والمسلمين، وعرف في الجامعة التي يدرس فيها عن الإسلام، مع أن الكثير من الأفكار التي عرفها قبل إسلامه في الغرب، كانت مشوبة بالكثير من الآراء التي تهاجمه وتنعته بأقصى التهم والتشويه والتخويف، التي غذاها الاستشراق والمنظمات التبشيرية، وأغلبها كانت معدة ومخططة للاختراق الثقافي قبل الحملة الاستعمارية وبعدها.

ويذكر جيفري لانج في كتابه “رحلة الإسلام إلى أمريكا”، عن قصة إسلامه ووصوله لمعرفة الإسلام، وكيف اهتدى إلى هذا الإيمان أنه رأى حلمًا غريبًا جعله ينجذب لهذا الدين بعد ذلك، يقول :”كانت غرفة صغيرة، ليس فيها أثاث عدا سجادة حمراء، كنَّا جميعًا في صفوف، وكنت في الصف الثالث، لم أكن أعرف أحدًا منهم، كنَّا ننحني على نحو منتظم فتلامس جباهنا الأرض، وكان الجو هادئًا، والسكون مخيمًا على المكان، والضوء يتسلل من نافذة، نظرت إلى الأمام فإذا بشخص يؤمنا، وكان يرتدي عباءة بيضاء، استيقظت من نومي، رأيت هذه الرؤيا مرات عدة خلال عشرة أعوام، وكنت أصحو على إثرها مرتاحًا”. وكان ذلك الحُلم الذي أدخل نور الإسلام إلى قبله.

هذا الإيمان الذي وجد فيه يقينه واطمئنانه، بعد عشر سنوات من اللاإيمان، وكانت باعثة له للبحث للمعرفة الدينية اليقينية إلى قلبه، ويقول الكاتب معادي أسعد صوالحة، تعليقًا على إسلام جيفري لانج أنه من الذين “تأملوا الإسلام فوجدوا فيه الانشراح والاطمئنان.. تقربوا منه فوجدوا فيه القوة والعزيمة والعدل والحرية والأمان. انفرجت أساريرهم بعد أن اهتدوا إلى الطريق الأقوم انطلاقًا من قوله تعالى “قَدۡ جَاۤءَكُمۡ رَسُولُنَا یُبَیِّنُ لَكُمۡ كَثِیرࣰا مِّمَّا كُنتُمۡ تُخۡفُونَ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَیَعۡفُوا۟ عَن كَثِیرࣲۚ قَدۡ جَاۤءَكُم مِّنَ ٱللَّهِ نُورࣱ وَكِتَـٰبࣱ مُّبِینࣱ یَهۡدِی بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَ ٰ⁠نَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَـٰمِ وَیُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِهِۦ وَیَهۡدِیهِمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ” (المائدة: 15 16).. اجتازوا مسافات الشك واليقين والخير والشر حتى وصلوا إلى بر الأمان بعد اعتناقهم الإسلام فأخرجوا أنفسهم من الظلمات إلى النور”.

كان جيفري لانج كثير التأمل في الوجود والحياة، وعن الوجود والعدم، وعن خالق هذا الكون، وشعر بالحاجة إلى الاقتناع والإيمان الذي يشعره بحقيقة الدين الحق الذي يتبعه، وأنه لا يمكن أن يوجد هذا الوجود، بدون واجد له وصانع لهذا الوجود المبدع، فأخذ يسأل ويستفسر الآخرين عن ذلك، من خلال الأساتذة وعلماء اللاهوت، حتى بعد حصوله على درجة الدكتوراه في الرياضيات، وكانت في بداية الثمانينيات من جامعة سان فرانسيسكو؛ حيث قابل الطالب العربي حمد قنديل؛ إذ يقول: “ذلك الشاب المسلم التقيّ الذي أخذ يشرح له تعاليم الإسلام الحنيف بعد أن توطدت علاقتهما، مظهرا له في الوقت نفسه سماحة هذا الدين وشموليته” والتي ساهمت في قربه من الدين والذي أدى إلى إسلامه وهدايته لهذا الدين وأصبح داعية له بعد ذلك، وهو ما تحدث عنه في محاضراته وبعض مؤلفاته.

وأقتبسُ هنا كذلك ما ذكره جيفري لانج في كتابه: “حتى الملائكة تسأل”؛ حيث يقول: “كنت في البداية لا أريد أن تتوطد علاقتي بذلك الشاب المسلم، الذي تعرفت عليه بمكتبة الجامعة ولمست فيه سماحة أخلاقه وطيب مُعاملته لحظة مساعدته لي في جمع الكتب التي تساقطت على الأرض. تلك اللحظة أشعرتني بأنني أعرف ذلك الشخص منذ زمن.شعرت هكذا حينها، وبعد يومين من تلك الحادثة رأيته في المكتبة نفسها وذهبت لشكره على مساعدته لي، وأبدى احترامه لي قائلا: لا تشكرني على الإطلاق فهذا واجبي الذي يفرضه عليّ ديني في مساعدة الآخرين لحظة حاجتهم إلى المساعدة،حينها فقط قلت له دون تفكير:عن أي دين تتحدث؟ فأجابني مبتسما: إنه الإسلام يا أخي”.

لا شك أن معاملة الطالب المسلم حمد قنديل، كان لها تأثير في قضية المعاملة والسلوك الطيب، وكما جاء في الأثر: “الدين المعاملة”، وأكثر الذين أسلموا في كل القارات في العالم، أسلموا بفضل المعاملة والخلق الحسن، ثم يأتي التفكير والمراجعة الواعية.

ويضيف جيفري لانج في سرد قصة اقتناعه بالإسلام فيقول: “بدأت حينها بسؤاله عن هذا الدين وأخذت أشعر بأنه الملاذ الآمن لكل البشرية بعد أن علمت بحقيقة الله والكون والإنسان معرفة حقيقية وليست مزورة كما تربيّنا عليها في ديننا المسيحي، الذي يكره الآخرين ويمجّد نفسه دون غيره. وزاد تعلقي بهذا الدين بعد أن تعمقت بقراءة القرآن من خلال النسخة المترجمة إلى الإنجليزية التي أهداني إياها محمد قنديل”.

وبعد القراءات المعمقة في الفكر الإسلامي، وبالذات في قراءة القرآن الكريم مترجمًا، وجد فيه ما يراه مختلفًا عن كل الأديان والفلسفات، من اخبار عمان الواضحة والطرح الذي يؤكد حقيقة هذا الدين الإلهي العميق. ولذلك يرى جيفري لانج أن هذا يبرز “أن الإسلام يقدم شيئًا لا يقدمه أي من الأديان السماوية الأخرى ولا حتى مبادئ الفلسفة التأملية أو الوجودية، ألا وهو الروحانيات، ليستطيع مواجهة لحظات إلحاده بلحظات جديدة من الأوقات الروحانية التي استطاع فيها أن ينفصل عن الواقع كليًا ويتصل بما هو أكثر عظمة وقوة منه، ليجد أن آيات القرآن الكريم باستطاعتها بالفعل أن تبكيه، ليبدأ جيفري مرحلة مختلفة تمامًا من حياته”.

ولا ريب أن الانجذاب للإسلام للكثير من الغربيين، وأغلبهم من العلماء والمفكرين والباحثين الجادين، ومن هؤلاء الذي انجذبوا للإسلام، دون السعي الحثيث لدعوتهم لهذا الدين الخاتم.

ونتذكر ممن انجذبوا إليه طواعية، وأسلموا من أمثال العالم والكاتب والرحالة النمساوي محمد أسد (ليوبولدفايس)، والدبلوماسي الألماني مراد هوفمان، والمفكر الفرنسي روجيه جارودي، والأكاديمي البريطاني ديفيد موسى بيد كوك، والفيلسوف الفرنسي عبد الواحد يحيى (رينيه جينو)، والألمانية اليهودية مريم جميلة (مارغريت ماركوس)، وغيرهم الكثير من أسلموا، وأصدروا عشرات المؤلفات عن حياتهم بعد الإسلام والدفاع عنه.

وهذا التوجه والاقتناع بدين الإسلام يذكرنا بكتاب “جاذبية الإسلام”، للمستشرق الفرنسي الماركسي مكسيم رودنسون، تحدث في هذا الكتاب عن الانجذاب للإسلام عندما يقرأ المرء في الفكر الديني الإسلامي وبالذات في القرآن، وهذه نظرة لافتة لهذا الدين، مع أن بعض المسلمين يعيشون مع القرآن والفكر الإسلامي، لكنهم كما يشير جيفري لانج في كتابه: “أن كثيرًا من أبناء المسلمين أصيبوا اليوم ببلادة، فلا يشعرون بهذه الجاذبية في دينهم، ولا يحاولون أن يعيدوا اكتشاف روعة دينهم”. (انتهى الاقتباس).

ويروي العالم الدكتور زغلول النجار عن قصة إسلام جيفري لانج اللافتة والمثيرة في مسارها، والذي أصبح كاتبا وباحثًا دقيقًا في قضايا المسلمين المعاصرة، فيقول د. النجار: “غاص في أعماق المسيحية المتشدّدة منذ صغره، انطلق في رحلته الطويلة نحو الإسلام من مقاعد الدراسة ومدفوعا برؤيا تكررت على مدى عشر سنوات باحثا عن حقيقة الله وعن الدين الحق”.

ولقد عالم الرياضيات الأمريكي جيفري لانج أصدر العديد من المؤلفات، التي ترجمت للعربية منها: “الصراع من أجل الإيمان”، و”رحلة الإسلام إلى أمريكا”، و”حتى الملائكة تسأل”، و”ضياع ديني.. صرخة المسلمين في الغرب”.

وللحديث بقية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *