اخر الاخبار

مجددًا.. أخطار عمليات الإعادة القسرية للاجئين إلى سوريا

غزوان قرنفل

في أحدث تقرير له صدر في جنيف قبل أيام، قال مكتب حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، إن السوريين الذين فروا من الحرب وعادوا أو أعيدوا إلى بلدهم يواجهون تجاوزات وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، منها الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، وسوء المعاملة، والعنف الجنسي، والإخفاء القسري، والاختطاف، وإن بعضهم تعرض لسلب أموالهم وانتزاع ممتلكاتهم أو مصادرتها، وإن هذه الجرائم والتجاوزات الموثّقة ارتكبتها الحكومة نفسها وكذلك سلطات الأمر الواقع والجماعات المسلحة الأخرى في جميع أنحاء البلاد.

والحقيقة أن هذه الإحاطة تعيدنا مجددًا للتذكير أو التأكيد على كل ما جاء في تقارير كل المنظمات الحقوقية السورية والدولية، من أنه ليس في سوريا كلها منطقة آمنة، وأن كل الجغرافيا السورية يجب أن تكون خاضعة لمبدأ عدم الإعادة القسرية للاجئين بالنظر إلى المخاطر الجسيمة التي تواجه المرحلين قسرًا إليها، والتي تهدد أمنهم وسلامتهم النفسية والبدنية وحياتهم.

في تقرير بعنوان “حياة أشبه بالموت”، كانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قد أصدرته في تشرين الأول/أكتوبر 2021، قالت إن “اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا من لبنان والأردن بين 2017 و2021 واجهوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، واضطهادًا على يد الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها”، وإن المنظمة التي التقت 65 من العائدين أو من أفراد عائلاتهم وثّقت 21 حالة اعتقال واحتجاز تعسفي و13 حالة تعذيب، وثلاث حالات اختطاف، وخمس حالات قتل خارج نطاق القضاء، و17 حالة اختفاء قسري، وحالة عنف جنسي. وخلصت المنظمة إلى نتيجة مؤداها أن سوريا ليست آمنة، وأن هذه الخلاصة تتوافق مع النتائج التي توصلت إليها منظمات حقوقية أخرى وصحفيون ولجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة، التي وثقت جميعها اعتقالات تعسفية واحتجازًا وتعذيبًا وسوء معاملة وحالات اختفاء قسري وإعدام بإجراءات موجزة.

ورغم مرور عدة سنوات على هذا التقرير، فإن النتائج لا تزال متماثلة مع ما ورد في التقرير الأخير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ما يؤكد أن تلك الجرائم والانتهاكات هي جزء من سلوك وآليات عمل المنظومة الحاكمة، ويفند الدعوات التي يوجهها النظام للاجئين للعودة إلى بلدهم، وكذلك يدحض جميع المزاعم التي تسوقها دول المنطقة، بأن سوريا صارت آمنة بعد انتهاء الصراع المسلح، وتتخذها سببًا ومبررًا لترحيل السوريين من أراضيها.

الجديد في تقرير مكتب حقوق الإنسان الأخير أنه أكثر شمولًا، لجهة تأكيده أن المخاطر التي تواجه السوريين حال عودتهم أو إعادتهم قسرًا إلى بلدهم لا تقتصر على الأجهزة الأمنية الحكومية وميليشياتها، وإنما تشمل جميع سلطات الأمر الواقع التي تتقاسم الجغرافيا السورية، وكل الميليشيات المسلحة التي تتحكم بتلك المناطق، وهو أيضًا ما يجعل ويؤكد أن برامج “العودة الطوعية” المزعومة التي تعمل عليها وتروّج لها حكومات دول الإقليم مجرد أوهام وتضليل، واحتيال على القانون الدولي لحقوق الإنسان وعلى الالتزامات القانونية لتلك الدول بالمواثيق الدولية الموقعة عليها والتي تحظر إعادة اللاجئين أو طالبي الحماية إلى بلدهم الذي فروا منه بحثًا عن ملجأ آمن.

اللافت والمستغرب في هذا المجال هو ذلك الصمت المطبق من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لا سيما خلال السنوات الخمس الأخيرة، على عمليات الترحيل القسري للاجئين، والتي يفترض أن تضطلع بمهمة حماية اللاجئين وحقوقهم في دول اللجوء، وتلك هي وظيفتها بالأساس وغاية إنشائها، لكنها مع الأسف بالكاد تصرح بعض التصريحات الخجولة والملتبسة، فتحول دورها إلى مجرد منسق لبعض برامج وعمليات دعم اللاجئين عبر حكومات الدول المضيفة، خصوصًا أن تلك الدول التي تتذرع بسوء أوضاعها الاقتصادية تلقت أكبر دعم مالي لإدارة ملف اللاجئين وتقديم الخدمات لهم بحدودها الدنيا، ما يثير أمامنا سؤال الجدوى عندما يتعلق الأمر بسلامة اللاجئين وأمنهم وحياتهم، الذي يتعين عليها وحدها أن تقدم إجابة واضحة بشأنه.

لبنان وحده حصل ما بين عامي 2015 و2022 على 9 مليارات دولار لخدمة ملف اللاجئين الذي لا يتجاوز عددهم مليونًا واحدًا، فيما حصلت تركيا التي تستضيف أقل من 4 ملايين سوري منذ 2015 حتى 2020 على 6 مليارات يورو من الاتحاد الأوروبي فقط، عدا عن دعم المؤسسات الدولية الأخرى الذي بلغ دعمها عامي 2021 و2022 أكثر من 9 مليارات دولار، بحسب تقرير أعمال مكتب تركيا التابع للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين الذي تم استعراضه نهاية 2022، مع التنويه إلى أنه ليس كل السوريين يتلقون عونًا ماليًا أو خدميًا في تلك الدول، وأن قسمًا منهم يعيشون بالكامل من مردود عملهم وعلى حساباتهم الشخصية، وبالتالي لا يجوز أن تتخذ المصاعب الاقتصادية التي تعانيها تلك الدول سببًا لقسر اللاجئين على العودة لمواجهة تلك المخاطر التي أشار إليها التقرير.

تبعًا لما تقدم، وإن كانت هناك مواقف دولية جدية تجاه هذه المسألة تحديدًا، فإنه يتعين أن يكون هناك موقف حقوقي دولي تجاه أعمال الإعادة القسرية التي تمارس بحق اللاجئين السوريين تحت أي مزاعم كانت، وفرض إجراءات زجرية بحق الحكومات التي تمارس تلك الأعمال، من قبيل تقييد حركة دبلوماسييها، أو تخفيض الدعم المالي بما يتناسب مع حجم التجاوزات، وإفساح دور رقابي فاعل لمفوضية شؤون اللاجئين في هذا السياق، وإلا فإن معاناة اللاجئين ومواجهتهم للمخاطر ستستمر وسيتحولون إلى سبايا العصر.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *