اخبار عمان

منصات التواصل والحسابات الوهمية | جريدة الرؤية العمانية

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

روي عن الزبير بن عدي، أنه قال: أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: “اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم” رواه البخاري.

هذا الحديث الشريف كما ورد، إنما هو تصديق لواقعنا الذي نراه كل يوم؛ حيث لا تمر فترات زمنية إلا وكان الابتلاء على الإنسان أكثر، وربما هي ضريبة للتقدم وتغيير نهج الحياة وسرعة إيقاعها، ومحاولة الإنسان المستمرة للتدخل في مفاصلها، رغبة منه في الوصول إلى الكمال والسهولة والإتقان، وتوظيف العلم والمعرفة في مختلف المجالات لخدمته.

قد تكون هذه الرغبة هي طبيعة في الجنس البشري الذي سخر الله تعالى له كل شيء في هذا الكون “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الجاثية: 13)، وقد جُبل الإنسان على ذلك، حتى أصبح مشغولًا فطريًا بتسخير كل شيء، ولكن قد يكون هذا الأمر زائدًا عن حده للدرجة التي يصبح الضرر واقعًا منه، وهو الشر الذي لابد منه، وعندما يصل الأمر إلى هذه الدرجة وجب على الإنسان أن يتخذ الوعي سلاحًا يحميه من الانجرار وراء التطور دون إدراك للعواقب.

وتعد وسائل التواصل الاجتماعي من هذا الشر الذي لا بُد منه، فمع الاعتراف الكامل بفضلها العظيم على البشرية ومساهمتها الكبيرة وخدمتها للبشرية في عدة مجالات لا يسع المقال لذكرها، إلا أنها في نفس الوقت ساهمت في نشر عادات وسلوكيات سيئة، وقد تحدثت عن ذلك في مقالي بعنوان السمت العماني ومنصات التواصل، ولا داعي لتكرار ذلك، إلا أنني أجد نفسي ملزمًا في الكتابة عن هذه المنصات ولكن من زاوية أخرى.

لقد شد انتباهي خلال الفترة الماضية أمر مُهم وجدته لا يتناسب معنا كمجتمع وكدولة ويخالف الأنظمة والقوانين ويخالف حتى تعاليم ديننا الحنيف الذي أمر بالقول المعروف والمعاملة الحسنة، فقد انتشرت الحسابات الإلكترونية الوهمية التي تُهاجِم والتي تُدافِع، وأصبحت هذه المنصات وسائل لنشر الفتنة بين أبناء المجتمع بعضهم ببعض، وأصبح هناك من يستغل هذه المساحات لتمرير أفكار تسعى لفت نسيج المجتمع والتأثير السلبي على مكانة الدولة ومنجزاتها وإفقاد الفرد ثقته بوطنه؛ بل تعدى الأمر إلى فتح مساحات صوتية يغلفها أصحابها بالمصلحة العامة وهي في حقيقتها ليست سوى أجندة يُراد تمريرها لتتغلغل في عقول المستمعين.

كما نشطت حسابات وهمية خارجية تستهدف بعض الرموز الوطنية ولم يسلم منها حتى الرمز الخالد في قلوبنا جميعًا، ووصل تطاولها على سياسة سلطنة عمان الخارجية وحتى شأنها الداخلي، ومن المؤسف؛ بل ومن المعيب أن نجد من يسايرهم من أبناء جلدتنا وهم يعلمون علم اليقين أن أهداف هذه الفئة الضالة دنيئة، وغاياتهم هدم وتفكك لحمتنا الوطنية، وما هذه الأهداف والغايات إلا غيض ملأ قلوبهم وتفجر فجورًا في خصومتهم نتيجة لمواقف سلطنة عمان المشرفة من القضايا العربية والإسلامية والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.

من المحزن عندما ترى هذه الحسابات تهاجم عالمًا ربانيًا جليلًا كسماحة الشيخ المفتي العام لسلطنة عمان، وتجد منا من يتداخل معهم ويحضر مساحاتهم الصوتية المسمومة، وهم يتغنون بقيم العروبة وينسجون قصصًا خيالية عن التحالفات الاستراتيجية، لكن ما يحدث يجعلنا نثق كل الثقة أن وطننا العزيز الثابت على مبادئه والراسخ كجباله في مواقفه إنما يتعرض لكل ذلك من حفنة لا ترعى إلًّا ولا ذمّة، قد أغرتهم المادة وتشرذموا إلى أن أصبحوا أدوات وأبواق للعدو.

إن ما يثلج الصدر هو مقدار الوعي الذي نلمسه من أبناء هذا الوطن المخلصين الذين يتحلون بأخلاق العماني في كل موقف، ويتجلى ذلك من كثير من ردور الافعال، وعلينا أن نكون حريصين بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة؛ فالدخول إلى هذه المنصات يجب أن يكون حذرًا، وعلينا أن ندرك أهداف المشككين والمغرضين، وألّا ندخل معهم في حوارات لا طائل منها، لأنهم يعلمون علم اليقين أن ما يقولونه ما هو إلا إفتراء وتدليس وكذب مُغرِض، وما هذا إلّا أمر متعمد يُراد به الوصول الى مرحلة هزّ ثقة المواطن بوطنه وخلق ضغط داخلي لتغيير مواقف سلطنة عمان من بعض القضايا وخاصة القضية الفلسطينية، ولذلك فالحوار معهم لا يصل لنتيجة أبدًا.

الهجوم الذي يشن على بعض المسؤولين سواء السابقين أو الحاليين، وعلى مواقف سلطنة عمان الثابتة من مختلف القضايا ما هو إلا عمل مُمنهج، والحمدلله لدينا من الأجهزة ما هي كفيلة بالتصدي لأي توجه يُراد به الإضرار بالوطن والمواطن، لذلك نصيحتي لكل مستخدم لمنصات التواصل الاجتماعي أن تترك هذه الحسابات ولا يدخل معها في حوارات قد تجعله يكتب كلامًا يضعه تحت طائلة القانون، أو يعرِّضه لمواقف، خاصة عند السفر إلى خارج الوطن، فلا تدري ماذا يدور من خلفك. وليعلم الجميع أن الدولة قوية بما يكفي لترد عن نفسها وبطريقتها، فلا داعي للانخراط في هذه الأمور، وقد يقول قائل إنه دفاع واجب عن الوطن، وهنا أقول إن الدفاع عن الوطن يكون من خلال سمو قيمتك وأخلاقك وترفعك عن الكلام البذئ وعدم الدخول في مهاترات، ويكون بطرح رأيك دون كذب وتجني وشتم وتقليل من الآخر والانسياق معه في مستوى حديثه الهابط.

عُرِفَ العماني بحسن خلقه وطيب معشره وصفاء نفسه، وهذا أمر لم يكن ليحدث لولا أنه نبت في تربة طيبة وتشرب من أخلاق الاجداد والاباء، وتأصل في مجتمع محافظ تزدهر فيه قيم الاحترام والتقدير، ولذلك دعونا نكمل هذه المسيرة، ومن شذ منا فلندعه بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى نملأ الأرض سمعًا عن شعب طيب لا يتدخل في شؤون الآخرين ويحمل مشعل السلام ويمد يَد الصداقة لكل شعوب العالم المُسالِمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *