اخبار الإمارات

قادة الولايات المتحدة منقسمون حول السياسة مع الصين

ريتشارد وولف *

من ناحية تهدف سياسة الولايات المتحدة إلى كبح تطور الصين الاقتصادي والسياسي والعسكري والتنموي، لأنها أصبحت الآن المنافس الاقتصادي الرئيس للولايات المتحدة، وبالتالي العدو. ومن ناحية أخرى تسعى سياسة الولايات المتحدة إلى ضمان العديد من الفوائد لشركات الولايات المتحدة في التجارة والاستثمار مع الصين، وتسعى الولايات المتحدة إلى فصل اقتصادات الدولتين لتخفيف المخاطر، وهو ما يمثل نهج واشنطن المنقسم إزاء الصين.

والحقيقة الصعبة أمام الولايات المتحدة هي الاعتماد الاقتصادي على الصين التي تملك ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الأمر الذي يعمق تقدم الصين بلا هوادة كي تصبح الاقتصاد الأكبر في العالم، ونجم عن التقدم الاقتصادي الصيني السريع خلال العقود الماضية حدوث شكل معقد من أشكال الاعتماد على السوق والدولار الأميركيين وأسعار الفائدة في الولايات المتحدة.

مصالح وعلاقات متشابكة

لطالما سيطر اليمينيون في الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة وشركات صناعة الأسلحة على كيفية تشكيل الخط السائد في وسائل الإعلام الرئيسة في التعامل مع السياسات الخارجية. وخلال العقد المنصرم بصورة خاصة صعَّدت وسائل الإعلام هذه من اتهاماتها للصين بأنها تعمل على توسيع نفوذها في العالم.

وخلال العقود الأخيرة تروّج مصالح الشركات الكبيرة سياسة مختلفة تماماً عن سياسة الولايات المتحدة الخارجية، حيث تضع في أولى أولوياتها التعايش بين واشنطن وبكين، لأن ذلك يدر كثيراً من الأرباح. وتنقسم سياسة الولايات المتحدة وتتأرجح بين الطرفين. وذهب ذات يوم مدير بنك جي بي مورغان، جيمي ديمون، ووزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، إلى بكين لدعم المصالح المشتركة، في حين كان الرئيس الأميركي جو بايدن ينتقد الرئيس الصيني شي جينبينغ.

وضخ الرأسماليون من المراكز القديمة في النظام الرأسمالي في مجموعة الدول السبعة الغنية (أوروبا الغربية، أميركا الشمالية، اليابان) الاستثمارات في الصين، للاستفادة من الأجور المنخفضة فيها ونمو سوقها الداخلي السريع. وخلال 50 عاماً تدفقت البضائع الاستهلاكية والرأسمالية من مصانع الصين إلى الأسواق في شتى أنحاء العالم.

وأصبحت الصين متشابكة على نحو عميق في سلاسل التوريد. وجلبت الصادرات الصينية تدفق مبالغ ضخمة بالدولار، وقامت بإقراض وزارة الخزانة الأميركية الكثير من هذه الدولارات لتمويل عجزها المتزايد في الميزانية، وانضمت الصين إلى اليابان باعتبارهما الدولتين الدائنتين الرئيستين للولايات المتحدة، وهي الدولة التي لديها أكبر دين في العالم.

وساعد استثمار الصين لدولاراتها المتكدسة لديها في سندات الخزانة الأميركية على تمكين الارتفاع السريع للديون الوطنية الأميركية خلال نصف القرن الماضي، وهذا ما جعل أسعار الفائدة الأميركية المنخفضة تغذي النمو الاقتصادي للولايات المتحدة وانتعاشها من العديد من الأزمات الاقتصادية.

روابط اقتصادية متجذرة

وتعكس الصادرات ذات الأسعار المنخفضة نسبياً للصين انخفاض الأجور لديها والدعم الحكومي النشط في التنمية، وساعدت هذه الصادرات الولايات المتحدة على منع التضخم خلال معظم هذه السنوات، وبالمقابل أسهم انخفاض الأسعار في تخفيف الضغوط التي مارسها الموظفون المطالبون بزيادة الأجور، ما أدى إلى دعم أرباح رؤوس الأموال.

وأصبحت الروابط بين الصين والولايات المتحدة متجذرة في تشغيل ونجاح الرأسمالية، وبالتالي فإن قطع هذه الروابط سيكون له عواقب وخيمة على الولايات المتحدة، وإذا تمكنت الولايات المتحدة من قطع هذه الروابط وإغلاق الشركات المتعددة الجنسيات في الصين فإن هذه الشركات لن تعود إلى الولايات المتحدة وإنما إلى دولة أخرى في آسيا، حيث الأجور المنخفضة، لأن العودة إلى الولايات المتحدة حيث الأجور العالية والتكاليف الأخرى المرتفعة جداً سيجعلها غير تنافسية، وباختصار فإن إجبار رؤوس الأموال على مغادرة الصين سيساعد الولايات المتحدة على نحو بسيط، كما أنه سيسبب أقل الأضرار للصين أيضاً.

ولابد من القول إن إغلاق السوق الصينية أمام شركات صناعة الرقائق الإلكترونية خيار خاطئ، لأنها من دون الدخول إلى السوق الصينية المزدهرة، لن تكون الشركات التي مقرها الولايات المتحدة تنافسية مع شركات صنع الرقائق الأخرى التي مقرها في دول أخرى غير مغلقة على السوق الصينية.

وحتى لو أن الولايات المتحدة أجبرت بنوك دول السبعة الغنية على الانضمام إلى الخروج من الصين، فإن بنوك الصين وحلفاءها في الهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا (دول بريكس)، ستسيطر على التمويل المربح الناجم عن النمو في الصين. وفي ما يتعلق بإجمالي الناتج القومي تتمتع دول «بريكس» بأكبر تكتل اقتصادي، فهو أكبر من مجموعة الدول السبع الغنية، كما أن الفجوة بينهما تكبر باستمرار.

إعادة توزيع الثروة

إذا مارست الولايات المتحدة حرباً باردة ضد الصين على الصعيد الاقتصادي والسياسي وحتى العسكري دون الحرب النووية، فربما تكون النتيجة حدوث أضرار ومخاطر وخسائر كبيرة، وتعديلات مكلفة للرأسمالية، وبالطبع فإن الحرب النووية تكون أضرارها أكبر. وبخلاف اليمينيين المتطرفين الأميركيين ليس هناك أحد في الولايات المتحدة يريد أن يخاطر.

ويعترف العالم برمته بالنمو الذي لا هوادة به في الصين باعتبارها قوة اقتصادية عالمية، ومعظم دول العالم ترى الولايات المتحدة باعتبارها الخصم الرئيس الذي يحاول منع الصين من التحول إلى مركز القوة العظمى، ولكن ما يفتقده المراقبون حول الصراع الصيني الأميركي هو أسبابه الواقعة في التوتر الشديد والتناقضات الحاصلة بين طبقتي أرباب العمل والموظفين في كلتا القوتين العظميين.

وتجيب هذه الصراعات الطبقية في الولايات المتحدة على هذا السؤال الأساسي الذي مفاده: من ستتحمل ثروته ودخله ومركزه الاجتماعي العبء الرئيس لاستيعاب تكاليف انهيار الهيمنة الأميركية؟ هل ستستمر إعادة توزيع الثروة على نحو تصاعدي عبر السنوات الـ30 أو الـ40 المقبلة أم ستتوقف أم ستنقلب؟

صعود سريع للصين

أدى الصعود السريع على نحو استثنائي في الصين إلى تحويل الاقتصاد القروي والفقير والزراعي إلى اقتصاد صناعي مدني بمداخيل متوسطة، واستغرق التحول الموازي لما حدث في الصين في أوروبا الغربية قروناً عدة، وتسبب في صراعات طبقية عميقة ومريرة وعنيفة، لكن في الصين استغرق التحول بضعة عقود.

فهل يمكن أن تندلع صراعات مماثلة هناك؟ هل يوجد أمر ما تحت سطح المجتمع الصيني حالياً؟ ربما تذهب الرأسمالية الآن إلى دول جنوب الكرة الأرضية؟ وتمتلك كل من الولايات المتحدة والصين أنظمة اقتصادية ترتكز على منظمات أماكن العمل التي يسيطر فيها عدد محدود من أرباب العمل على عدد ضخم من الموظفين العاملين لديهم.

وتكون منظمات أماكن العمل في الولايات المتحدة مشاريع ذات ملكية خاصة، في حين أنها تكون في الصين أنظمة هجينة، عبارة عن خليط من ملكيات خاصة وحكومية، ولكن في كلتا منظمتي العمل يسيطر رب العمل على عدد كبير من الموظفين.

عادةً ما تتميز هذه الأنظمة من العمل بأن طبقة أرباب العمل يجمعون ثروة أكبر بكثير من طبقة الموظفين أو العاملين. وإضافة إلى ذلك يمكن لطبقة الأثرياء شراء قوة سياسية طاغية أيضاً، وينجم عن ذلك خليط من انعدام المساواة الاقتصادية والسياسية، الأمر الذي يثير التوترات والصراعات والتغير الاجتماعي.

وتترسخ هذه الحقيقة في كل من الولايات المتحدة والصين، وعلى سبيل المثال لم تقم الولايات المتحدة بزيادة أجر الساعة للعمال البالغ 7.25 دولارات منذ عام 2009، والمسؤول عن ذلك هما الحزبان الرئيسان في الدولة.

انعدام المساواة

وألقت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين خطابات عدة اشتكت تزايد عدم المساواة في الولايات المتحدة، وهو أمر يتعمق باستمرار، وانطلاقاً من تقليد إلقاء اللوم على الضحية، تعتبر توجهات الرأسمالية الأميركية الفقراء هم المسؤولون عن فقرهم. وأعرب الرئيس الصيني علانية عن قلقه بشأن تعمق انعدام المساواة في دول تعتبر نفسها تنتهج النظام الاشتراكي، وعلى الرغم من اتخاذ خطوات للتخفيف من شدة انعدام المساواة فإن ثمة مشكلة اجتماعية خطيرة أيضاً.

ويعتمد الصراع بين الولايات المتحدة والصين إلى حد كبير على الصراعات الطبقية الداخلية في كل من الدولتين، إضافة إلى سياستهما تجاه بعضهما بعضاً.

وتتكيف الصين مع التقلبات وانعطافات النهج السياسي المنقسم في الولايات المتحدة، وتستعد لكلا الاحتمالين المطروحين، وهما إما المنافسة الشرسة التي تحفزها القومية الاقتصادية والتي يمكن أن تصل إلى الحرب العسكرية، وإما السلام والتعايش الاقتصادي السلمي.

وينظر العالم بقلق إلى الفصل التالي من الرأسمالية الذي يكون دائماً خليطاً غير متساوٍ على نحو خطير من الصراعات الاقتصادية والقومية.

• يعترف العالم برمّته بالنمو الذي لا هوادة به في الصين باعتبارها قوة اقتصادية عالمية، ومعظم دول العالم ترى الولايات المتحدة باعتبارها الخصم الرئيس الذي يحاول منع الصين من التحول إلى مركز القوة العظمى.

• يعتمد الصراع بين الولايات المتحدة والصين إلى حد كبير على الصراعات الطبقية الداخلية في كلتا الدولتين، إضافة إلى سياستهما تجاه بعضهما بعضاً.

• قامت الصين بإقراض وزارة الخزانة الأميركية الكثير من الدولارات، لتمويل عجزها المتزايد في الميزانية، وانضمت إلى اليابان باعتبارهما الدولتين الدائنتين الرئيستين للولايات المتحدة.

* أستاذ الاقتصاد في جامعة ماساتشوستس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *