اخر الاخبار

من الوشم إلى “التاتو”.. موروث وجمال و”موضة” عند السوريات

– حسن إبراهيم

“الدقّ (الوشم) كان للزينة والجمال، المرأة التي لم يكن لديها وشم لم تكن مرغوبة من الرجال”، عبارة لخصت بها عنود (83 عامًا) أسباب وجود وشوم تعتلي جبينها وأخرى على جوانب وأعلى شفتيها، إذ باتت علامة فارقة تتميز بها السيدة بعد مرور أكثر من 70 عامًا على وشمها على الوجه الذي غيرته التجاعيد.

قالت العجوز المنحدرة من عشيرة “البكارة”، إن نساء ريف حلب الشرقي كن يتنافسن على وضع “الدقّ” كنوع من الغيرة والمباهاة، وينتظرن “النّوَر” و”القرباط” حين يمرون من ديارهن من أجل ذلك، وكان الأمر ينطبق على معظم القبائل والعشائر في سوريا.

وشوم كانت في زمن مضى معيارًا للجمال والنسب، وبمنزلة تراث، واقتصر حفرها عبر أدوات بدائية على مناطق الوجه واليدين، وأحيانًا على القدمين، لكنها تخطت اليوم ذلك الموروث، وأصبحت تُوضع في أجزاء متعددة من جسم المرأة، واختلفت الدوافع حاملة معها رسائل عن واشميها، متجاوزة الأضرار الصحية الناتجة عنها.

عنود، القاطنة في مخيم قرب مدينة اعزاز شمالي سوريا، قالت إن الوشم كان بمنزلة المكياج والزينة والهوية للمرأة، وكان من العادات والتقاليد الموروثة، ولم تكن تعرف أنه محرّم أو يحمل أخطارًا صحية، لافتة إلى أن بعض استخداماته كانت من أجل التداوي والعلاج.

موروث “الدقّ”.. لكل وشم اسم

روت عنود ل قصة “الدقّ” العربي أو البدوي على وجهها منذ كان عمرها 13 عامًا، وقالت، إن سيدة من “النّوَر” (جماعة رحّالة بين القرى سابقًا يحملون أدواتهم يشمون بها الفتيات والنساء)، وشمت لها في وجهها عبر إبرتين ملتصقتين ببعضهما.

“كنت حس الإبرة عم تدق بالعظم”، وصفت السيدة شعورها بألم وخز الإبرة على وجهها، الذي يخف مع ثالث وخزة في المكان نفسه نتيجة تخدير الجلد وتأثره، ويصل عدد مرات الوخز في المكان نفسه إلى تسع.

وذكرت أن الأدوات بدائية تعتمد على إبرتين وكحل أو رماد أو شحار متشكل على أسفل الإناء (القِدر)، ويُمزج بقليل من الماء، ثم يرسم شكل الوشم على اليد بعود، ثم يوضع الكحل أو الشحار على الرسم، ويُوخز مكان الرسم بالإبرتين الملتصقتين، ليدخل الكحل في طبقات الجلد.

وأوضحت عنود أن الوشم على جبينها يدعى “هليّل” (هلالة أو قنطرة)، والوشم الخط من شفتها إلى أسفل ذقنها يدعى “سيالة”، ووشم الخطين على جانبي فمها يدعى “اللجام”، ولأنها خشيت من الألم، لم تَشِم قرب عينيها مثل شقيقتها شجون المتوفاة، ويدعى الوشم “مراود”.

وكانت شقيقة عنود تضع وشومًا على معصمي يديها بداعي العلاج، إذ كان من الشائع الوشم مكان الألم، وكثر “الدقّ” قديمًا لدى النساء في اليدين للتخفيف من الألم، لكثرة الأعمال التي كن يؤدينها كالاحتطاب وتحضير الخبز، وفق عنود.

في نهاية حديثها، اعتبرت السيدة العجوز أن “الدقّ” سواء للعلاج أو للزينة لم يعد يقنعها، لكنه كان ذا قيمة في زمانها، مستذكرة بضحكة غلبت عليها السخرية، أن اليد كانت تتورم من “الدقّ”، فكيف يكون علاجًا، ولو عاد بها الزمان لما فعلت ذلك.

زينة تخفي قصصًا

رغم ارتباط الوشم بالتراث والموروث والعادات والهوية القبلية أو العشائرية، لا يزال موجودًا وبكثرة في أوساط الفتيات والنساء، مع اختلاف الأساليب والغايات، وبات حاضرًا في أماكن متعددة بالجسم ومختلفة عن المعهود سابقًا، وصار ظاهرة مختلفة الدوافع رغم تحذيرات صحية من مخاطره وأضراره.

نانسي (32 عامًا)، شابة تقيم وسط مدينة اللاذقية، قالت إنها وشمت قرب الكتف الأمامي أعلى الصدر، للزينة ولفت النظر، معتبرة أنه مثل أي “إكسسوار” تستخدمه الفتاة لتظهر بصورة أجمل.

ولا يحمل الوشم، وهو شكل هندسي من مربعات تتوسطه مثلثات ودوائر وتتدلى منه سلاسل صغيرة، أي رمزية في نفس نانسي، سوى أنه أعجبها فقررت أن ترسمه، وكان ذلك قبل ست سنوات، مشيرة إلى أنها دفعت مقابل ذلك 40 ألف ليرة سورية.

من جهتها، جارة نانسي، لانا (28 عامًا)، تحمل في جسدها أربعة وشوم في أماكن مختلفة، ثلاثة منها للزينة، وهي وردة على الخصر، وخط رفيع مع نجوم صغيرة يوازي العمود الفقري، وخلخال في القدم، معتبرة أنها علامات تزيد من أنوثتها وجمالها.

ويحمل الوشم (التاتو) الرابع الموجود على أصبع يدها قصة في نفسها، إذ كان حرفًا لبداية اسم حبيبها السابق، ثم أجرت عليه بعض التعديلات ليصبح خاتمًا، ولكل وشم تكلفته المختلفة، مشيرة إلى أن الوشم حرية شخصية، وأن الحياة تُعاش مرة واحدة، وللفرد الحق في امتلاك جسده والاعتناء به دون إلحاق الضرر.

منى (50 عامًا) تقيم في حي العوينة وسط اللاذقية، اعتبرت أن وشمها وهو إسوارة في معصم يدها على شكل مسبحة تنتهي بالصليب، يحمل رمزية الزينة والتجمّل، ورمزية ديانتها المسيحية.

جوليا (32 عامًا)، ترفض فكرة “التاتو” على الجسم، معتبرة أنه تشويه لجمال المرأة، إلا إذا كان ضروريًا، إذ وشمت السيدة حاجبيها لأن الشعر عليهما كان خفيفًا ولونه فاتحًا، ما دفعها للوشم قبل عامين، وتستخدم “قلم حواجب” لأن لون الوشم يخف مع كثرة استخدام المياه ومرطبات الوجه.

أما ماريا (34 عامًا) القاطنة في مدينة دمشق، فلم تكن تتخيل أنها ستضع وشمًا على يدها يومًا ما، إلا بعد أن ترك الشاي الساخن ندبًا متوسط الحجم على ساعدها، ما اضطرها لتجميله برسم “تاتو” ملون لإخفاء التشوه، حسب قولها.

تعبير عن الذات

تعمل ساندرا في مدينة اللاذقية بمهنة الوشم (التاتو) منذ عشر سنوات، وقالت ل، إن طلبات زبوناتها حين اختيار الوشم لا يمكن حصرها، وتختلف تبعًا لعدة دوافع ودلالات، منها الرموز دينية أو عبارات أو أقوال لشخصيات.

وأضافت أن فتيات يرين في الوشم تعبيرًا عن شخصيتهن، مثل وشوم الحمامة أو الفراشة أو الفتاة بأجنحة دون يدين، أو اللبوة، أو الوردة، مشيرة إلى أن الوشم هو مساحة للتعبير عن ذواتهن.

وأوضحت ساندرا أن هناك اعتقادًا خاطئًا بأن وشوم الفتيات مقتصرة على رسوم “ناعمة” و”رومانسية”، فكثير من الفتيات يضعن أفعى أو بومة أو جمجمة أو عنكبوتًا، وربما تكون بعض هذه الوشوم داخل وردة أو فراشة.

الدافع أو السبب الثالث الذي تراه ساندرا لوضع الوشم، هو أمر شخصي متعلق بقصة أو علاقة لها مكانة في حياة الشخص، كقصة حب شخص أو مدينة أو فقد، سواء برسومات أو كتابات من أمثلتها “دمشقية الهوى”، “أمي جنة”، “تكفيني أنت”، و”My Heart”.

وترى ساندرا أن تعدد الدوافع لا يلغي فكرة التزيّن، فالفتاة تختار الوشم لكنها لا تغفل الجانب الجمالي منه.

وأشارت ساندرا إلى أنها ترفض طلبات كثيرة لوضع وشم في مناطق “حساسة”، معتبرة أنه بات أمرًا شاذًا لا جماليًا.

أسعار تصل إلى الملايين.. الحنّاء خيار

وحول الأسعار، ذكرت ساندرا أن أنها تبدأ من 125 ألف ليرة سورية وتصل إلى الملايين، حسب حجم الرسم وتفاصيله الدقيقة، واستهلاكه للوقت والحبر، لافتة إلى أنها تواجه صعوبات في تأمين الحبر ذي الجودة العالية، وتعتمد في ذلك على التوصية عليه من خارج سوريا.

وتتجه الفتيات في بعض المجتمعات إلى استخدام الحنّاء بدل الوشم، لتجنب الوقوع في شبهة التحريم وتفادي أضرار صحية ربما تنجم عن “التاتو”، فالحنّاء مؤقت ولا تدخل مواده إلى طبقات الجلد.

الحناء صبغة من نبات القناوية المعروفة أيضًا باسم شجرة الحنّاء.

نقش “الحنّة” ارتبط سابقًا بالمناسبات والأعراس، وطقوس الفرح، وكانت تتميز العروس بدهن يديها بالحناء، ما يضفي عليها رونقًا وجمالًا، ودرج استخدامه حديثًا من قبل الفتيات للزينة وبديلًا عن الوشم، وتستخدمه النساء لإخفاء الشيب ممن لا يفضّلن استخدام الصبغات والمواد الأخرى.

ساندرا قالت، إن إقبال الفتيات على الحنّاء في الصالونات أقل، ليس لعدم الرغبة إنما لسهولة رسمه في المنزل، ولأن “الحنة” وأدواتها بمتناول الجميع، لافتة إلى أن “رسم الحنة” ينشط في صالونات التزيين بفترة المناسبات كالأعراس، وتبدأ أسعاره في الصالون من 15 ألف ليرة سورية.

فداء (31 عامًا) من ريف إدلب الشرقي، قالت ل، إنها اعتادت استخدام الحنّاء على كفّي يديها منذ كانت صغيرة خلال عيدي الفطر والأضحى وفي الأعراس، كنوع من الزينة، وباتت تضع “الحنّة” على يدي طفلتيها منذ سنوات.

وذكرت أنها تخلط الحناء بالمياه، وتنتظر حوالي نصف ساعة حتى يجف على اليد، لافتة إلى وجود أقلام جاهزة ممتلئة بالحنّاء، ورسومات عديدة من قلوب وورود مُفرغة على شكل لصاقات توضع على اليد وتُملأ الفراغات بـ”الحنّة”، ويتم إزالتها حين جفافها.

وأضافت السيدة أن بعض العائلات كانت تخلط الحنّاء بالشاي دون سكر، ثم تُرسم بإبرة أو بعود رفيع، من أجل إعطاء نتيجة أفضل ولون أزهى، حسب قولها.

محاذير طبية

يحذر الأطباء ومراكز الأبحاث الطبية من أخطار الوشم والأضرار والمضاعفات المحتملة الناتجة عنه، ومنها التفاعلات التحسسية، إذ يمكن لصبغات الوشم المختلفة أن تتسبب بحساسية جلدية، مثل الحكة والطفح الجلدي في منطقة الوشم، ويمكن أن يظهر ذلك بعد عدة سنوات من الوشم.

ومن المضاعفات، عدوى الجلد، ومشكلات الجلد الأخرى من تورم حُبيبي وتجدّر، وكذلك الأمراض المنقولة عبر الدم، إذا كانت الأداة المستخدمة للوشم ملوثة بدم ملوث، ونادرًا ما يتسبب الوشم في التورم أو الالتهاب في المناطق المصابة في أثناء فحوصات التصوير بأشعة الرنين المغناطيسي، وفق ما ذكره مركز “Mayo Clinic” الطبي الأكاديمي.

مكتبة “الطب الأمريكي” نشرت مقالًا عام 2019، قالت فيه، إن الوشم على أجساد النساء أكثر من الرجال، ويرتبط بآثار مهمة على الرعاية الصحية للمرأة، بما في ذلك الحمل والولادة والرضاعة الطبيعية.

ويترافق استخدام الحنّاء مع بعض التحذيرات من إلحاق بعض الأضرار، منها تصبغ الجلد، وصعوبة التخلص من البقع في حال خلط مواد مع المادة، وحساسية وطفح جلدي، وربما التهابات وحروق جلدية.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *