اخبار عمان

ومضات من لقاء وزير الإعلام

 

 

بدر بن خميس الظفري

waladjameel@

 

ما زالت لقاءاتُ الإعلامي موسى الفرعي مع أصحاب المعالي الوزراء مستمرة في برنامجه الرمضاني “معالي الوزير”، والذي كانت آخر حلقاته مع معالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام، الذي أفاض علينا كعادته من بحر فكره المتزن، ليعيد البوصلة إلى اتجاهها الصحيح بعد أن انحرفت ولو قليلًا عن مسارها المراد لها فيما يتعلق بواقع الإعلامي العماني.

وبعيدًا عن مقطع “الطيور المغردة” الذي اقتطعه من اقتطعه من سياقه، فإنَّ اللقاء بشكل عام يحملُ رسائل نبيلة ونصائح جليلة، ويعيد التذكير بهوية الشخصية العمانية الأصيلة المتزنة في طرح آرائها بعيدًا عن التيارات الفكرية المتطرفة، ويعيد تشكيل مبادئ وأُسس الإعلام العماني في قوالب حديثة تماشيًا مع تطور الأدوات الإعلامية واتساع رقعة تأثيرها، منبهًا إلى ما قد تؤول إليه الأمور بعدما أصبح الإعلام ذا قدرة فردية بأدوات متاحة وسهلة، في مقابل اقتصاره سابقًا على القدرة المؤسسية بأدوات معقدة غالية الثمن.

ومن أهم الأمور التي أوضحها اللقاء: الحرص السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم على فتح المجال لكل الآراء لأن تُطرح، ما دامت تلك الآراء تهدف إلى التنبيه إلى خطأ، أو تصحيح مسار، أو اقتراح فكرة، أو المساعدة على كشف خلل معيّن في أجهزة الدولة، وأنّ جلالته يدعم بقوة حريّة الرأي والتعبير، ويحث أجهزة الإعلام على تمكين الكتاب والمثقفين من كتابة آرائهم ونشرها، بشرط أن تكون تلك الآراء مسؤولة وبنَّاءة، وتستند إلى تحليل حقيقي، وتلتزم بالأسلوب الحسن في الطرح بعيدًا عن التجريح الشخصي للأفراد، إضافة لصفاء القلب وحسن النيّة، وهذا المنهج هو تركيب فطري في الإنسان العمانيّ الأصيل.

ومن الرسائل التي بعثها اللقاء أنَّ هناك خللا عالميًّا في منظومة القيم العالميّة، وأنّ هناك توجيهًا ساميًا بالعمل على وقاية المجتمع من مثل هذه الأفكار الهدَّامة، التي تسعى لتغيير الهيكل العام للمجتمعات من خلال فرض أفكار شاذة خارج منظومة المبادئ الإسلاميّة والعربية والعمانيّة، وهي مبادئ حافظ عليها العمانيون بالرغم من الغزو الثقافي الجامح الذي يجتاح العالم، مدعومًا بإرادات سياسيّة عالميّة قويّة، ودعمٍ ماديّ ضخم، وهنا نتحدث على سبيل المثال عن الرغبة الغربيّة في فرض ما يُسمى بـ”المثليّة الجنسيّة” على شعوب العالم بحجة المساواة في الحقوق، وحريّة اختيار الفرد لجنسه في حال إحساسه بعدم مناسبة توجهاته الفكريّة ومشاعره مع نوعيّة التركيبة التشريحيّة لجسده، إلّا أنّ الشخصيّة العمانيّة الصلبة لا تتأثر برياح هذا الغزو رغم شراسته، لأنها تستمد قوتها من ذاكرةٍ حضارية تعززها المعالم الطبيعيّة المنتشرة في البلاد من جبال وقلاع شاهدات على عزيمة العماني، ويحفزها تراث تاريخي مسطر في المدونات التاريخية، ويحفظها مجتمع متماسك لا تستفزّه العصبيات الضيّقة، وأخلاقٌ شهد لها بها من لا ينطق عن الهوى.

أمَّا فيما يتعلق بوسائل الاتصال الاجتماعي؛ فقد أوضح اللقاء أنَّ هذه الوسائل تشكل ما يُسمى “الإعلام الاجتماعي”، وهو وإن كان يمثل تحديًا من حيث اتساعه وتأثيره، إلّا أنه في الوقت ذاته يُشكل فرصة لإيصال صوت الأفراد إلى صناع القرار من جهة، والتواصل من قبل المسؤولين مع الرأي العام وإيضاح رأي الجهات المسؤولة حول القضايا المطروحة من جهة أخرى، وأنه وبالرغم من أنّ ما يُقدَّم على هذه المنصات ليست آراءً حقيقية؛ لأنها تُبنى على انطباعات وليس على تحليلات ودراسات علميّة وموضوعيّة، وبالرغم من أنّ الإحصائيات توضح أنّ الناشطين في هذه المنصات هم نسبة ضئيلة بالنسبة لعدد السّكّان، إلّا أنّ وزارة الإعلام ترصد كلّ الآراء وتحللها وتوصلها إلى المسؤولين.

كما حمل اللقاء بُشرى وضع إستراتيجية وطنيّة للقوى الناعمة، وهو مصطلح حديث لم يتم التوصل إلى تعريف نظري متفق عليه، إلا أنَّ الكاتب (جوزيف إس.ناي. الابن) في كتابه “مستقبل القوة” يحدد ثلاثة عناصر أساسيّة للقوى الناعمة لأي دولة؛ وهي: الثقافة التي تجتذب الآخرين، والقيم السياسيّة حين تتمسك الدولة بأهدافها الداخليّة والخارجيّة، وكذلك السياسة الخارجيّة التي تجعل الدولة في أعين الآخرين قوة مقبولة وذات سلطة معنويّة، وهي عناصر تتوافر بشكل واضح في سلطنة عمان، وكل ما نحتاجه هو تنظيم هذه العناصر من أجل الوصول للغاية الحقيقية من القوة الناعمة، وهو الجذب ومن ثَمّ الإقناع، شرط أن يكون الهدف هو الإقناع الإيجابي وليس السلبي؛ فالقوة الناعمة مثلها مثل أي قوة أخرى، قد تستعمل في الخير وقد تكون وسيلة للشر، كما يقول (إس.ناي) في كتابه.

إنَّ حريَّة التعبير ليست حرية مطلقة كما يتوهم البعض، فهي حريّة في حدود الأخلاق والأعراف والقيود والمُحدِّدات التي يتفق عليها مجتمع ما، وهذه القيود تهدف في الأخير إلى الحفاظ على السلم العام للمجتمع، وعلى تماسك مكوناته، وتجنب أفراده من الانزلاق نحو جُرُفٍ هارٍ؛ فقوة الكلمة لا يُستهان بها، ونتائجها قد تصبح كارثية إذا ما قيلت في غير موضعها، ووُظِفت لأغراض ضارة، كما أنّ هذه القيود تختلف من مجتمع إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى، فلكلّ بلد خصوصيته، وما يناسب غيرك قد لا يليق بك. وعندما نتحدث عن حرية التعبير عن الرأي في المجتمعات الغربيّة فنحن نتحدث عن مجتمعات تجرّم مثلًا كل من يُنكر المحرقة اليهوديّة “الهولوكوست”، وتجرّم تأييد “النازيّة” وقائدها أدولف هتلر، وقد أورد الأستاذ الدكتور أحمد محمد الدغشي ما يربو على 40 مثالًا على تقييد حريّة التعبير في الغرب في مقال نشرته صحيفة “البيان” الإماراتية تحت عنوان: “حرية التعبير في الغرب.. الحقيقة والوهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *