اخبار تركيا

هل تُشعل احتجاجات جورجيا بؤرة صراع جديدة بين روسيا والغرب؟

علي الصاوي خاص اخبار تركيا

تسعى روسيا منذ غزوها لأوكرانيا إلى اتخاذ تدابير وقائية تمنع عنها فتح أى جبهات جديدة تُشتّت عمليتها في أوكرانيا وتجلب عليها مزيدا من العقوبات الأمريكية الغربيّة، لكن ذلك لم يمنعها من أن يكون لها بصمة في تشريعات دول مجاورة للتضييق على الدعم الغربي لمنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان التى تراها روسيا مجرد ذريعة للغرب لبسط نفوذه وتمدده الناعم عبر دعمه لتلك المنظمات للإضرار بمصالحها في دول الجوار.

أقرب تلك الدول كانت جورجيا التى شهدت احتجاجات واسعة رفضا لتشريع برلماني تقدم به الحزب الحاكم المتهم من قبل المعارضة بالتعاطف مع موسكو في حربها ضد أوكرانيا، والقانون ينص على أن المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي تتلقى أكثر من 20 في المئة من تمويلها من الخارج ملزمة بالتسجيل على أنها “عملاء أجانب” تحت طائلة الغرامة، ما أثار تساؤلات غربية ومنظمات حقوقية حول جدوى القانون غير أنه يُشبه تشريع روسي ما زال قائما، ويهدف إلى التضييق على الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، وألقت تلك الخطوة التى اتخذتها الحكومة الجورجية بظلال من الشك والتساؤل حول ما إذا كانت التطلعات الموالية للغرب ستستمر في ظل اضطراب روسي غربي بلا أفق سياسي واضح.

المتتبع لمواقف جورجيا إزراء الحرب الأوكرانية يجدها تتسم بالبرود الجانح إلى روسيا وغير المتفاعل مع تصريحات المسؤولين الأوكران، فقد كانت أوكرانيا تطمح في فتح الجبهة الجنوبية على روسيا لتطويقها والإضرار بمصالحها في منطقة القوقاز وتخفيف الضغط الروسي عليها، وقد تجلى ذلك في تصريحات رئيس وزراء جورجيا بأن السلطات الأوكرانية تحاول جرّ بلاده إلى الحرب مع روسيا، وأن المحاولات لا تتوقف لكن الحكومة تقوم بالكثير من العمل لمنع هذا الاختبار الصعب، وذلك ردا على سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني الذي دعا جورجيا لفتح جبهة ثانية ضد روسيا معتبرا أن هذا “سيكون مفيدا جدا لأوكرانيا”.

تريد روسيا فرض مزيد من التمدد الناعم وإحكام السيطرة وفرض الاستقرار في دول الجوار التى تمثل خاصراتها الرخوة في العمق القوقازي، عبر سياسات ناعمة تتسم بالحذر والترقب، وفي ذات الوقت تخشى من إثارة القلائل واستغلال الغرب أى ثغرة يدخل منها لإشعال الاحتجاجات واتساعها ما قد ينذر بتكرار السيناريو الأوكراني ويقع الروس في الفخ، خاصة وأن روسيا لها تجربة سابقة مع جورجيا في حرب أوسيتيا الجنوبية عام 2008 التى دعمت روسيا انفصالها عن جورجيا وما زالت تدعمها حتى الآن، والغرب يُدرك أن السياقات التاريخية مُهيّأة ومعطيات الاستفزاز حاضرة لنشوب صراع جديد بين جورجيا وروسيا يخدم صراعها مع الروس في أوكرانيا إذا استمرت الاحتجاجات واستثمرها الغرب جيدا لإثارة مخاوف روسيا الجيوسياسية.

الاحتجاجات قد تعبّر عن رغبة الغرب في تغيير حكومة جورجيا والإتيان بحكومة جديدة على غرار ما حدث في أوكرانيا سابقا في عهد يانكوفيتش الموالي لروسيا وسقوطه في 2014 وتولى حكومة موالية للغرب، وذلك لتحذو حذو الغرب وتتخذ موقفا حاسما ومواليا ضد روسيا في الحرب على أوكرانيا بناء على تقديرات المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن حزب الحلم الحاكم يقود جورجيا نحو مجال نفوذ روسي حسب تقرير نشره عام 2021. وما يؤكد هذا الاتجاه هو موقف الرئيس الأوكراني زيلنيسكي من الاحتجاجات حيث قال: “ما من أوكراني لا يتمنّى لجورجيا الصديقة النجاح، النجاح الديمقراطي، النجاح الأوروبي. ” في صورة تكشف تناغما أوكرانيّاً غربيّاً يرغب في جرّ جورجيا إلى الصراع الدائر مع روسيا ومحاولة تغيير الحكومة الحالية بضغط الاحتجاجات، فهل تستطيع جورجيا الصمود أمام الضغوط الحالية وتستمر في الحفاظ على مشاعر سياسية متوازنة بين المعسكر الشرقي والغربي؟

عن الكاتب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *