اخر الاخبار

اللحوم تغيب عن موائد اللاذقية في عيد القوزلة

لأول مرة في حياته، لن يحيي “أبو ماجد” (56 عامًا) طقوس عيد القوزلة، التي تتضمن شواء اللحم الأحمر سواء غنم أو بقر، نتيجة ارتفاع أسعارهما الكبير، فكيلو لحم الغنم بـ180 ألف ليرة سورية والعجل بـ160 ألفًا (كل دولار أمريكي يعادل 14600 ليرة).

“أبو ماجد” وهو من ريف جبلة، كان حتى مطلع عام 2023، قادرًا على إحياء طقوس العيد، فحينها لم يزد ثمن كيلو اللحم عن 40 ألف ليرة بخلاف اليوم، قائلًا “حتى نفكر نشوي فروج مارح تظبط معنا، صار الواحد بدو قرض لياكل”.

عيد القوزلة الذي يصادف يوم 13 من كانون الثاني، ليس عيدًا دينيًا، إنما هو عيد رأس السنة وفق التقويم الشرقي، واعتادت كثير من الأسر في الساحل السوري، إحياءه بذبح الأضاحي، وتوزيعها على المحتاجين والجيران، لكن الظروف المعيشية السائدة حاليًا، منعت هذا العرف وبالكاد تستطيع العائلة أن تشتري كيلو واحد من اللحم الأحمر.

ومع توالي السنوات وازدياد الفقر، انحصر الاحتفال بهذا العيد في بعض قرى بانياس بمحافظة طرطوس، وجبلة، وكذلك صلنفة والدعتور وبشلاما والحارة بريف اللاذقية.

الفروج عوضًا عن اللحم

اعتادت الستينية “أم علي”، أن تبدأ يوم القوزلة بزيارة المقامات الدينية مع عائلتها صباحًا، لتتبارك العائلة بسنتها الشرقية الجديدة كما هي التقاليد والأعراف، ثم تعود إلى منزلها وتبدأ بتحضير المأكولات الخاصة بهذا اليوم، مثل “الكبة والزنكل” اللتين يجب أن تتوفرا إلى جانب طبق الشواء الذي لابد من وجوده على المائدة أيضًا.

السيدة التي اكتفت هذا العام بصناعة “كبة الدجاج” مع إضافة الكثير من البصل إلى الحشوة، حتى تصبح كافية لعائلتها، تستذكر كيف كان والدها يقوم بذبح كبش خروف أو عجل بهذا اليوم، حيث يوزع قسمًا منه على الجيران والمحتاجين، ويخزن الباقي في الثلاجة، بينما اليوم كما قالت السيدة “إذا قدرنا ندبح جاجة فبيكون حظنا كبير”.

ويرافق مأكولات هذا اليوم نوع معين من الخبز، كانت النسوة تخبزنه في التنور الذي كان من الشائع وجوده لدى كل عائلة بخلاف اليوم، حيث من النادر أن يوجد تنور واحد في كل قرية، والتنور هو عبارة عن فرن حجري لصنع الخبز.

أوضحت “أم علي” أن الخبز الخاص بهذا اليوم يسمى “خبز الميلادي”، وهو عبارة عن عجينة تحتوي القليل من الخميرة، إذ لا تُترك لتتخمر بشكل كامل، إنما تُعجن وبعد نصف ساعة يبدأ العمل بها.

ويفرد الرغيف بسمك لا يتجاوز سنتيمترًا، ثم يُدهن بالزيت والسمسم، ويُلف مثل السندويشة، ليصبح كالحبل، ثم يتم لفه وفرده مجددًا، قبل أن يتم إدخاله إلى التنور للخبز.

مع اندثار وجود التنور في غالبية القرى لندرة الطحين، لم يعد هذا النوع من الخبز شائعًا، سوى في بعض قرى طرطوس مثل الشيخ بدر، ويسمى “الفطير”.

من ذكريات العيد الباقية في ذاكرة “أم علي”، أنهم كانوا يشعلون النيران ليلًا، ويعقدون حولها حلقات الدبكة، ثم خلال الاحتفال الكبير في القرية، كانت النساء توزع الحلويات المخبوزة في المنزل على المحتفلين، لكن هذا الطقس اندثر منذ سنوات عديدة، وفقًا للسيدة.

تحضير لحمة للشواء في عيد “القوزلة” في ريف جبلة باللاذقية – كانون الثاني 2024 ()

ارتفاع الأسعار يمنع الطقوس

لم يعد من الممكن إحياء طقوس عيد القوزلة في الساحل السوري، نتيجة الظروف المعيشية المتهالكة لغالبية الناس، وبات الاحتفال به مقتصرًا على بعض العائلات الميسورة التي تعمل بالتجارة، أو التصدير، أو تلك التي تمتلك أبناء مغتربين، فشراء أوقية لحم بات حلمًا.

وتشهد مناطق سيطرة النظام واقعًا اقتصاديًا ومعيشيًا مترديًا، فبعد زيادة الرواتب الحكومية 100% في آب 2023، بلغ الحد الأدنى للرواتب 186 ألف ليرة، بينما يبلغ متوسط تكاليف المعيشة أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية.

العام الماضي، اشترى محمد (73 عامًا) عشرة كيلوغرامات من اللحم، بثمن بلغ 400 ألف ليرة، وجمع أبناءه وأحفاده في منزل العائلة بريف جبلة، وبالكاد كفّت الكمية عائلته الكبيرة، لكن هذا العام إن أراد شراء الكمية ذاتها سيدفع مليون و600 ألف ليرة، وهو مبلغ لا يمتلكه على الإطلاق، لكون مواسم الأرض لم تكن منتجة هذا العام وفاقت خسائره الثلاثة ملايين ليرة.

ما عيد القوزلة؟

وفقاً للباحث حسين صلاح الدين علي من اتحاد علماء بلاد الشام، فإن القوزلة كلمة آشورية، مشتقة من “قوزلو” وتعني إشعال النيران.

وذكر لصحيفة “تشرين” الحكومية، أنه ليس عيدًا دينيًا، إنما مناسبة سورية وفلكية وإرث سوري قديم ما تزال بعض المناطق تحتفل به، مثل حمص وإدلب وحماة وحلب ودمشق والساحل.

اقرأ أيضًا: ارتفاع الأسعار يسرق فرحة عيد الميلاد في اللاذقية

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *