اخبار عمان

خطر الإفراط في حسن الظن وعدم الحذر (2)

 

 

داؤد بن سليمان الظفري

يُسهم الإفراط في حسن الظن بالآخرين كذلك في التعلق بأشخاص خطرين أو تعامل غير مرغوب به مع الآخرين، فهو لا يرى أمامه إلا إنسانًا خيّرًا صالحًا طيبا، فيستمر في تعامله معه وفي إفشاءِ أسراره الخاصة، والبوح بكل ما يخص حياته الخاصة والعامة، فيُلقي بنفسه في الخطر وهو لا يدري، ولا يكون على دراية بالحقائق والوقائع الحقيقية ويميل إلى تجاهل أي علامات تشير إلى عكس ذلك، لأنه لم يتعامل بحذرٍ وحكمة، بل بطيبةٍ وحسن نية عمياء. لذلك يجب على الفرد أن يتعامل بشكلٍ متوازن مع حسن الظن والحذر من الآخرين، إذ أمر الإسلام المسلم بأخذ الحيطة والحذر في حياته حتى من أقرب أقرباءه، فكيف بالبعيد أو العدو له، كقوله سبحانه وتعالى: “یَأَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُوا۟ إِنَّ مِن أَزوَ ⁠جِكُم وَأَولَدِكُم عَدُوࣰّا لَّكُم فَاحذَرُوهُم” (التَّغَابُنِ:14)، وقوله عز وجل: “وَإِذَا كُنتَ فِیهِم فَأَقَمتَ لَهُمُ الصَّلَوةَ فَلتَقُم طَاىِٕفَةࣱ مِّنهُم مَّعَكَ وَلیَأخُذُوا۟ أَسلِحَتَهُم فَإِذَا سَجَدُوا۟ فَلیَكُونُوا۟ مِن وَرَاىِٕكُم وَلتَأتِ طَاىِٕفَةٌ أُخرَى لَم یُصَلُّوا۟ فَلیُصَلُّوا۟ مَعَكَ وَلیَأخُذُوا۟ حِذرَهُم وَأَسلِحَتَهُم وَدَّ الَّذِینَ كَفَرُوا۟ لَو تَغفُلُونَ عَن أَسلِحَتِكُم وَأَمتِعَتِكُم فَیَمِیلُونَ عَلَیكُم مَّیلَةࣰ وَ ⁠حِدَةࣰۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَیكُم إِن كَانَ بِكُم أَذࣰى مِّن مَّطَرٍ أَو كُنتُم مَّرضَى أَن تَضَعُوا۟ أَسلِحَتَكُم وَخُذُوا۟ حِذرَكُم إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلكَفِرِینَ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا” (النِّسَاءِ:102)، وهناك من سيقول بأن هذه الآية تشير إلى الحذر من الأعداء في الحرب، وأقول هل لديك ما يظمن لك بأن كل الناس الذين تتعامل معهم هم أحبابك وليسو أعداءً لك؟ هل لديك ما يظمن بأن الذين تتتعامل معهم لن تتغيرقلوبهم ومشاعرهم اتجاهك مع تقلب الأيام وتبدل الأحوال؟ ومع ذلك فإن أوامر الله في القرآن عامة لكل زمانً ومكان وفي كل تعاملات الإنسان، أما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”، فيُستنبط منه توجيه وإرشاد المؤمن في أخذ الحيطة والحذر وعدم الوقوع في الغفلة، وإنما التعامل بحزمٍ وفهمٍ ودراية، فلا يُخدع مرة بعد أخرى. إذن فلا إفراط ولا تفريط، وإنما يجب على الإنسان أن يكون متزنًا بين حسن الظن والحذر والانتباه من الآخرين، عليه أن يضبط حدود حسن الظن وأن يكون واعين في تقييم الآخرين والتعامل معهم، حفاظًا على مصلحته ومصلحة المجتمع.

فحسنُ الظن مطلوبٌ لسلامة العلاقات الأسرية والاجتماعية، وتوثيق أواصر المحبة والأخوة، وإعطاء الآخرين فرصة لإثبات أنفسهم والتعامل معهم بمرونة وتفهّم، والحذر والانتباه من الآخرين واجبٌ ومطلوب، حتى لا يقع الإنسان في الغفلة والعلاقات الكاذبة، فيتعرض للاستغلال والخيانة والخداع، بل عليه أن يكون مطّلعن على الوضع الحقيقي والحقائق الظاهرة للأشخاص، وأن يثق بمن يستحقون الثقة وفقًا لتصرُفاتهم وسلوكِهم الحقيقي، وهذا لا يعني المبالغة في الحذر والخوف من الآخرين، أو التعميم على الجميع بشكلٍ عشوائي في الشك فيهم وفي توقع الشر والنوايا السيئة منهم، لأنَّ المبالغة في الحذر من الآخرين دون أي أساس ثابت أو دليل قاطع، قد ينتج عن هذه التصرف تأثيرات سلبية وخطيرة على مستوى العلاقات الشخصية والاجتماعية والمهنية، وإنشاء حواجز وجدران تفصل بين الفرد والآخرين، والابتعاد عن تكوين علاقات اجتماعية، فلا بد من الحكمة والموازنة بين حسن الظن، والحذر من الآخرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *