اخبار عمان

الموقف اليمني الداعم لغزة | جريدة الرؤية العمانية

 

وافي الجرادي **

[email protected]

 

نتيجةً لمُجريات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ووحشية القصف الجوي وما يترتب عليه من دمار للبنية التحتية وقتل للأطفال والنساء ودون أدنى تمييز يُذكر، أو التزام بالقوانين والأعراف الإنسانية في التعاطي والتعامل مع الحروب، وحجم التمادي للكيان الصهيوني في استمرارية ومواصلة جرائمه على السكان في قطاع غزة وعدم استجابته للمطالب والدعوات الرامية لوقف الحرب وإدخال المساعدات، فما كان من اليمن وبرغم كل جراحاته إلّا أن يقوم بدوره الإنساني والأخلاقي في الدفاع عن القضية الفلسطينية، والوقوف ضد انتهاكات وممارسات الصهاينة بحق أرض وشعب تجمعه به روابط الدين والعروبة والثقافة، وليجسّد للعرب والمسلمين تحديدا وللعالم أجمع محورية وقُدسية فلسطين وأنها تستحق التضحيات، وأنه لابُد من تحرك عملي مُساند للأحرار فيها، وأن لا سبيل أمام هذه الأمة سوى استخدام القوة فما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة.

وبالنظر إلى المواقف العربية من الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن اليمن ورغم ما تعانيه من ويلات الحرب والصراع الذي طالها ولتسع سنوات قال كلمته الفصل في أن يقف إلى جانب أخيه في غزة وأن يتألم لألمِه، ويُعاني لمُعاناته، وأن يواجه الكيان الصهيوني إسنادًا ومؤازرهً للمقاومة الفلسطينية ودفاعًا عن القضية والمقدسات الإسلامية التي يحاول الصهاينة وبكل ما أُوتوا من قوة تدنيسها وبسط نفوذهم وسيطرتهم عليها ودون أي حق بأول بيان عسكري تلاه المتحدث العسكري لجماعة أنصار الله يحيى سريع في 31 أكتوبر الماضي بخصوص تنفيذ القوات المسلحة اليمنية ضربات بطائرات مُسيّرة وصواريخ باليستية على المدن المحتلة وعلى إيلات، استبشر كل اليمنيين خيرًا، ونال بيان المتحدث العسكري تقدير واستحسان الكثير من اليمنيين شمالًا وجنوبًا، وحتى قادة معارضين للحوثيين عبّروا عن دعمهم وتأييدهم لمثل هكذا ضربات تستهدف كيان العدو الإسرائيلي وتدعم المقاومة الفلسطينية في غزة، إنطلاقًا من واحدية الموقف للجميع تجاه إسرائيل وما تمارسه من جرائم وقتل بحق الشعب الفلسطيني ومنذ 75 عامًا.

لم يسبق أن توحّد اليمنيون كما هو حال توحدهم في أن تستمر الضربات على الأراضي الفلسطينية المحتلة وعلى مصالح وقوات الكيان الصهيوني في مشهد يعبر عن أن اليمنيين وإن أختلفوا سياسيًا أو مذهبيًا لا يمكنهم أن يفرّطوا في قضايا حسّاسة ومُهمة، كما هو حال القضية الفلسطينية، وأن فيهم من الغيّرة والعروبة ما يجعلهم على أتم الاستعداد لأن يذهبوا مشيًا على أقدامهم إلى غزة ومواجهة قوات وعتاد الكيان الصهيوني دفاعًا عن الأراضي ووقوفًا إلى جانب المقاومين هناك، لكون العدو هو عدو الجميع وجرائمه وبشاعته التي يقترفها ومنذ عقود زمنية طويلة لا تمس الفلسطينيين فحسب بل العرب أجمع، وأن مخططات وسياسات إسرائيل ليست مرسومة على منطقة جغرافية محددة بل تتعدى فلسطين لتشمل بلدان عربية مجاورة وربما مع المستقبل إن استقوت وتمكنت أكثر سنراها تبسط سيطرتها ونفوذها على كل عالمنا العربي وهذا لا شك فيه عند التمعُّن وقراءة التاريخ الاستعماري لليهود قديمًا وحديثًا.

خرج الملايين من اليمنيين في محافظات عدة في الشمال والجنوب تنديدًا وغضبًا باستمرار الحرب الصهيونية على قطاع غزة وهذا ليس بجديد على اليمن فقد سبق وأن كان للأنظمة السياسية المتعاقبة التي حكمته مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ورفضها القاطع لسياسات وانتهاكات المحتل للأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني الأعزل، وفي هذا إشارة واضحة إلى أنَّ اليمن وبرغم تعاقب أنظمة الحكم لا يُمكن أن يميل عن تعهداته والتزاماته تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعن حقوق الشعب الفلسطيني لكنّ الموقف اليمني الأخير جراء الحرب على قطاع غزة بات أكثر حزمًا من أي مواقف سابقة، وأن اليمن لم يعد في خانة التنديد والشجب؛ بل بات مشاركًا فعليًا في مجريات المعركة جراء عملياته وبالطائرات المُسيّرة والصواريخ البالستية على كيان العدو الصهيوني، ليعكس بهذا الموقف تحوّلًا جديدا في مسار التعاطي مع الكيان الصهيوني، فضلًا عن تعاون عميق وغير معهود مع الفلسطينيين في وقتٍ عجزت فيه الأنظمة العربية الأخرى عن القيام بدورها وواجباتها تجاه آلة الحرب القذرة التي يرتكبها الاحتلال بحق الأطفال والنساء، وتدمير كل ماله علاقة بالحياة والإنسانية في غزة .

يؤكد اليمن أن المأساة التي يراها كل العالم في غزة والتي يواصل المحتل في ارتكابها وافتعالها لا يمكن التغاضي عنها تحديدا وأن كل الدعوات الأممية والعربية والعالمية لضروره أن توقف إسرائيل حربها لا تكن محل قبول لدى حكومة نتنياهو، بل تُمعن هذه الحكومة في ارتكاب المزيد من الجرائم وتحاول تهجير سكان غزة وبالقوة ولهذا لزم على اليمن أن يقوم بدوره في مواجهة الاحتلال مع إخوانه الفلسطينيين والدفاع عن الأرض والعرض والدم الفلسطيني، وهنا تجسيد بطولي وعملي لانتصار اليمنيين للقضايا العادلة والوقوف إلى جانب المظلومين في فلسطين مهما كان حجم العناء والمشاق لليمنيين أنفسهم.

إن الضربات التي توجهها جماعة “أنصار الله” إلى أهداف ومدن تابعة لسيطرة الاحتلال لا تعكس مهام وواجبات الجماعة بذاتها وإنما تعكس مهام وواجبات كل اليمنيين والذين يجمعون كلهم على أن إسرائيل مجرد دولة احتلال، وأن المقاومة الفلسطينية مشروع جهادي مدافع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأنه ومهما حدث من متغيرات وتحولات في اليمن والمنطقة لا يمكنهم أن يتخلّوا عن القضية الفلسطينية فهي باقية وراسخة في وجدانهم وضمائرهم، وأنهم على أهبة الاستعداد من المهرة وحتى صعدة لأن يكونوا مشروع شهادة دفاعًا عن القدس ونُصرةً للمظلومين فيها.

** صحفي وكاتب يمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *