اخبار عمان

جادك الغيث يا تشكيلة الأحلام

المجاهد بن خليفة الجهوري

“كانت رحلة لا تُنسى”.. بهذه الكلمات أسدل سيرجيو بوسكيتس الستار على حقبة ذهبية لنادي برشلونة الإسباني، لتنطفئ معه “تشكيلة الأحلام” التي نضحت جمالا، ونطقت كبرياء وشموخا، معلنا عن طي صفحة تشكيلة تاريخية مرصعة بالألقاب والإنجازات، تشكيلة عانقت المجد من أوسع أبوابه وتحولت الملاعب معها إلى ساحة كرنفالات زاخرة بالإمتاع البصري، امتزج فيها شغف المدرجات وإثارتها مع جيل ذهبي استكانت له أعرق الأندية الإسبانية والأوروبية وخطت للنادي الكاتلوني مكانة مرموقة عالية المقام والقيمة.

وإزاء وداع مؤلم كهذا وصورة عاطفية كهذه يستحضر البرشلوني مقولة أحد الفلاسفة: “الذكريات مؤلمة، سواء أكانت جميلة أم محزنة”، فيما يقول أحد الرفاق وعيناه شاخصتان نحو أفول آخر نجم من تشكيلة الأحلام: حق لهذه الصورة أن تنصب وتعلق في أروقة الكامب نو، ومكاتب الاتحاد الإسباني، ومعالم مدريد وشوارعها النابضة، وأزقة إسبانيا قاطبة، ومتحف الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” بزيورخ؛ ذلك أن “فريق الأحلام” ملأ الملاعب وشغل الجماهير، رسم المتعة بنغمة ال “تيكي تاكا” وسطرها بإبهار كروي مكتمل الأركان، صفق له المنافس مذهولا مندهشا، ومعه وبه نال الماتادور الإسباني وجمهوره المتعطش ما عجزوا عن نيله وتحقيقه طوال تاريخهم الكروي.

بمستويات كروية باهرة سلبت لب القلوب وسحرت العيون، امتزجت روعتها ما بين ثنايا التشويق والإثارة والسطوة الكروية المفرطة محليا وأوروبيا وعالميا، وبين الأداء الممتع بإيقاع السهل الممتنع استحوذ فريق “الأحلام البرشلوني” على شغف الجمهور ومشاعره، وحرك أذهان أنصاره مشعلا فيهم جذوة ولهيبا لا يهدأ بأداء وفلسفة كروية جديدة مختلفة كليا عما اعتادوا عليه قبل ظهور المارد الكتالوني المرعب.

اليوم ونحن نطوي صفحة كروية خالدة أشفق على حال أولئك الذين فضلوا إثارة الجدل المفتعل حول أحقية ميسي ورفاقه بالثناء والإشادة والتقدير عوضا عن الاستمتاع بمشاهدة السحر الكروي الحلال، واللوحات الفنية العبقرية المتناثرة على امتداد القارة العجوز، وأولئك الذين لم تسعفهم الحياة لتوثيق لحظات الفرح والانتصار الاستثنائية والتي سيذكرها الزمان مرارا ويرددها تكرارا.. أشفق عليهم كثيرا جدا عند كل شهقة وزفرة.

مهما تكن جراحك غائرة، فلا تبهت ولا تتحير ولا تستهن بفريق “الأحلام البرشلوني” ما لم تلامس الحد الأدنى مما حققه، ومطابقة ما قدمه في عالم المستديرة فـ”لم يكن وصله إلا حلما في الكرى أو خلسة المختلس”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *