اخبار عمان

آفاق الأزمة السودانية | جريدة الرؤية العمانية

 

سمير الهنائي

إحدى أهم مشاكل وقضايا القادة العسكريين الذين حكموا السودان على مراحل مختلفة أنهم هوائي المزاج، وسرعان ما ينقلبون لتغيير سياساتهم. وفي تاريخ السودان ومنذ الاستقلال عام 1956 عن التاج البريطاني والملكية المصرية، لم يتمكن نظام مدني مستقر أن يحكم الدولة.

الوضع الراهن حاليًا يشير إلى ما لا يحمد عقباه، وأنه ليس في مصلحة السودانيين خوض أية حروب أهلية خلال هذه المرحلة. وكما نعلم أن التركيبة السودانية السياسية تحتوي على تيارات وأحزاب كثيرة، وأن الموقف قابل للاشتعال في أي لحظة بما في ذلك الجماعات الإسلامية.

تاريخيًا، عانى السودان من احتدامات وتصادم نتيجة عدم انسجام الرؤى حول كتابة دستور مُتفق عليه من الجميع، فكان تأثير التيارات المتعاقبة واضحًا على مختلف الدساتير التي شهدها السودان، مثل التيار الناصري أو الاشتراكي أو الشيوعي، علاوة على وجود تيار إسلامي متشدد لا يقبل المداهنات ولا التوجهات التي تختلف معه فكريًا. ومن المهم جدًا أن يدرك الجميع أن السودان قد يمثل بيئة مواتية لاندلاع حرب أهلية كبرى، وهذا ما لا يتمناه عاقل، فكفانا الصراعات القائمة في بلادنا العربية.

ومناشدة المجتمع الدولي لحل قضية السودان لن تجدي نفعًا بقدر طرح الحلول النافعة من أطراف المعادلة السياسية السودانية أنفسهم، وعلى دول الخليج أن تقدم المعونات والدعم للشعب السوداني من أجل أن ينعم بالاستقرار لكي تنتهي الأزمة بالتوافق التام بين كل الأطراف المتنازعة. ومن ذلك المنطلق، فإن الحل الوحيد لدى السودانيين الآن هو الحوار وتهدئة الوضع، ومن ثم مشاركة الجميع في كتابة دستور موحّد، يحتضن طموحات وتطلعات مختلف التيارات والأحزاب السياسية والشعب. ولو عدنا إلى الوراء قليلًا في تاريخ السودان، لوجدنا أن اللحظة الاستنثائية الناجحة حول نقل السلطة والتي ينبغي أن تكون القدوة الآن، هي ما بعد ثورة 1985، التي أطاحت بالرئيس جعفر النميري ليترأس المجلس العسكري آنذاك عبدالرحمن سوار الذهب، ذلك القائد الذي سلّم الحكم العسكري للسلطة في موعده، رغم كل ما كانت تمر به الدولة من عثرات ومشاكل اقتصادية كبرى خلّفها النميري، إلّا أنه نجح في تسليم السلطة دون إراقة قطرة دم واحدة.

على القادة السودانيين الذين يديرون المشهد السياسي الحالي الاقتداء بهذا الرئيس الفذ، في كيفية إدارة شؤون الحكم وتذويب الخلافات وتقريب وجهات النظر بصورة سريعة، والانسحاب من المشهد السياسي وتحديد مدة الحكم الانتقالي دون مماطلة، فما يحدث الآن عكس ذلك تمامًا من حيث وجود مماطلات من القادة والتشبث بالسلطة؛ مما دفع بالدولة إلى عدم الاستقرار.

وعندما نتذكر اللحظة التاريخية لهذا القائد والمفكر سوار الذهب الذي من خلالها آمن أن للسياسة أخلاقيات أهمها أن تكون مسؤولة، فلعل القادم سيكون أفضل للشعب السوداني إن عادوا العمل بتطبيق دستور 1985، ولو مُؤقتًا حتى يتسنى لهم صياغة دستور جديد.

وختامًا.. نتمتى إطلاق هدنة حقيقية وناجحة بما يحقق السلام والاستقرار ومن ثم تسليم السلطة للمدنيين وفق دستور توافقي نابع من الشعب، رغم وجود توجسات من استمرار العسكريين في مواصلة العمل السياسي وتأزيم الوضع، مما قد يؤدي إلى خروقات وتدخلات خارجية، تستغل وتستثمر الفراغ الدستوري، والنتيجة مزيد من التدهور في أوضاع السودان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *