اخبار الأردن

مبضع الاقتطاع يضرب في الجامعات مجددا… وهذه المرة تزامنا مع عيد الاستقلال

جو 24 :

كتب د.عبدالحكيم الحسبان وفي العام السابع والأربعين من عمر جامعة اليرموك، وفي توقيت لافت تزامن مع احتفالات الدولة الأردنية بعيد استقلالها، يتلقى العاملون فيها خبر قرار إدارتها، وبطلب من ديوان المحاسبة اقتطاع ما يصل إلى خمس الراتب الشهري والمتعارف عليه بعلاوة الموازي، التي يتقاضاها عضو هيئة التدريس الذي يمضي، أو سبق وأن أمضى سنوات من التفرغ العلمي.

والحال، أن قرار مجلس الجامعة الذي جاء هذه المرة بإيعاز من ديوان المحاسبة، لينضم إلى سلسلة من القرارات التي تعددت مصادرها، وكان آخرها قرار لمجلس أمناء الجامعة كان يتعلق أيضا بذات العلاوة أدى إلى سلسلة من الاعتصامات قام بها العاملون في الجامعة أمام مبنى الرئاسة، لم تكد تنفض حتى فوجئ العاملون بقرار جديد من نفس صنف القرارات السيئة والمشينة بحق العاملين بالجامعة، وبحق الجامعة نفسها حاضرا ومستقبلا.

ما كان ملفتا أيضا في القرار هو توقيت صدوره وإعلانه. فقد تلقى العاملون في الجامعة القرار ليلة عطلة عيد استقلال البلاد وحيث درجت العادة أن يكون الحرص في أوجه لدى الدولة ورجالاتها على أن يتم بث أكبر قدر من محتوى الخطابة والرطانة والقرارات التي تمكن من ضخ أكبر منسوب من مشاعر الانتماء والفخر بالوطن، والإيمان بمستقبله، والتفاؤل بغد مؤسساته. أجزم أن كثيرين وأمام ما يجري في الجامعة وفي البلاد عموما وقفوا حائرين في تقييم مستوى الحصافة في اختيار التوقيت لاتخاذ وقف العلاوة، وإبلاغ العاملين بالجامعة فيه، هل كان في منتهى الذكاء أم كان في نقيضه. فقد بات كثير من الأردنيين لا يعرف ما الذي يراد بالضبط لهذه البلاد، وما هو المصير المتوخى والذي تقاد إليه مؤسساتها؟

فقرار حرمان من يحصل على سنة تفرغ علمي من حق الحصول على علاوة الموازي الذي تم قذفه في وجه العاملين في الجامعة، لم يكن إلا القرار الأخير في سلسلة طويلة من القرارات التي تعددت مصادر اتخاذها من خارج الجامعة، ومن مجالس ة بها، ومن مجالس تعمل داخلها. فمنذ أكثر من عقدين، لم يعد يسمع العاملون في الجامعة إلا قرارات وتعميمات تقرر وقف العمل بخدمة لوجستية هنا، وبحق مالي أو أكاديمي أو بحثي أو معيشي هناك. فبحجة الوضع المالي الصعب للجامعة، تتوالى القرارات، ولكن المفارقة التي نعيشها مع صانع القرار في مجال التعليم العالي وفي جامعة اليرموك، أنه وبالرغم من توالي صدور قرارات تخفيض الانفاق، واقتطاع النفقات هنا وهناك المتواصل منذ سنين، فإن الأزمة المالية تتعمق وتزداد بدلا من أن تزول وتتقلص.

في سلسلة القرارات التي صدرت في السنوات الأخيرة والتي امتهنت مد اليد على المردود القليل الذي يتقاضاه العامل في الجامعة، فإن القائمة تطول كثيرا، ولن يتسع المقام هنا حتى لسردها، ناهيك عن شرحها. وعليه، فلا بأس من أعادة التذكير ببعضها، كي لا نتهم في هذه الجامعة بأننا ننتمي إلى القوم المحرضين، أو ننتمي إلى هواة الندب أو الغنج الإعلامي.

في سلسلة القرارات التي ضربت المؤسسة والعاملين بها، ستجد قرار يحرم العاملين فيها علاوة نقل موحدة يتقاضاها كل العاملين في الجامعات، إلا العاملين في جامعة اليرموك تحديدا. وستجد تعليمات باتت عرفا تمارسه ادارات الجامعة المتعاقبة يحرم العاملين فيها ما يحصل عليه العاملون في الجامعات الأخرى وهو يتعلق بحق الحصول على مبلغ لا يتجاوز نصف قيمة مكافأة نهاية الخدمة. العاملون في اليرموك دون أشقائهم في الجامعات الحكومية الأخرى محرومون من هذا لحق.

وفي قائمة الاقتطاعات التي امتدت لها يد القرارات المشينة، ستجد قرارات حرمت العاملين على مدى سنوات في الجامعة حتى من تدفئة مكاتبهم التي يضربها برد كانون القارص. وستجد قرارات قررت اقتطاع نسبة عشرين بالمئة من أي مكافأة مالية يحصل عليها عضو هيئة التدريس لقاء عمله في مشروع بحثي دولي تضاف إلى نسبة مماثلة تحصلها ضريبة الدخل، وبما يبعث برسالة سيئة جدا إلى كل من يتجشم عناء البحث العلمي والتقدم لمشاريع دولية تخدم الجامعة ومجتمعها المحلي كما مجتمعها الأردني الكبير. ولم تنج قطاعات البحث العلمي، والمشاركة في المؤتمرات الخارجية، والتأمين الصحي، والتدريس الاضافي والتدريس في الفصل الصيفي من المطاردة المتواصلة من قبل مبضع صانع القرار.

ويستذكر كثير من اليرموكيين عبارات التباهي التي كان يطلقها احد رؤساء الجامعة السابقين، التي كانت تذكر بقراره تخفيض عدد صحون المقبلات التي تقدم في وجبات كافتيريا الجامعة لضيوفها الرسميين لتكون ثلاثة ـطباق بدلا من أربعة. فوفقا لأرقام عطوفته، فقد وفرت الجامعة ما يصل إلى 15 إلف دينار من تطبيق هذه القرار، ولكن عطوفته لم يخبرنا كم ضيفا، وكم ممول غربيا او دوليا خسرنا نتيجة إزاحة صحن الحمص من قائمة المقبلات. وفي حديث عطوفته عن صحن المقبلات تتكشف مأساة الجامعات والعقل التي يدير معظمها، وحيث يصبح صحن الحمص هو محور استراتيجي في الإستراتيجية المالية عند صانع القرار للجامعة. وأما المفارقة المأساة، فهي أنه وبعد سنين طويلة من القرار الثوري لعطوفته بإزالة صحن المقبلات من قائمة الطعام، عادت الجامعة لتكتشف أن مالية الجامعة لم تتحسن، بل زادت ثقوبها وبات عدد هذه الثقوب أكثر من تلك التي تحتويها الجبنة السويسرية الشهيرة، وبتنا نحتاج لقرار ثوري حصيف آخر يتعلق بالاقتطاع، وخفض النفقات.

ولقد وصل الحال في العاملين بالجامعة، أنهم باتوا يعيشون في جامعة لا تشبه مطلقا الجامعات التي نعرفها في كل دول العالم. فقد باتت الجامعة تفتقر إلى مطعم أو كافتيريا واحدة في كل مبانيها بعد أن سادت نظرية بناء الأكشاك لأنها تدر مالا مباشرا في حين نظر إلى الكافتيريات على أنها تكلف الجامعة مالا. وفي حين يطلب من العاملين في الجامعة تمضية وقت أطول في الحرم الجامعي، فإن هذا الطلب لا يستقيم مع حقيقة أن إدارات الجامعة المتعاقبة عملت على إقفال الكافتيريات الجامعية واحدة تلوا الأخرى بحيث بات الحصول على وجبة الغداء يتطلب منك أن تذهب إلى الدائرة المالية في الجامعة قبل يوم واحد على الأقل من وجبة الغداء لتدفع ثمنها في الدائرة المالية، ولتحصل على وصل مالي يمكنك من خلاله أن تذهب في اليوم التالي للكافتيريا الوحيد واليتيم والصغير الموجود في الجامعة. الحصول على وجبة طعام تتشارك بها مع عدد من الزملاء بات حلما الآن، كما بات ذكرى من الماضي الذي سبق وأن عاشته الجامعة ذات يوم مجيد.

سأجرأ على القول أن العقل الذي يرى في الكافتيريا الجامعي هدرا للمال هو عقل إداري سقيم، والدليل الأكبر على سقمه، هو أنه مع كل إقفال لواحدة من كافتيريات الجامعة تخفيضا للنفقات، كانت نفقات الجامعة تزيد، وكانت أزمتها تتعمق، وعلاقة العاملين يبعضهم البعض تزداد سوءا، والحصيلة أن إنتاجية الجامعة كانت تقل يوما بعد يوم. أجزم أن لا حياة جامعية سليمة حين يفتقر 43 الف طالب، وثلاثة الاف من العاملين بالجامعة من مساحات وفضاءات مكملة للغرف الصفية من قبيل الكافتيريات، والنوادي والاتحادات.

وبالعودة إلى القرار الأخير المتعلق بإزالة علاوة الموازي من كشف الراتب الذي تجمد منذ عشرين عاما، بحيث لم يسمع أحد من العاملين بالجامعات عن زيادة الرواتب وبات الحديث عن زيادتها هو من المحرمات التي تودي بصاحبها في التهلكة. وبالعودة إلى هذا القرار بالاقتطاع من راتب من يحصل على إجازة التفرغ العلمي من أعضاء هيئة التدريس، فإن التمعن في جوهر القرار، كما في الشكل والإلية التي اتخذ وفقها، كما في تبرير الدافع وراء اتخاذه يكشف عن عمق المأساة التي يعيشها قطاع التعليم العالي، كما يكشف عن الأزمة التي يعيشها عقل الدولة برمته الذي يدير كافة مفاصل الدولة وقطاعاتها، وقطاع التعليم العالي تحديدا.

لقد قيل في تبرير القرار أنه جاء لتلبية طلب من ديوان المحاسبة. وهنا لا بد من التوقف كثيرا عند هذه الاشارة. فهناك الكثير مما يجب أن يقال حول منطقية، وشرعية، وأهلية ديوان المحاسبة، لممارسة الولاية على الجامعات. وهنا لا انتقص مطلقا من الدور الوطني لديوان المحاسبة، وأهميته، ودور العاملين فيه في ضمان أوجه الإنفاق الرشيد في مؤسسات الدولة. ولكن ممارسة ديوان المحاسبة الولاية والوصاية على الجامعات، ينبغي أن تطرح كثيرا من النقاش الاستراتيجي حول مفهوم الجامعة في الأردن، وحول هويتها، وحول من يتولى أمور الولاية على شؤونها. أجزم أن أزمة الجامعات في الأردن باتت تكمن في الحال الذي وصل إليه تعريف الجامعة وتشخيص دورها، وبالتالي تحديد الأهداف المتوخاة منها كقطاع وفضاء ضمن مجموعة من القطاعات والفضاءات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية والبيئية والزراعية.

ربط الجامعات بديوان المحاسبة، يعني أن عقل الدولة بات يرى في الجامعات نفس ما يراه في دائرة الأحوال المدنية، وفي مديريات الزراعة، والصناعة، والأوقاف في محافظات المملكة. فهو بات يرى فيها مجرد ذراع إداري بيروقراطي لا يختلف في مفهومه، وبنيته، وتشريعاته وهيكله البيروقراطي عنها. فالجامعات باتت تعرف من قبل من يهيمن على صناعة القرار على أنها مجرد بنى بيروقراطية بين مئات البنى والهياكل البيروقراطية التي تتكون منها الدولة الأردنية. وهنا تكمن واحدة من الأخطاء الإستراتيجية الكبرى التي وقعت فيها صناعة القرار في قطاع التعليم العالي في البلاد. فالجامعات في أهدافها، وبناها، والأدوار التي تقوم بها، وطبيعة العاملين بها، وفي نوعية المنتج المعرفي والمهاراتي والقيمي والأخلاقي الذي تقدمه، وفي طبيعة التشبيك والتمفصل بين المحلي والوطني، وبين الوطني والدولي التي تضطلع به، لا تشبه مطلقا بقية البنى البيروقراطية التي تتكون منها الدولة، وتحتم قيام ديوان المحاسبة بالتالي بالتدقيق في أمور المالية العامة لها.

ولعل أكبر عامل يثبت تهافت منطقية ارتباط الجامعة بديوان المحاسبة، هو أن الدولة التي تجبي ما يصل إلى 400 دينار من دافعي الضرائب باسم الجامعات، لا تدفع منها سوى 80 مليونا للجامعات، ولتحرم العديد من الجامعات من أي مخصصات من المال العام، كحال الجامعة الهاشمية، والتكنولوجيا، والأردنية، والالمانية التي بلغ تلقيها للمال العام صفرا وعلى مدى عدة سنوات، في حين حظيت جامعة اليرموك التي بلغت نفقاتها أزيد من ستين مليونا بما يصل إلى خمسة ملايين دينار. ما يعني أن المال الذي يدخل الجامعات، ليس مالا عاما في جله أو في معظمه، وبما يشبه حال مديريات الزراعة والأوقاف، بل هو مال تم تحصيله وفق اليات خاصة بالجامعات، وهو في جزء منه قد يأتي من مشاريع بحثية دولية أو تبرعات من جهات أهلية. وهنا تكمن واحدة من الإشكاليات التي تعيشها الجامعات في البلاد، فهي مطالبة بالإبداع في توفير مصادر تمويلها، ولكنها في المقابل تعامل كأي جهاز بيروقراطي أردني ما يحتم أن يقوم ديوان المحاسبة بالنظر في كل أموره المالية.

ولعل المأساة الكبرى التي نتجت عن هذه العلاقة المتلبسة بين الجامعات وديوان المحاسبة والتي تكشف في النهاية عن الأزمة الكبرى التي يعيشها عقل الدولة على صعيد تعريف مفهوم الجامعة، تتكشف في استناده إلى تعريف كلمة “إجازة” في حرمانه من يحصل على إجازة تفرغ علمي من حق الحصول على علاوة الموازي باعتبارها تدفع لمن هو على رأس عمله، وليس لمن هو في “إجازة”. لقد ضحكت وبكيت في الوقت عينه، وأنا أقرأ التعريف والتكييف القانوني لكلمة “إجازة”، وبما يكشف عن سقم الحال الذي وصل إليه عقل الدولة على صعيد إدارة القطاع الجامعي. فقضاء سنة تفرغ علمي باتت إجازة، وهي تشبه الإجازات الأخرى التي ينعم بها العامل بالراحة، وربما يقضي وقته في السياحة والسفر وتحقيق قسط من الاسترخاء العصبي والنفسي والعقلي في ربوع تركيا أو تايلاند أو هنغاريا.

إن الأجازة التي يتحدث عنها ديوان المحاسبة وصانع القرار هي إجازة تفرغ علمي، أي أن عضو هيئة التدريس يأخذ أجازة من أحد أعبائه الكثيرة التي أناطها به مفهوم العمل الأكاديمي، وهي التدريس، وخدمة الجامعة، وخدمة المجتمع المحلي، والتشبيك المحلي والدولي، والعمل البحثي، والنشر في المجلات المحكمة. وعليه، فإن إجازة التفرغ العلمي، هي ليست إجازة، وهي ليست سياحة وترفيها في استانبول، بل هي في صميم عمل عضو هيئة التدريس الذي ينبغي أن تحاسب الجامعة أي عضو تدريس إذا قصر فيه، وليس أن تحاسبه وتعاقبه إذا فكر في الحصول عليه. فحين يحصل الأستاذ الجامعي على إجازة تفرغ علمي، فانه يكون بذلك ينتقل من ميدان عملي هو التدريس إلى ميدان آخر هو في صلبه عمله، وهو البحث العلمي، وهو بذلك ليس في إجازة مطلقا.

أجزم أن واحدة من المآسي التي بات يعيشها قطاع التعليم العالي في البلاد، بات يكمن في اختزال مفهوم الجامعة والعمل الجامعي، بوجود طلاب جالسون في قاعات, وبوجود أساتذة يدخلون إلى هذه القاعات، ولم تعد الجامعة وفق تعريفنا السقيم هذا إلا مجرد صفوف دراسية يجلس فيها طلبة، ويقف فيها أساتذة يحاضرون. وحين تعرف الجامعة وفق هذا التعريف، فإن سنة التفرغ العلمي سوف تندرج ضمن مفاهيم النقاهة والسياحة والإجازة. ففي مرحلة التأسيس للجامعات في الأردن، كنا نرى في الأستاذ الجامعي فاعلا معرفيا في قاعات التدريس داخل الجامعة، وباحثا علميا داخلها وخارجها، وخادما لمجتمعها المحلي حولها، وموفدا لها في مهمة تدريبية لشقيق خليجي خارجها، وهي كلها مهام لا يستقيم معنى الأكاديمي دونها. أما وقد وصل الحال بنا حد تعريف الجامعة وعضو التدريس بنفس الكيفية التي يعرف العقل البيروقراطي بها أجهزة الدولة، فإن أنشطة البحث العلمي باتت تستحق وصف الإجازة، باعتبار أن المهمة الوحيدة لعضو هيئة التدريس هي داخل قاعات الجامعة الصفية.

لقد قيل في تبرير القرار الحزين المتعلق بإلغاء علاوة الموازي من رواتب من يحصلون على “إحازة” تفرغ علمي، أنه يمثل استجابة لتصويب ممارسة غير قانونية تسود منذ فترة طويلة في الجامعات، وعليه فان قرار الجامعة وديوان المحاسبة، كان بمثابة تصويب لوضع غير قانوني. أحزم أن ثمة شعور بالمرارة لدى العاملين في جامعة اليرموك من استخدام هذا التبرير. فالعاملون في الجامعة، لم يروا أي جهد من ديوان المحاسبة في إلزام مؤسسات الدولة التي ترسل آلاف الطلبة للجامعة، وتتراكم مستحقات الجامعة عليها، وترفض أن تدفع ما يضطر رؤساء الجامعات للجوء للبنوك ودفع فوائد مالية مرهقة، كي يغطوا المبالغ التي ترفض جهات حكومية أن تدفعها.

كما يشعر هؤلاء العاملون بالمرارة وهم يرون أن ملفات من قبيل ملفات التعيين بالكارت وحيث مئات الأشخاص يتم تعيينهم في ذروة إغلاقات الكورونا ويسببوا ثقبا في مالية الجامعة، وملفات لشراء أراض لصندوق الاستثمار ثار حولها لغط كبير بسبب حجم الخسائر فيها، وتحتاج إلى جلاء الحقيقة حولها، وملفات لتعيين المئات من أعضاء هيئة التدريس في سنة واحدة في كليات تعاني الآن من نقص العبء التدريسي لأساتذتها، لم تحظ بالجهد الكافي من أجهزة الدولة الرقابية حول ما جرى فيها، وحول الأطراف التي تتحمل مسؤوليتها. كم كنا نتمنى جهدا من الإخوة في ديوان المحاسبة في معالجتها والكشف عن المتورطين بها.

سبق وأن كتبنا الكثير حول الجامعات وحول ما يجري فيها، واعترف أن الكتابة لم تعد مطلقا بهدف إحداث تغيير في خط المسارات الحزينة بها، فما يكتب أو يقال ومهما كان حكيما ومنطقيا وعاقلا فهو لا يترك تأثيرا، فمن يملك العقل والبصيرة والفهم العقلي للأمور، يفهم ما يكتب ولكنه يعجز عن اتخاذ القرار، وأما من يتخذ القرار فإنه وبحكم تكوينه وعمله فإنه لا يملك مطلقا المعرفة التقنية والعلمية، والحكمة العملية كي يدرك تعقيدات المشهد ويعكسها فيما يتخذ من قرار. وعليه، فإن الكتابة باتت هي مجرد تعبير نفسي عن وجع، وألم يعتصر في سويداء القلب لكل منتم إلى هذه البلاد ومؤسساتها.

تابعو على google news


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *