اخر الاخبار

مرضى السرطان في سوريا يعانون شح الدواء وتكاليف العلاج

– سارة الأحمد

“شعرت بألم حاد في صدري قبل عامين، للوهلة الأولى ظننته التهاب قصبات بسبب التدخين، ثم اكتشفت أنني مصابة بسرطان خارج الرئة اليسرى”، قالت مريم (56 عامًا) واصفة اكتشاف إصابتها بمرض السرطان.

قبل معرفتها بإصابتها، توجهت مريم، وهي سيدة من مدينة دمشق زوجها متوفى وتعيش وحيدة مع أخيها بعد سفر أولادها، إلى طبيب مختص طلب منها صورة عبر جهاز “الطبقي المحوري”، بلغت تكلفتها 500 ألف ليرة سورية، ليتبين أن الخلايا السرطانية ملتصقة بجدار القلب، أي أنه لا يمكن إجراء عملية استئصال الرئة، لتبدأ معاناة العلاج.

تم توجيهي إلى مستشفى “البيروني” لأخذ جرعات علاج كيماوي إيراني بمبلغ مليوني ليرة لكل جرعة للكبار، قالت مريم.

إلى جانب صعوبة العلاج وغلاء ثمن الجرعات، هناك عوامل أخرى اشتكت منها مريم، منها عدم النظافة وغياب الاهتمام بالمرضى، واصفة ما قالت إنها “مناظر تقشعر لها الأبدان” داخل مستشفى “البيروني”.

ووسط انعدام العلاج المجاني، والارتفاع الكبير في أسعار الجرعات الكيماوية، ونقص المراكز التخصصية والاختصاصيين، يواجه مرضى السرطان في عموم سوريا ظروفًا صحية قاهرة وقاسية، تضاف إلى الأزمات الاقتصادية والمعيشية في مناطق النظام السوري.

باعت كل ما تملك

رفضت مريم أخذ أي جرعة لكون الجرعات إيرانية، “الكيماوي الإيراني متل المي لا تاخديه أبدًا بعجل بالموت بدل ما يشفي المريض”، قالت مريم.

هذه العوامل كلها دفعتها للتوجه إلى مستشفى خاص لتلقي جرعاتها، رغم أن التكلفة أكبر، وكل جرعة كيماوي ألمانية بثلاثة ملايين ونصف المليون ليرة سورية.

باعت السيدة منزلها في دمشق، والألم في رحلة العلاج لم يكن بخسارة شعرها، ونحول جسدها، والتفكير بالموت في كل لحظة فقط، بل بالتفكير بمصدر ثمن الجرعة المقبلة، حسب قولها.

حصلت مريم، وفق ما قالته ل، على 29 جرعة كيماوي، و37 جرعة أشعة.

أما رولا، وهي من منطقة اللجاة في ريف درعا الشرقي، فتروي ل رحلة ابن أخيها مع مرض السرطان.

قالت رولا، إن ابن أخيها، زين عليوي (11 عامًا)، يتيم الأب منذ عام 2016، ويعيش مع والدته في بيت أهل والده ولدية شقيق واحد وثلاث شقيقات أصغر منه.

بدأ اكتشاف المرض لديه منذ عام ونصف عندما ظهرت حبة في يده اليسرى بالقرب من الإبط.

ظنت العائلة للوهلة الأولى أن الحبة ظهرت نتيجة ضربه بالقلم من قبل أخته الصغيرة، لكن الألم زاد عليه، خاصة خلال عمله في المشاريع الزراعية بعد تركه المدرسة، وبعد زيارة الطبيب وإزالتها، اكتشفوا وجود “شرش”، ثم ظهرت واحدة أخرى، وبعد استئصالها وفحصها علموا أنها كتلة خبيثة.

أضافت رولا، “هنا بدأت معاناتنا الحقيقية ما بين إخبار والدته وإقناع ابن أخي بالعلاج، خاصة أن الطبيب أخبرني أن المرض الخبيث في الدم، وبين تأمين ثمن العلاج والتنقل بين اللجاة في ريف درعا ودمشق للعلاج بالكيماوي”.

كان العلاج في مستشفى “البيروني” الذي يعج بالمرضى من النساء والأطفال الموزعين في الممرات وغرف العلاج عديمة النظافة والاهتمام، وفق رولا.

رفضت عائلة زين تلقي العلاج الإيراني، كحالة مريم، وحاولت تسجيله في مركز “بسمة التخصصي” لعلاج السرطان، ولم تنجح، إذ إن المركز يقبل عددًا محدودًا للغاية للعلاج، ويُترك الباقون للمستشفيات الأخرى.

جمعت العائلة بعض الأموال التي لا تكاد تكفي، إذ تصل تكلفة كل جرعة كيماوي ألمانية الصنع للأطفال إلى مليونين و300 ألف ليرة سورية في المستشفيات الخاصة، بالإضافة إلى المواصلات من اللجاة في ريف درعا وحتى العاصمة دمشق، دون مصدر دخل.

الحالة النفسية لزين تلعب دورها، إذ يرفض دخول المستشفى، رغم حاجته لجرعة نهارية، وبعد أيام جرعة أخرى يبقى بعدها في المستشفى لأسبوع، فساءت حالته النفسية، ورفض تناول الطعام وضعف جسده في أثناء فترة العلاج، وبدأ تساقط شعره مترافقًا ببكائه متأثرًا بهذه التحولات.

15 جرعة كيماوي و33 جرعة أشعة، ثم أخبر الأطباء عائلة زين أن رحلة العلاج انتهت، إما الكيماوي الإيراني وإما لا علاج.

مئات المرضى من المحافظات

“مجد سالم السعيد” (اسم مستعار لأسباب أمنية)، وهو أحد الاختصاصيين المعالجين في مستشفى “البيروني”، قال ل، إن المستشفى يستقبل مئات الحالات شهريًا، 80% منهم قادمون من المحافظات الشمالية الشرقية والشمالية (دير الزور والحسكة والرقة)، وبينهم كثير من الأطفال والنساء.

أشار الاختصاصي إلى أن محافظات الشمال كحلب وإدلب تأتي في المرتبة الثانية لجهة الأعداد، وأن إصابات محافظة إدلب هي الأكبر بالنسبة للشمال.

وأضاف الطبيب المتخصص، “يبدو أن تأثير القصف بأسلحة عديدة خلال السنوات الماضية يخلف الأمراض الخطرة خاصة لدى الأطفال”.

وتابع أن من المسببات قد تكون عمليات التكرير اليدوي للنفط في شمال شرقي سوريا، التي تعتبر طبيًا من أخطر الغازات المسببة للسرطان وخاصة سرطان الرئة.

وأكد أن معظم حالات أمراض السرطان في “البيروني” هي سرطان العظام أو الجهاز التنفسي والثدي والغدد.

العلاج كان مجانيًا وفق الطبيب، لكن انقطاع استيراده من دول أجنبية أجبر المستشفى على التعاقد لاستيراد العلاج الكيماوي الإيراني.

ولا يعالج الكيماوي الإيراني الأمراض السرطانية ذات الخطورة العالية كسرطان الدم والعظام، ما يدفع المستشفى للطلب من أهل المرضى تأمين العلاج بمبالغ كبيرة.

وأشار الطبيب الى وجود 600 سرير وكرسي في المستشفى، بالإضافة إلى تسع غرف عمليات، و15 سرير عناية مشددة، وثلاثة مختبرات، و62 طبيبًا و395 ممرضًا وممرضة.

وأقرت هيئة التأمينات في سوريا استقبال طلبات مصابي السرطان من موظفي الدولة المؤمّن عليهم صحيًا، بناء على ما أقره مجلس إدارة الهيئة حول تقديم صندوق الرعاية الاجتماعية لدعم مرضى السرطان بمبلغ مليون ليرة سورية لكل عامل يقدم إثباتات مرضه بالسرطان منذ 1 من كانون الثاني الماضي.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *