اخبار عمان

“الصهيونية”.. 4 ركائز استراتيجية مكّنت العصابات اليهودية من اغتصاب الأراضي الفلسطينية

◄ موجات متتالية من الهجرة لتنفيذ أهداف السيطرة الجغرافية

◄ طرد الفلسطينيين وإقامة المستوطنات لتغيير ديموغرافيا المكان

قرارات تشريعية لتسهيل وتسريع عمليات الاستيطان

◄ الاستيطان الرعوي.. وجه جديد لتهويد الأرض

 

اخبار عمان سارة العبرية

لم يكن الاحتلال الإسرائيلي في منطقتنا العربية أمرًا عابرًا وليد الصدفة؛ بل أمر دُبِّرَ بليلٍ وخُطِّطَ له وفق استراتيجيات تآمرية وتكتيكات خبيثة وبمنهجيات غير أخلاقية، تتابعت واحدة تلو الأخرى لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية، وإقامة “وطن” لليهود المُشتتين في بقاع الأرض، وتحقيق غايات سياسية واقتصادية على حساب الشعوب والأراضي العربية.

أُنشئت أول مستعمرة يهودية في فلسطين على يد اليهودي البريطاني مونتفيوري في عام 1837م، وبلغ عدد سكانها في ذلك الوقت 1500 يهودي، وارتفع عدد المهاجرين إلى عشرة آلاف يهودي عام 1840م ثم 15 ألف عام 1860م ثم 22 ألف يهودي عام1881م. وفي عام 1882م بدأت أفواج المهاجرين الروس بالتوافد إلى فلسطين رغم إصدار السلطات العثمانية قانونا يحد من الهجرة، وقدر عدد الفوج الأول بألفي يهودي وارتفع هذا العدد ليصل إلى 25 ألف يهودي عام 1903م.

وتعرضت الأراضي الفلسطينية لخمس موجات متتالية من الهجرات اليهودية وذلك في أعقاب الأزمات المتعاقبة التي حدثت منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الثانية في المناطق التي تواجد فيها اليهود.

ويكشف كتاب “دولة الإرهاب” عن الطرق الإرهابية التي نُفذت بهدف إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، ويصفها الكتاب بأنها طُرق منهجية، ويشير المؤلف توماس سواريز إلى إيمان القادة الصهاينة بضرورة استخدام الإرهاب كوسيلة لتحقيق أهدافهم، ويستند في تحليله إلى وثائق بريطانية لم يسبق نشرها، وتتضمن مراسلات دبلوماسية وتقارير مخابراتية ووثائق سرية، كما يوضح أن الحركة الصهيونية في عمقها، قامت بأعمال عنف متنوعة بدءًا من القتل وصولاً إلى الخطف والتفجير، ويلفت إلى أن هذا النهج قد كان معاديا للسامية، مما يفتح الباب أمام مناقشات حول التباين بين مبادئ الحركة وتنفيذها العملي.

العمل الصهيوني في فلسطين

ويقوم المشروع الصهيوني في فلسطين على أربعة أسس استراتيجية متناغمة مع إمكانيات الحركة الصهيونية المتاحة، وهي: العمل الصهيوني الدؤوب لتهجير يهود العالم إلى فلسطين لكونها العامل الحاسم لزيادة وتطور مجموع اليهود في فلسطين، فضلا عن العمل على تهويد الأرض العربية بعد احتلالها ومصادرة ما يمكن مصادرته بطرق عديدة، وتهيئة الظروف السياسية لطرد ما أمكن من العرب الفلسطينيين ومن ثم إقامة المستوطنات لتغيير الجغرافيا والديموغرافيا لصالح المشروع الصهيوني، وأخيرا إيجاد اقتصاد إسرائيلي يجذب باقي اليهود في كل دول العالم من خلال تحقيق مستويات معيشة مرتفعة ومعدلات نمو عالية.

وفي سعيها لتحقيق تهويد الأرض، اعتمدت الحركة الصهيونية وإسرائيل على استخدام سياسات الطرد كوسيلة لدفع العرب للرحيل عن أراضيهم، وتمثل هذه السياسة نقطة محورية في السياق التاريخي؛ حيث شهد التاريخ منذ عام 1948 وحتى 2009 العديد من المذابح التي أدت إلى نزوح مئات آلاف من الفلسطينيين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ويُظهر هذا التوجه في الأرقام التي تم توثيقها إذ تم طرد نحو 850 ألف فلسطيني في عام 1948، وتجاوز هذا العدد حوالي خمسة ملايين لاجئ في عام 2009.

وفي عام 1967 إبان احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، استطاعت السلطات الإسرائيلية طرد نحو 460 ألف فلسطيني، ليصبح المجموع نحو 1.5 مليون فلسطيني في عام 2009 وهم ما يطلق عليهم مصطلح “نازحي” عام 1967.

وثمة تصريحات من عنصريين إسرائيليين، بما في ذلك وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان، حول تهجير مزيد من العرب داخل الخط الأخضر ومن الضفة الغربية، ويتضح ذلك أيضا في توصيات مؤتمرات هرتسيليا السنوية.

أما بخصوص الركيزة الصهيونية الأهم والمتمثلة بتهويد الأرض الفلسطينية، فإن تلك العملية تطلبت السيطرة على الأرض الفلسطينية بشتى الطرق والوسائل، وقد وُضعت لها آليات منظمة ومؤسسات تنفيذية تعمل بدقة عبر وسائل عديدة من بينها المذابح والإجلاء القسري والاستيلاء على الأرض الفلسطينية.

وقد لعبت المؤسسات الصهيونية المختلفة، مثل الصندوق القومي اليهودي، والوكالة اليهودية ومنظمة ييكا، فضلاً عن الانتداب البريطاني، دورا مهما في نقل ملكية الأراضي العربية الفلسطينية لليهود، وقد امتلك اليهود حتى قرار التقسيم في عام 1947 نحو 1820000 دونم، والتي اشتريت من قبل الكيرن كابميت 800 ألف دونم و 450 ألف دونم من قبل منظمة الييكا أما الباقي وهو 570 ألف دونم فقد اشتريت من قبل شركات عامة لأفراد.

وبعد عام 1948، أقيمت دولة الاحتلال على مساحة قدرها (22920000) دونم: منها 425 ألف دونم مساحات مائية والباقي كانت ملكية موزعة بالشكل الآتي: 77% عبارة عن أملاك أميرية، 3.5% عبارة عن أملاك مملوكة من قبل الصندوق القومي اليهودي “الكيرن كابميت”، و2% من الأراضي المحتلة عام 1948 مملوكة منظمة “البيكا”، و3.6% مملوكة من قبل الأفراد والجمعيات اليهودية، و13.9 من الأراضي الفلسطينية التي هجر أهلها العرب خلال عامي 1947 و1948؛ أي أن الحركة الصهيونية حتى عام 1948 وعلى الرغم من نشاط مؤسساتها لم تستطع السيطرة سوى على 9.1% من مجموع مساحة الأراضي الفلسطينية التي أنشئت عليها إسرائيل في عام 1948، في حين ساهم الانتداب البريطاني بالقسط الأكبر من التسلل اليهودي إلى الأراضي الفلسطينية والسيطرة عليها.

وواصلت السلطات الصهيونية الاستيلاء على الأراضي العربية بكافة وشتى الطرق والقوانين الجائرة، فتوسعت تبعا لذلك ملكيات الصندوق القومي اليهودي في فلسطين، وتابعت السلطات الصهيونية خطواتها التهويدية بعد احتلالها الضفة والقطاع، فكانت القدس مركز التهويد لأهداف سياسية أبرزها اعتبارها العاصمة الأبدية لإسرائيل.

ومنذ عام 1967، استطاعت السلطات الإسرائيلية مصادرة نحو 60% من مساحة الضفة الفلسطينية وإقامة 151 مستوطنة فيها، تستحوذ على 250 ألف مستوطن يهودي، ناهيك عن 180 ألف مستوطن في الأحياء والأطواق الاستيطانية حول مدينة القدس المحتلة.

وعلى الرغم من مرور نحو 61 على إنشائها، ناهيك عن 18 عاما على مؤتمر مدريد 19912009، و16 عاما على اتفاقات أوسلو، فإن السلطات الإسرائيلية والمؤسسات الإسرائيلية النافذة لا تزال تعتبر الأرض العربية المحتلة ركيزة أساسية لتحقيق حلقات المشروع الصهيوني في المدى البعيد، واتضح ذلك من خلال التصورات المشتركة لكافة الأحزاب الإسرائيلية حول قضايا الحل النهائي التي تشتمل على الحدود والسيادة والمستوطنات والقدس.

الهدف القومي

وتهدف إسرائيل ضمن سعيها لتأسيس دولة ذات هوية يهودية وتحقيق دور إقليمي مهيمن في الشرق الأوسط إلى استغلال عمليات التفاوض مع الدول والمنظمات العربية، وتتطلع إلى ضم المناطق التي احتلتها في عام 1967، وذلك عبر توقيع معاهدات وترسيم الحدود، من أجل تحقيق أمان احتياجاتها الاستراتيجية وضمان الوصول إلى مصادر المياه الإضافية، وتعزيز الشرعية على تلك الأراضي.

وتركز إسرائيل على تحقيق أهدافها من خلال تبني استراتيجية تتضمن استخدام القوة العسكرية لتحقيق الردع والانتقام، وأيضًا تأمين العمليات المتعلقة بالضم والاستيطان وتهويد الأراضي، مع التحكم السياسي والاقتصادي والثقافي في المنطقة، ويشمل هذا التحكم أيضًا إخلاء السكان العرب من تلك المناطق، وذلك بهدف الحفاظ على الهوية اليهودية.

تشريعات لتسريع الاستيطان

وفي يونيو الماضي، اتخذت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قرارا يقضي بتفويض رئيس حزب الصهيونية الدينية والوزير في وزارة جيش الاحتلال بتسلئيل سموتريتش بصلاحيات تخوله تسهيل إجراءات عملية الاستيطان وتسريعها.

ويقضي القرار بإصدار المصادقة الأولية للتخطيط والبناء في المستوطنات من دون موافقة المستوى السياسي، خلافا للوضع القائم منذ ربع قرن، إضافة إلى اختصار إجراءات توسيع المستوطنات.

وحسب ما ذكرته الإذاعة الرسمية الإسرائيلية (كان)، فإن الإجراءات المتبعة سابقا كانت تقضي بمصادقة رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الجيش على أي مرحلة في مخططات البناء بشكل منفرد وخلال فترات زمنية تستمر سنوات طويلة، ليتحول الأمر كله بيد سموتريتش وحده.

وفلسطينيا، قرأ خبراء وسياسيون القرار الإسرائيلي الأخير على أنه مزيد من الهيمنة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية وتقسيم المقسم منها وعزله، وبالتالي تسهيل عملية الضم للضفة الغربية وتسريعها، والأخطر أنه يحول دون أي اعتراض فلسطيني أو خارجي على أي قرار يتخذه سموتريتش أو “عرَّاب” الاستيطان كما يصفه عبد الله أبو رحمة منسق العمل الجماهيري بهيئة الجدار والاستيطان (شبه رسمية).

ويقول أبو رحمة للجزيرة إن خطورة القرار تكمن في سموتريتش نفسه الذي يعمل قبل وبعد انضمامه للحكومة الإسرائيلية على تعزيز الاستيطان، فهو يرفض خطة الانسحاب (انسحاب 2005) من مستوطنات غزة وشمال الضفة، ويدعم جمعية “رجفيم” الاستيطانية التي تراقب البناء الفلسطيني والتبليغ عنه لهدمه.

وأضاف أن سموتريتش شرعن 9 بؤر استيطانية، ورفع الميزانية المخصصة للاستيطان بـ4 مليارات شيكل (الدولار يساوي 3.5 شيكلات) منذ وصوله للحكومة وزيرا للمالية بداية العام الجاري لدعم الاستيطان السياحي وتحسين خدمات البنى التحتية في المستوطنات والبؤر الاستيطانية لمضاعفة عدد المستوطنين واستيعاب نصف مليون منهم خلال سنتين.

ويقول أبو رحمة إن سموتريتش ومعه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير وآخرون من الصهيونية الدينية “يبتز” الحكومة لا سيما رئيسها نتنياهو، ويسابقون الزمن لفرض الوقائع على الأرض وتعجيل الاستيطان.

ومن قائد لمليشيا استيطانية تحوَّل سموتريتش إلى مقرر بحكومة الاحتلال، وبالتالي سيحظى بمباركتها في كل قراراته، وسينعكس ذلك سلبا على الفلسطينيين بجانبين وفق أبو رحمة: أولهما يتمثل في قرارات الهدم والملاحقة والمصادرة لممتلكات الفلسطينيين. وثانيهما يتم دعم عصابات المستوطنين كمجموعات “تدفيع الثمن” وغيرها بتسليحها وعدم محاكمتها للتضييق على الفلسطينيين والاعتداء عليهم مباشرة.

ويضيف أبو رحمة أن “انتهاكات الاستيطان وخلال الأشهر الستة الماضية وهو عهد الحكومة الحالية تصاعدت بكل المستويات، ولم يشهد لها مثيل تاريخيا”.

ووفق مركز معلومات فلسطين (مُعطى)، فإن المستوطنين ارتكبوا أكثر من 35 ألف انتهاك ضد الفلسطينيين بالضفة الغربية والقدس، تنوعت بين القتل (171 فلسطينيا) والحرق والاعتقال والهدم والتشريد والإبعاد، وغير ذلك.

الاستيطان الرعوي

لم تدخر إسرائيل وسيلة للسيطرة على أرض الفلسطينيين إلا وفعلتها، وآخرها “الاستيطان الرعوي” ومن خلاله يرعى مستوطنون فرادى وجماعات مواشيهم في أراضي الفلسطينيين، وحيث ما تطال أيديهم يضمونه لمستوطنة قائمة أو يشيدون بؤرة جديدة فوقه وهو ما يقع غالبا.

“كوكي” كما يعرفه أهالي قرية بيت دجن قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية أحد أولئك المستوطنين الرعاة، قبل 11 شهرا جاء رفقة عائلته وأبقاره بحجة رعيها ليستحل بعد مدة وجيزة تلة بأكملها تزيد على 500 دونم ويشيد فوقها بؤرته الاستيطانية.

وعبر بؤرته الاستيطانية يفرض “المستوطن الراعي” سيطرة كاملة على نحو 30 ألف دونم من أراضي القرية المقدرة بأكثر من 47 ألف دونم، ويحرم 5 آلاف مواطن هم سكان البلدة من الوصول لأراضيهم.

ومنذ وطأت قدم المستوطن لم يدخر “الدجنيون” جهدا في التصدي له ولجيش الاحتلال وينظمون فعاليات أسبوعية لطرده من المكان، وقدموا شهداء ومصابين، كما يقول محمد أبو ثابت الناشط في المقاومة الشعبية هناك للجزيرة نت.

وقبل أن يحل المستوطن وماشيته في المنطقة عمد الاحتلال وفق أبو ثابت لمد خدمات البنى التحتية المطلوبة لها، وهذا يدلل على أن “منظومة كاملة من مجلس المستوطنات والشركات الاستيطانية وجيش الاحتلال تعمل معا لاحتلال الأرض وطرد أصحابها منها”.

ويستهدف المستوطنون الرعاة مساحات واسعة ومفتوحة من الأرض، ويسيطرون بما يفوق أي تمدد طبيعي لأي مستوطنة قائمة.

وبالرغم من قرار المحكمة بالهدم وإخلاء بؤرة “المستوطن الراعي” في بيت دجن 3 مرات متتاليات فإنه أعاد بناءها وبحماية من جنود الاحتلال أنفسهم.

وإن بدت عملية الاستيطان الرعوي صارخة في بلدة بيت دجن فإن الاحتلال بدأها قبل سنوات في مناطق الأغوار الفلسطينية، وكثفها بشكل أكبر في قرى ومناطق فلسطينية أخرى بالضفة كما هو الحال في بلدتي سنجل وعقربا بين مدينتي نابلس ورام الله.

ويستخدم المستوطن وهو مسلح أيضا الأغنام للتغطية على أعماله الاستيطانية التي تبدأ بتخريب المزروعات ورشها بالمبيدات السامة، واقتلاع أشجار  الزيتون وتنتهي بتشييد خيمة وبؤرة استيطانية بالمكان.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *