اخبار عمان

المحافظ الدبلوماسي الذكي | جريدة الرؤية العمانية

 

هند الحمدانية

يقول الباحث والمفكر جوزيف ناي: “أفضل الدعايات ليست دعاية” وهو الذي يشير به إلى أن أفضل سبل الترويج لأي شيء هو الشفافية والمصداقية التامة، والتي بدورها تسوق له من خلال جوهره الأصيل وقيمته الحقيقية، فكيف إذا كنت تروج لأرض لها باع حضاري طويل، ولها بُعد جغرافي مختلف ولها تاريخ عريض، كيف تُفَعِل المصداقية في ترويجك للوطن، وهي كما سماها الباحث: “أندر الموارد” وأثمنها على الإطلاق، وأية قوة تلك التي تستطيع أن تحدث هذا التأثير الهائل على الجمهور المتلقي وعلى بوابة العالم الواسعة.

وأودُ أن أستهل مقالي هذا انطلاقاً من المرسوم السلطاني رقم 41/2022 والذي نص على تعيين محافظين على كافة محافظات السلطنة، فما الدور الذي يلعبه المحافظون في مختلف أرجاء الوطن؟ وأتساءل عن ماهية الآلية التي سوف تضمن لهم تحقيق عمليات التنفيذ والتنمية والاستدامة والمشاركة والتخطيط وتعزيز الاستثمار وتسويق موارد محافظاتهم الثمينة والمتجددة.

كيف يستطيع المحافظ وهو بمثابة السلطة المحلية أن يحدث كل هذه التأثيرات على أبناء محافظته التابعين له وتوجيههم ودمجهم لتحقيق اخبار عمان المنشودة والعمل يدًا بيد دون الحاجة لأسلوب الأمر أو حتى الترغيب المُفرط الذي يتلاشى ما أن ينطفئ وهج الدافع الذي تسبب به؟! كيف يستطيع المحافظ جذب شباب المحافظة وإقناعهم برؤية التنمية وبالأفكار الجديدة المنبثقة منها، كيف سيملك القدرة على تغيير رغباتهم وتجديد طموحاتهم وتوسيع آفاقهم؟ كيف سيجعلهم يرون ما يراه ويريدون ما يريده ويسعون إلى تحقيقه بشغف؟!

إنها القوة الناعمة… القوة المعنوية، أجل قوة الإلهام التي تمنحك المقدرة على خلق تأثير عميق في سلوكيات ومعتقدات وأفكار الآخرين، هي القوة التي لا تحتاج فيها إلى فرض السلطة أو إعطاء حوافز مادية لكي تجذب الآخرين على مشاركتك أهدافك وطموحاتك ومخططاتك وإبصار الواقع بعينيك.

القوة الناعمة التي تتعطش إليها المحافظات لا تحتكر على قوة الاقتصاد والتجارة فقط، بل هي تشمل تراث الولايات وثقافة أهلها وعلاقاتها الممتدة مع جيرانها، أيضًا القيم المتأصلة في أهل المحافظة، المميزات المختلفة التي تجعلها فريدة من مقومات جذب سياحي أو أنشطة بحرية أو زراعية أو سمكية، والمؤسسات التعليمية من جامعات وكليات ومراكز ثقافية وغيرها، وأهم عامل من عوامل القوة الناعمة بالمحافظات هي الإعلام، لأنه يمثل دورا محوريا في توجيه المجتمع ومد جسور تواصل بين الداخل والخارج، وإبراز سمات ومميزات المحافظة والتي من شأنها أن تشكل الرأي العام والانطباع الإيجابي الذي نسعى إليه.

فمن هو المحافظ الذي سيحقق هذه المعادلة الناعمة في محافظته وبين أهلها؟! من هو المحافظ الذي سيمد من الفن والتراث جسر للاستثمار؟! وسيجعل من برامج التبادل الثقافي نافذة لاستقطاب السياحة واستدامة العلاقات المحلية والدولية؟! إنه المحافظ الدبلوماسي الذكي، هو الذي يتصف بمستوى عالٍ من الرسمية واللباقة، ملم بأصول الإتيكيت وقواعد البروتوكول الدبلوماسي، يحافظ على السرية في المؤتمرات الرسمية واللقاءات الخاصة، ولكنك تجده في اليوم التالي في معرض كتاب يدعم شعراء وكُتَابَ محافظته ويطلب منهم توقيعه على جلدة كتاب، هو ليس فقط رسولا أميناً للسلطة ومترجماً مخلصاً لرؤيتها، إنما هو أيضًا ممثل بارع لثقافة المكان وشعبيته، متواصل ماهر مع جماهيره الغفيرة بشتى أطيافهم، هو هذا المحنك فعلا في إبراز قيمة الأرض والمكان “ثقافيًا وتاريخيًا” وهويته المعنوية المتجذرة فيه والتي تتصف بطول الأجل فلا تهترئ ولا يقل وزنها؛ بل يزيد.

فكلما اندمجت الإدارة المحلية للمحافظة مع كل التفاصيل الدقيقة التي تشكل الصورة الذهنية المرتبطة بقيمة وثقافة المحافظة، كلما كان من السهل عليها إدارة جميع الموارد الملموسة وغير الملموسة، وخلق كيان محلي جاذب للداخل والخارج، وخلق عواصم نشطة جديدة داخل المحافظة الواحدة لجذب المزيد من فرص السياحة والمعرفة والتنوع والاستثمار والعلاقات المستقرة.

لهذا أدعو جميع أصحاب السعادة المحافظين للتحلي بروح الدبلوماسي الذكي، وصاحب القرار المتعاون والمرن، والشخصية الملهمة ذات العمق الفكري والاجتماعي، وأن التعاون من شباب المحافظات لا يطلب بس ينساب طوعا ورغبة وشغفا منهم، وأن القيم الأصيلة إذا عززت بالشكل المطلوب وغرست بالتقبل والحب فإن نتائجها صلبة وثابتة على المدى الطويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *