اخر الاخبار

الأسد يدين في فلسطين ما يرتكبه في سوريا

– حسام المحمود

اتخذ النظام السوري منذ بداية التصعيد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة مجموعة خطوات لم تخرج عن سياق المجاملات أمام ما تنشده فصائل “المقاومة” من “محورها”، مكتفيًا ببيانات سياسية لا تختلف عن تلك الصادرة عن دول لا تصدّر نفسها حارسًا للقضية، إلى جانب تغيير الصور، وإعلان الحداد.

وإذا كانت تحركات النظام في هذا الإطار منسجمة نسبيًا مع بعض ردود الفعل العربية، فإنها تتعارض في الوقت نفسه مع الوضع الداخلي في سوريا، سواء ضمن مناطق سيطرة النظام أو خارجها، بالنظر إلى أوضاع الفلسطينيين، والآلية التدميرية المستخدمة ضد مناطق سيطرة المعارضة في سوريا.

وبعد الاستهداف الإسرائيلي للمستشفى “المعمداني” في غزة، الذي أسفر عن مقتل 471 فلسطينيًا، في 17 من تشرين الأول الحالي، وصف بيان مقتضب لـ”رئاسة الجمهورية” الاستهداف بأنه “واحدة من أبشع المجازر ضد الإنسانية في العصر الحديث، وأكثرها دموية”.

وجاء في البيان أيضًا أن “سوريا تعتبر هذه المجزرة عملًا وحشيًا يعبر عن مستوى حقد الكيان الصهيوني الذي تجاوز بجرائمه أقصى درجات العدوانية والقتل”.

وبعد استهداف المستشفى الفلسطيني، نظمت الكوادر الصحية والإدارية في مستشفيات سوريا ومديريات الصحة وقفات تضامنية دعمًا للشعب الفلسطيني، وتنديدًا بـ”عدوان الكيان الصهيوني” على قطاع غزة، والمجازر التي يرتكبها، ومنها التي ارتكبها في المستشفى “المعمداني”، كما أدانت نقابة الأطباء الاستهداف، بعد إعلان حكومة النظام الحداد لثلاثة أيام، اعتبارًا من 18 من تشرين الأول، على ضحايا استهداف المستشفى.

تعليق النظام على استهداف المستشفى “المعمداني” سبقه بأسبوع بيان لـ”الدفاع المدني السوري”، أحصى الخسائر البشرية والمادية التي خلّفها تصعيد قوات النظام على مناطق شمال غربي سوريا، فإلى جانب مقتل 46 شخصًا، 13 منهم أطفال، خلال التصعيد الذي استمر لأيام، بعد هجوم الكلية الحربية في حمص (5 من تشرين الأول)، تعرضت خمسة مرافق طبية، منها مستشفى “إدلب” الوطني، والمستشفى الجامعي، للاستهداف المباشر.

كما اعتبر النظام القصف الإسرائيلي لمطاري “دمشق” و”حلب”، في 12 من تشرين الأول، جزءًا من “النهج المستمر في دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة التي يحاربها الجيش السوري في شمالي البلاد، والتي تشكل ذراعًا مسلحة للكيان الإسرائيلي (في إشارة إلى قوات المعارضة السورية)”.

التهجير “يغضب” النظام

خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، أكد وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، أهمية متابعة دعم الشعب الفلسطيني، ومنع إسرائيل من تنفيذ سياساتها في تهجير الفلسطينيين، وضرورة تعزيز العمل المشترك.

تصريحات المقداد تأتي في ظل مساعٍ إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة نحو دول تأتي في ظل مساعٍ إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة نحو دول الجوار، بذريعة تنفيذ العملية العسكرية البرية ضد “فصائل المقاومة”، وهو ما ترفضه مصر والأردن بشدة.

وفي السياق نفسه، فإن النظام السوري تسبب في تهجير اللاجئين الفلسطينيين داخل سوريا، إلى جانب ملايين السوريين الذين توزعوا بين لجوء في دول الجوار وغيرها، ونزوح في مناطق شمال غربي سوريا، حيث تعيش نحو 1635 عائلة فلسطينية، تتوزع على مخيم “كللي” شمالي إدلب ومنطقة أطمة وعقربات ودير بلوط ومدينة إدلب، كما يوجد في سرمدا فلسطينيون من عرب الـ48 الذي قدموا إليها بعد تهجيرهم في عام 1948، إضافة إلى وجودهم بريف حلب في كل من اعزاز وعفرين وجنديرس والباب.

وهجّرت قوات النظام وحلفاؤها معظمهم من مخيم “حندرات” بحلب ومخيم “اليرموك” و”خان الشيح” جنوب دمشق إلى الشمال السوري، ويقطنون في تجمعات سكنية خاصة بالمهجرين الفلسطينيين، وجزء منهم يسكن داخل المدن.

وشهد مخيم “اليرموك” معارك وعمليات عسكرية بين فصائل “الجيش الحر” وقوات النظام، وسط انقسام الفصائل الفلسطينية حينها على طرفي الجبهة، قبل سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على ثلثي المخيم عام 2015.

وفي أيار 2018، سيطرت قوات النظام على منطقة الحجر الأسود، والمخيم، وتسببت الاشتباكات بدمار ما يزيد على 60% من الأبنية والبنى التحتية في المخيم، وصُنّف كسابع أكبر منطقة دمارًا في سوريا، وفق مسح أجرته وكالة الأمم المتحدة للتدريب والبحث (UNITAR).

وتعقيبًا على موقف النظام السوري من الأحداث في غزة، نشرت الصحفية السورية عالية منصور صورة تظهر حشدًا غفيرًا من أهالي “اليرموك” حين حاصرته قوات النظام قبل السيطرة عليه، وقالت إن “من حاصر الفلسطينيين وقتلهم يريدون منه أن ينقذ أهالي غزة”.

مسؤول قسم الإعلام في “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا”، فايز أبو عيد، أوضح ل أن النظام السوري يرفع شعارات رنانة وخلابة لدعم مواقفه والحفاظ على نظامه، كون هذه الشعارات موجهة للشارع الداخلي والعربي.

كما أن هذا الخطاب حول القضية الفلسطينية استمر حتى تسعينيات القرن الماضي، بالتزامن مع عملية السلام ودخول الأسد الأب فيها بشكل فعلي، ليحتفظ النظام من القضية بخطاب دعائي لم يتغير عن فلسطين والقضية.

وبحسب أبو عيد، فإن النظام يتعامل بازدواجية مع القضية الفلسطينية، فيدين ما يتعرض له الفلسطيني في غزة، لكنه قصف مخيم “اليرموك”، وأطبق عليه حصارًا مشددًا ليترك الأهالي في مواجهة مع الجوع والمرض.

العلاقة مع “حماس”

منذ قيام الثورة في سوريا، عام 2011، مرت علاقة النظام السوري مع حركة “حماس”، أبرز واجهات “المقاومة الفلسطينية”، بحالة من التخبط، بعد إعلان الحركة مناصرتها للثورة السورية ضد النظام، وإغلاق مكاتبها في دمشق، ومغادرة قادتها الأراضي السورية.

وفي 2021، اتجهت للتقارب مجددًا مع النظام، بوساطة من “حزب الله” اللبناني، ثم أجرى وفد من الفصائل الفلسطينية زيارة إلى دمشق للقاء الأسد، في 19 من تشرين الأول 2022.

رغم إعلان الحركة في وقت سابق “طي صفحة الماضي”، فيما يرتبط بالعلاقة مع النظام السوري، لإحداث “انطلاقة جديدة للعمل الفلسطيني- السوري المشترك”، فإن استحضار “حماس” في حديث الأسد عبر قناة “سكاي نيوز عربية” لم يقدم إشارة إلى “طي الصفحة”.

في 9 من آب الماضي، هاجم الأسد قيادات “حماس”، ووصف موقفها بأنه “مزيج من الغدر والنفاق”، لأنها كانت تدّعي المقاومة وحملت ما قال إنه “علم الاحتلال الفرنسي لسوريا”، موضحًا أن العلاقة اليوم ضمن المبدأ العام.

فايز أبو عيد اعتبر أن تصريحات الأسد تعبر عن موقف حقيقي للنظام من القضية الفلسطينية، كون المواقف لم تتعدَّ التنديد والشجب والتعاطف، في الوقت الذي تحتاج به غزة إلى قوة السلاح.

تشهد غزة، منذ 7 من تشرين الأول الحالي، تصعيدًا إسرائيليًا تسبب بمقتل أكثر من 4100 فلسطيني، بالإضافة إلى تهجير مئات الآلاف من الشمال إلى الجنوب، وقطع سبل الحياة عن القطاع، في وقت اقتصرت به التحركات على جبهات “محور المقاومة”، في سوريا (حيث ينشط الحضور الإيراني)، وفي لبنان (حيث تتركز قوة “حزب الله”)، على مناوشات جزئية عشوائية لا تخفف ضغطًا عن الجبهة الداخلية المفتوحة ضد القطاع، في ظل التلويح الإسرائيلي بحتمية تنفيذ عمل عسكري بري في غزة، يقابله تحذير من “فصائل المقاومة” وأبرزها “كتائب القسام” من مغبة الإقدام على خطوة من هذا النوع.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *