اخر الاخبار

القطاع الخاص في سوريا.. لا قوانين تضبط الأجور

– محمد فنصة

في تركيا حيث يقطن أكبر عدد من اللاجئين السوريين، تحدد القوانين الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، بما يشمل العمال المحليين والأجانب مثل السوريين، منعًا لاستغلالهم، أما في سوريا فلا قوانين تمنع القطاع الخاص من التحكم بالأجور الممنوحة.

وتحدد القوانين السورية الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع العام فقط بمناطق سيطرة النظام السوري، إذ وصل إلى نحو 186 ألف ليرة سورية، عقب أحدث زيادة في منتصف آب الماضي.

ويعكس التحديد القانوني للحد الأدنى لأجور العاملين حرص الحكومة على تحقيق التوازن في مصالح طرفي الإنتاج من صاحب العمل والعامل، كما أنه في ذات الوقت يسعى للحفاظ على حقوق العمال ومكتسباتهم، وتوفير حياة كريمة لهم.

وتعد سوريا من أوائل الدول التي وقعت على اتفاقية تحديد الحد الأدنى للأجور، الصادرة عن منظمة العمل الدولية عام 1970.

وتنص المادة الأولى من الاتفاقية على تعهد كل عضو في منظمة العمل الدولية يصدق على هذه الاتفاقية بإنشاء نظام للحد الأدنى للأجور يغطي جميع فئات متقاضي الأجور من العمال، دون تحديد نوع العمل في قطاع خاص أو حكومي.

لتجنب “دوامة أخرى”

عقب زيادة الرواتب في القطاع الحكومي التي أُقرت منتصف آب الماضي، تضاعف حجم الاحتياجات المعيشية، تأثرًا بارتفاع الأسعار الكبير المرافق لهذه الزيادة، إذ ارتفع متوسط تكاليف المعيشة إلى أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية، فيما تضاعف الحد الأدنى لتكلفة المعيشة لنحو ستة ملايين ونصف مليون ليرة، وفق “مؤشر قاسيون“.

وارتفعت أسعار الغذاء بنسبة 100% منذ بداية العام الحالي، وثلاثة أضعاف مقارنة بالعام الماضي، وفق تقرير برنامج الأغذية العالمي الصادر مطلع الشهر الحالي.

الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو قال ل، إن قيمة المعاشات بسوريا في تدهور حتى بالنسبة لأجور القطاع الخاص، لكنها تبقى أفضل بالمقارنة مع القطاع العام، مشيرًا إلى أن راتب العمل بأي مهنة أفضل بكثير من رواتب الحكومة، كونه يتناسب بشكل ما مع الأسعار الموجودة في السوق.

وأوضح شعبو أن القطاع الخاص أكثر مرونة برفع الأسعار جراء التضخم، لذا يكون من الطبيعي رفع رواتبه أيضًا.

ويرى الباحث الاقتصادي أن حكومة النظام لا تستطيع أن تلزم القطاع الخاص بتحديد حد أدنى للرواتب لعدة أسباب، منها أن القطاع الخاص يعطي رواتب أكبر من الحد الأدنى الذي حددته حكومة النظام لموظفيها.

في تركيا، يبلغ الحد الأدنى للأجور للعام الحالي 11400 ليرة تركية، بينما يبلغ الحد الأدنى لأجور القطاع الحكومي 15000 ليرة تركية.

أما السبب الثاني فهو، وفق شعبو، أن الاقتصاد السوري غير نظامي بشكل كامل، أي أن العمالة في القطاع الخاص غير رسمية أو مسجلة لدى حكومة النظام، وهو أمر ضروري لإثبات مقدار الأجور المدفوعة للعمال، كما لا يوجد ضمان أو تأمينات اجتماعية لمعظم العاملين في القطاع الخاص.

ومن الأسباب التي تدفع حكومة النظام لعدم تحديد حد أدنى للأجور في القطاع الخاص، وفق الباحث الاقتصادي السوري، أنه في حال تحديدها لحد أدنى، وهو بالتأكيد سيفوق الحد الأدنى الذي حددته للقطاع العام، والتزام القطاع الخاص به، فهذا سيؤدي حتمًا للدخول في “دوامة أخرى” من ارتفاع الأسعار الذي يصعب ضبطه.

ويعتقد الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” زكوان قريط، أن العمل في القطاع الخاص هو عقد يوافق عليه الطرفان، لذا “لا داعي لوجود قانون ناظم للأجور يكون ساريًا على كل المحافظات”، على اعتبار أن كل محافظة لها “ظروفها المختلفة عن الأخرى”.

فرق بالأجور

جاء في تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، في 9 من تشرين الأول الماضي، أن أجور القطاع الخاص بين محافظة وأخرى تختلف بشكل واضح، إذ قد يصل فرق الأجور إلى 300% في بعض المهن.

واستدل التقرير بفروق في أجور بعض الأشخاص ممن يعملون في القطاع الخاص بين محافظتي حمص ودمشق.

رصدت الفرق بين أجور العاملين بالقطاع التربوي الخاص، إذ وصل متوسط أجرة ساعة التدريس بالمعاهد الخاصة في مدينة حمص إلى 15 ألف ليرة سورية، و10 آلاف ليرة في ريفها، بينما وصل متوسط ساعة تدريس المدرس الخصوصي في دمشق إلى 80 ألف ليرة في الساعة، وفي مدارس ريف دمشق الخاصة وصلت الأجرة إلى 60 ألف ليرة.

في مدينة درعا، رصدت متوسط أجرة ساعة المدرس الخصوصي حيث بلغت 55 ألف ليرة، وفي ريفها بلغت الأجرة 35 ألف ليرة للساعة الواحدة.

الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو، أفاد أن التفاوت في الأجور بين المدينة والريف “أمر طبيعي” في كل البلدان وحتى بين المدن في بعض الأحيان، موضحًا أن الاختلاف يأتي من اختلاف حجم النفقات بين هذه المناطق.

وقال شعبو، إن سكان الريف يعتمدون بشكل أكبر على الاحتياجات الأساسية التي تكون موجودة بشكل أرخص من مناطق المدينة، بينما القاطن بالمدينة لديه مصاريف والتزامات أكبر تفرض عليه أن تكون الأجور أعلى.

وأضاف شعبو أن تسعير المواد في المدينة يختلف عن نظيره في الريف، وبالتالي ترتفع الأسعار أكثر في المدينة وتزداد الحاجة لارتفاع الأجور.

ويرى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” زكوان قريط، أن سبب اختلاف الأجور بين محافظة دمشق والمحافظات الأخرى يعود إلى ارتفاع تكاليف المعيشة في دمشق مقارنة بغيرها، مشيرًا إلى أن أسعار المواد الأولية بالمحافظات الأخرى منخفضة على اعتبار أنها مراكز إنتاج، أي أن تكاليف الصناعة أقل، وأجور العمال أقل.

وبرر أيضًا ارتفاع الأجور بدمشق بأن اليد العاملة فيها “أكثر مهارة من غيرها”، كونها العاصمة وفيها مدن صناعية.

تدفع الأجور السيئة للعمال في سوريا إلى الاستقالة من القطاع العام والتوجه نحو القطاع الخاص، كما يحاول من لديه القدرة الهجرة خارج البلاد بحثًا عن عمل برواتب أفضل.

وحلّت سوريا في المركز 21 من أصل 117 بلدًا في مؤشر معدل فقر العاملين، بحسب تصنيف “منظمة العمل الدولية“، التي صنفت أيضًا إنتاجية العمل في سوريا بالمركز 155 من إجمالي 185 بلدًا، ما يشير إلى ضعف الإنتاجية.

وعن نسبة العمالة إلى عدد السكان، جاءت سوريا في المركز 170 من أصل 190 بلدًا بمعدل 40.1%، وفق آخر تحديثات المنظمة الدولية للعام الحالي، وهو ما يشير إلى هجرة اليد العاملة.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *